عادة، لا أحب الكتابة في شهر رمضان، ولكني لم أستطع أن أمسك قلمي عن الكتابة خاصة عندما خرجت علينا هذه المسلسلات التي إذا وصفتها بالهابطة فقد مدحتها، فلو كانت هذه المسلسلات في زمن امرؤ القيس بالجاهلية، أو عمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس في الإسلام، لعفّوا عن مشاهدتها، وخصوصاً في هذا الشهر الكريم، فإن لرمضان احتراماً وقدسية خاصة، فهو شهر القرآن؛ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185).
ما عرض في أحد المسلسلات التي تصور المجتمع الكويتي منفتحاً بطريقة بشعة، ومشوهاً سمعة هذا المجتمع المحافظ، ولا سيما الأطباء؛ لا يمثل المجتمع الكويتي، فنحن شعب محافظ وملتزم بمبادئ وقيم الإسلام في الغالب الأعم، وإن كان لدينا بعض من يخالف هذه القيم، مثل كل المجتمعات، ولكنها فئة شاذة عن المجتمع، ولا تمثل ظاهرة كبيرة، وكذلك تصوير الشعب المصري الشقيق بصفات لا تليق به، وليست من أخلاقه وقيمه، هؤلاء أهل مصر الذين لهم في ذمتنا وصية نبوية شريفة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عن مصر: “إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً” (رواه مسلم).
هذا المسلسل الذي يحمل اسم شارع بمصر، وتم تصويره في دولة خليجية، وتدور أحداثه في دولة الكويت، شاهدت بعض حلقاته، والحقيقة أنه لا يمت للواقع بصلة، وما هو إلا تشويه متعمد للشعب الكويتي أولاً الذي يدفع ضريبة مواقفه العربية والإسلامية المشرفة -مثل رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل- من خلال تصويره لهذا المجتمع بالانحلال، وتصوير زمرة بالمجتمع المصري بأنها السمة الغالبة، فهذا تجنٍّ على إخواننا المصريين، فالكويت بلد الشيخ ابن فارس، والسميط، والعجيري، وعبدالله المطوع.. وغيرهم كثير، ومصر بلد الأزهر الشريف، والطهطاوي، والعقاد، والرافعي، وزويل.. وغيرهم من العلماء الأجلاء في كل المجالات.
عظيم ما فعلت وزارة الإعلام الكويتية مشكورة؛ حيث رفعت قضية في المحكمة ضد هذا المسلسل، إلى جانب الانتقادات الواسعة التي وجهت لهذا العمل الهابط، وهذا ليس كافياً، وإنما يجب مقاطعة كل من شارك في الإساءة للمجتمعين الكويتي والمصري ولفئة الأطباء خاصة من ممثلين وشركة إنتاج وغيرهم.
لقد تعرض المسلسل لانتقادات واسعة، وكذلك يجب ألا نعطيهم الحق في تمثيل مشهد عن “البدون”، في الوقت الذي يواصل فيه شباب من هذه الفئة اعتصامهم وإضرابهم عن الطعام منذ أكثر من أسبوعين وسط صمت مطبق من كل أجهزة الدولة، بما فيها مجلس الأمة وجمعيات حقوق الإنسان، نعم المسلسلات الهابطة تهدم الأخلاق ولا نرضى بها، فيجب أن تكون لنا نفس الحمية والوقوف مع من اختار الإضراب عن الطعام أو أي وقفة احتجاجية لنيل حقه في الحياة، فهؤلاء لا يريدون إلا المواطنة وحق الحياة والعمل، ويجب ألا نسمح للآخرين بالتندر علينا في أعمال فنية هابطة أو في الإذاعات أو بعض المنظمات بأن لدينا فئة من الناس تواجه ظلماً بيناً، فالمحافظة على السلوك الأخلاقي للمجتمع الكويتي يجب أن تتماشى مع عدم السماح بتشويه الصورة الإنسانية للكويت، وعندما نقول: إن السلوكيات السلبية التي يؤديها بعض الممثلين عن مجتمعنا لا تمثل الكويت، فماذا نقول عندما يتحدث أحدهم عن أوضاع “البدون” المأساوية؟!
فعلينا غلق هذا الملف المزمن وهذه القضية الإنسانية حتى لا نتعرض للانتقادات بين الحين والآخر، نعم نحن مثل كل المجتمعات البشرية لسنا ملائكة، وكلنا نخطئ ونرجع إلى طريق الجادة والصواب، ولكن حقوق الناس ليست مجالاً للتأخير، يقول الشاعر:
إِياكَ من عسفِ الأنامِ وظلمِهمْ واحذرْ من الدعواتِ في الأسحارِ