بداية، ما الكبر؟ وما الغرور؟ أيختلفان أم هما شيء أو خُلق واحد؟!
الشيء الوحيد الذي يتفق فيه الكبر والغرور أن هاتين الصفتين الممقوتتين المكروهتين عند الله تعالى أنهما محور من المحاور الأكبر من تركيبة خلق الشيطان الرجيم، فمن تدثرهما فلم ولن يكن له قدوة إلا الشيطان الرجيم أعاذنا الله تعالى منه بحوله وقوته جل وعلا، ومن كان الشيطان قدوته خُلّد في النار معه.
الغرور يخص نظر المغرور في ذاته وقدراته ومواهبه، ويرى أنه يملك ما لا يملكه غيره من ذكاء وعقل وقَّاد وتفكير راق وعميق، وأنه لا يحتاج لمشورة أحد، بل على العكس الكل يحتاج لتفكيره المستنير، وسداد عقله ورأيه الذي لا يجاريه رأي ولا عقل، ويعتبر النصح له، حسب فهمه المغلوط، أن من ينصحه دكتاتوري يسعى لإذعانه، وهنا يفتح عليه الشيطان باباً كبيراً من أبواب الإثم والسفاهة التي تؤدي بصاحبها إلى سخط الله سبحانه تعالى وسخط عباده، ومن ثم يكون هو الأكثر غباء دون أن يعلم، وكما قال أحد الحكماء: أغبى الناس من لا يحترم ذكاء الناس، وإن فاض العلم والذكاء.
الكبر مذموم ومشؤوم، وخلق يبغضه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أشد البغض، والناس العقلاء عموماً، حيث يرى المتكبر أو المتعالي في علاقته بالآخرين العُجب بنفسه ورأيه، وأنه هو الأعلى والأفضل مطلقاً، وأنه لا يمكن أن يسمع لأحد نصحاً لأنه هو الأرفع، فلا يحق لأحد أن يُملي عليه نصحاً، ومن ثم تتولد وتنتفش فيه هذه الأخلاق البذيئة كالحقد والحسد عند هذا المتكبر، والنتيجة الأكيدة حينها العمل تخطيطاً للمكائد والخيانات، حتى تصل بالإنسان إلى الشرك بالله تعالى والكفر به والعياذ بالله، كما بين الله تعالى ذلك في المتكبر الأول، والقائد لكل مغرور ومتكبر شاء أم أبى، فقائده إبليس الرجيم: (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) (الأعراف: 12)، وعلى هذا الأساس حقر غيره واستصغره، فما كان أمامه إلا الكفر بالله كما بيَّن الله تعالى ذلك بقوله: (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 34).
وأيضاً كما جاء بيان ذلك على لسان كفار قريش أبو جهل، وأبو لهب، وأمثالهما، فهم علموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي ورسول، وأنه على الحق وجاء بالحق، إلا أن الكبر والغرور ولد لديهم الحقد والحسد، ومن ثم الكفر، رغم علمهم بوجود الله تعالى وربوبيته كما بين القرآن ذلك: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت: 61)، نعم يعلمون ذلك، إلا أن الكبر والغرور صرفاهم عن الحق والتوحيد وزين لهم الشيطان الكفر.
والكبر كما هو معلوم يورث الكراهية والبغض بين الناس، وأول ما يكره ويتضايق منه المتكبر كل من ينصح له ويرشده وإن كان أقرب الناس إليه، حتى لو كان الناصح والديه أو أخاه أو ولده، وهذا دليل كيد الشيطان كما يقول أهل الدعوة والحكمة، فالشيطان زرع بين جوانحه المصلحة الدنيوية الفانية والشخصانية، والرفعة والتعالي على الغير والغرور، حيث يرى ما لا يراه الغير، والكبر يسبب المكائد بين البشر والخلائق، وقد بين الله تعالى ذلك في قائد الكبر والغرور والكفر الشيطان الرجيم، قال تعالى مبيناً ذلك: (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (الأعراف: 16)، وكما يقول أصحاب الأمثال والحكمة: “الكبرياء لا يحصل عليه إلا الأحمق”.
والغرور كما قيل فيه يجلب القلق والاكتئاب ويمحق السرور، في النهاية هذه لا تأتي إلا بالرذائل ومحق الفضيلة والخير والسرور، وتولد الصَغار في العقل والتفكير، لأن هذا المغرور أو المتكبر كلما عرض عليه رأي لا يرى فيه إلا الضآلة والصغار والسطحية حتى من محبيه، فيأخذ في نفسه مقلباً، ومن كبير الحمق والغرور والكبر أن يرى الإنسان نفسه أرفع من غيره نزاهة وثقافة وفهماً، وهو لا يدرك أن نفسه وهواه يجرانه إلى الهوان والجهل والحمق، وأخيراً إلى الحقد والحسد، ومن ثم الجحيم في نار جهنم لأنه اقتدى بالشيطان الرجيم.
المتكبر لا يدخل الجنة، ولا طريق له إلا طريق الجحيم مع سيده الذي اقتدى به الشيطان الرجيم، قال تعالى: (لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف: 18)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”، تخيل مثقال ذرة، فتخيل من في قلبه عشرات الكيلوجرامات من الكبر، وبعضهم في قلبه أطنان من الكبر والغرور، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم التواضع التواضع للوالدين.
والغرور هو عين الأنانية، حيث التمادي إعجاباً بالذات والرأي والنظرة للنفس أنها قمة الكمال، وهذا الكمال الذي يدعيه المغرور هو محور من محاور الأمراض النفسية والعضوية أيضاً، والاجتماعية كذلك.
في المقال القادم، بإذن الله تعالى، نتحدث ونذكر مؤشرات الكبر والغرور، وصفات المتواضعين.