توقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما غزا أوكرانيا، غزوًا سريعًا وحاسمًا من شأنه أن يعيد نفوذ الكرملين في أوروبا الشرقية ويصقل مكانته كزعيم روسي على قدم المساواة مع بطرس الأكبر، وكاثرين العظيمة.
وبعد أسابيع، أصبحت روسيا منبوذة، بينما المقاومة الأوكرانية العنيدة -بقيادة الرئيس الكاريزمي فلاديمير زيلينسكي- حظيت بالإعجاب في كثير من أنحاء العالم.
ليس هناك شك في أن الجيش الروسي لديه القوة النارية لتسوية جارته الصغيرة بالأرض إذا اختار ذلك، لكن التكاليف التي سيتحملها المجتمع الروسي قد تكون هائلة وتستمر لسنوات، وحتى لأجيال قادمة.
روسيا انتهت
تقول نينا خروشيفا، عالمة السياسة في المدرسة الجديدة: “روسيا انتهت”، وقد كان جدها الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، وهو من أصل روسي بدأ صعوده في صفوف الشيوعيين في أوكرانيا.
وخروتشوف -الذي نشأ في عائلة من الفلاحين على الحدود الأوكرانية- هو الذي أعاد شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا في عام 1954م كمنطقة إدارية سوفييتية، مما أدى إلى التحولات الجيوسياسية التي كان من شأنها، بعد ذلك بكثير، أن تؤدي إلى الحرب.
بعد 6 عقود -في عام 2014م- غزا بوتين أوكرانيا لأول مرة لاستعادة شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى منطقتين شرقيتين يقطنهما العديد من الروس، وعندما شن بوتين غزوًا واسع النطاق الشهر الماضي، ألقى باللوم على أسلافه السوفييت في ارتكاب أخطاء قال: إن من واجبه الآن تصحيحها.
روسيا أصبحت مكروهة
قليلون خارج الكرملين يرون الأمر بهذه الطريقة، تقول خروشيفا: أصبحت روسيا مكروهة من قبل بقية العالم، متوقعة فترة من العزلة الدولية التي بدأت تتعمق، وروسيا هي الآن العدو العالمي، وهذا أثر لا ينتهي بسرعة، وتضيف متخيلة بتشاؤم: سنظل 100 عام أخرى نمثل أشرار الكون، فقد أعلن بايدن، يوم الجمعة الماضي، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وآسيا قد ألغوا مكانة روسيا كشريك تجاري مفضل، وهي خطوة تأتي على رأس عدة جولات من العقوبات وهجرة جماعية من قبل الشركات الغربية من أوروبا.
وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح إلى متى ستستمر العقوبات، إلا أنه من الواضح جدًا أن روسيا ستصبح أفقر وأكثر تخلفًا من الناحية التكنولوجية، والخيارات المتاحة لمواطنيها ستتقلص بشكل جذري ولسنوات عديدة قادمة، كما صرح إدوارد ألدن من مجلس العلاقات الخارجية لصحيفة “ذي هل”.
الصين لا تهتم بغير مصالحها
من المؤكد أن موسكو تنتظر رداً من بكين على ذلك، وقد تجنبت الصين الانضمام إلى جوقة الإدانة الموجهة لروسيا، ولكن طموحاتها الواسعة قد تجعل بوتين مديناً لها بدرجة خطيرة.
وما هو واضح بالفعل هو أن ثلاثة عقود من الأمل في خروج روسيا من الحرب الباردة، مثل ألمانيا، كديمقراطية حديثة كاملة، قد تحطمت بشكل حاسم، وقد كان رحيل ماكدونالدز، الذي افتتح في الميدان الأحمر في عام 1990م وسط انبهار شديد، رمزًا مؤثرًا لخيبة الأمل في مدى ضآلة التغيير منذ انهيار الشيوعية.
لم تكن العقوبات الأولية مفاجأة للكرملين، الذي كاد أن يرحب بها إظهاراً للتحدي، كما أنها، حتى الآن، لم تكن بمثابة رادع، وفي خطابات وكتابات بوتين –ومن بينها مقال صريح بشكل ملحوظ باللغة الإنجليزية قبل عامين في “ناشيونال إنترست” الأمريكية- يناقش بوتين التاريخ من منظور جيوسياسي، وقد يكون على استعداد لقبول المعاناة الجماعية لتحقيق رؤيته لاستعادة الإمبراطورية الروسية التي تشمل أوكرانيا وربما كل دول الاتحاد السوفييتي السابق الأخرى، لكن تحقيق هذه الرؤية تتسبب بالفعل في معاناة واسعة النطاق للروس والأوكرانيين على حد سواء، مما أدى إلى نوع من الإدانة شبه العالمية النادرة في عالم من المصالح الوطنية المعقدة والمتضاربة.
بوتين عُزل ومات أخلاقياً
“بوتين عُزل ومات أخلاقياً”، قالت الافتتاحية الرئيسة في العدد الأخير من مجلة “الإيكونوميست”، التي شبهته بجوزيف ستالين، الدكتاتور السوفييتي الوحشي الذي يعمل بوتين بجد لإعادة تأهيل صورته.
تعتقد خروشيفا أن مثل هذه المقارنات غير عادلة مع ستالين، وتقول: حتى ستالين كانت لديه رؤية، مضيفة أنها لا تتعاطف مع المستبد السوفييتي الذي لا يرحم الذي أرسل الملايين من مواطنيه للموت والسجن، تتمثل نقطة المقارنة، بدلاً من ذلك، في التأكيد على فشل بوتين في توضيح سبب غزو أوكرانيا، وهي دولة مع أنها تشترك في العديد من الروابط الثقافية والتاريخية مع روسيا لكنها تتمتع بالسيادة منذ عام 1991م.
وتعتبر خروشيفا رؤية بوتين لـ”دولة شاملة” تشمل روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا أبعد من النظر إلى الخلف، ناهيك عن عدم الاتصال بالسكان الروس الذين ربما يكون قد أساء تقدير رغبتهم في الحرب.
ومع ذلك، لا تزال الحرب تُشن باسم المواطن الروسي، وكلما طال أمدها، أصبح بوتين أكثر خطورة، إن إظهار القوة هو سمة أساسية في سياسة بوتين الخارجية، وهذه سياسته منذ عقود، فقد قال في مقابلة مع المحاورين الروس في عام 2000م عن الحرب الثانية التي شنها ضد الشيشان: “عليك أن تضرب أولاً وبقوة حتى لا يقف خصمك على قدميه”، وقد حوّل الصراع جمهورية الشيشان إلى ركام، ولم يترك سوى القليل من الحزن والدمار في أعقاب الجيش الروسي.
مخاوف مماثلة تتزايد مع اقتراب القوات الروسية من كييف، على الرغم من أن بوتين قد لا يكون على استعداد لتدمير المدينة ذات الأهمية التاريخية، ومع ذلك، فإن الفشل في الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية سيكون هزيمة، تقول خروشيفا: لا أعتقد أن روسيا لديها نتيجة أفضل، روسيا ليس لديها حل آخر على الإطلاق.
إن أي نتيجة أقل من تحقيق نصر واضح قد تكون مدمرة لبوتين شخصيًا، الذي يمارس سلطته دون منازع تقريبًا على مدى عقدين من الزمن، وقد فشلت محاولات التوصل إلى سلام تفاوضي، حتى الآن، ويبدو أن الارتباك بشأن المسار المقبل -على الجبهتين الدبلوماسية والعسكرية- يتعمق.
فرانسيس فوكوياما
يعتقد العالم السياسي فرانسيس فوكوياما أن المقاومة الأوكرانية التي يدعمها الغرب ستنتصر في النهاية ضد الجيش الروسي الذي يتمتع بميزة الحجم ولكنه يعاني من ضعف القيادة وانخفاض الروح المعنوية، ويقول فوكوياما، في مدونة حديثة: إن الحرب ستنتهي بـ”هزيمة صريحة” لروسيا، وانهيار لاحق لنظام بوتين، إنه يحصل على الدعم لأنه يُنظر إليه على أنه رجل قوي؛ ما الذي يجب أن يقدمه بمجرد أن يبرهن على عدم كفاءته ويتم تجريده من قوته القسرية؟
تعتقد خروشيفا أنه حتى لو تم استبدال بوتين كرئيس، فإن هيكلية السلطة الكليبتوقراطية التي أنشأها ستبقى، مما سيسمح ببساطة لخليفته بتولي السلطة دون إجراء إصلاحات، بالطريقة التي فعلها ديمتري ميدفيديف عندما أصبح رئيسًا في عام 2008م، بوتين لم يستطع أن يكررها، وغيّر ذلك القانون منذ ذلك الحين، مؤكدًا حكمه الخاص إلى الأبد.
وقد صرحت خروشيفا لموقع “ياهو نيوز” أن “النظام متكلس”، وأن مناقشة روسيا ما بعد بوتين سابق لأوانه للغاية، وقالت: شعبيته آخذة في الازدياد، على الرغم من أن استطلاعات الرأي قد تكون غير دقيقة في روسيا، فإن شعبيته في الشهر الماضي كانت أعلى من 70%، وتتوقع خروشيفا أن الناس سوف يلتفون حول العلم، ولن يفكروا في لافتات باللونين الأصفر والأزرق الأوكراني التي أصبحت شائعة في العديد من المدن الغربية.
________________________
المصدر: “ياهو نيوز”.