يرى محللون بارزون أن أفريقيا باتت محط أنظار قادة العالم، حيث تجذب اهتمام الجهات الدولية الفاعلة باعتبارها سوقاً عالمية واعدة، نظرًا لتزايد عدد سكانها، ومواردها الطبيعية الهائلة.
وقام العديد من كبار القادة في العالم بجولة في القارة السمراء العام الجاري، للبحث عن شراكات أو تعزيز العلاقات القائمة بالفعل، أو التعبير عن الاهتمام بالبحث عن الغاز والتنقيب عن المعادن، إضافة لتطلعات أخرى.
وقال ديرك كوتزي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جنوب أفريقيا، لـ”الأناضول”: إن الجميع من الحلفاء التقليديين إلى الوافدين الجدد يتطلعون إلى شراكات مع أفريقيا بسبب الفرص المستقبلية التي تلوح في الأفق.
وأضاف أن عدد سكان أفريقيا يتزايد بشكل أساسي من الشباب ما يجعلها جذابة.
قوة جيوسياسية
والجمعة، اختتم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن زيارة إلى رواندا، محطته الثالثة والأخيرة في إطار جولته الأفريقية التي شملت أيضاً جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية على مدار أسبوع.
ونوّه بلينكن أن سكان أفريقيا من الشباب وأنه في غضون عامين سيكون نصف سكان القارة في سن 25 عامًا أو أقل.
وأثناء وجوده في جنوب أفريقيا، أطلق بلينكن إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة للتعامل مع دول أفريقيا.
وفي معرض توضيحه للإستراتيجية في خطاب ألقاه في بريتوريا، الأسبوع الماضي، قال: إنها تعتمد على الاعتراف بدول جنوب الصحراء باعتبارهم “شركاء متساوين”، مشدداً على دور المنطقة باعتبارها “قوة جيوسياسية رئيسية”.
وأضاف: بحلول عام 2050، سيكون واحد من كل 4 أشخاص على الكوكب الذي نتشاركه من الأفارقة، وسيشكلون المصير ليس فقط لهذه القارة، بل للعالم بأسره.
ميدان تنافس
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أن زيارته لا تهدف إلى مواجهة النفوذ الروسي في القارة، بل تسعى إلى إقامة شراكات حقيقية مع الدول الأفريقية.
غير أن كثيرين اعتبروا زيارته وسيلة لمواجهة نفوذ موسكو المتزايد في القارة لأنها جاءت بعد أسابيع قليلة فقط من اختتام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة لـ4 دول لتعزيز الدعم من الدول الأفريقية.
وظلت العديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك جنوب أفريقيا، الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة في القارة، على الحياد بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، رافضة الانضمام إلى واشنطن ودول غربية أخرى في إدانة موسكو.
وقال بلينكن، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الجنوب أفريقية ناليدي باندور، الإثنين، في مدينة بريتوريا (الواقعة في الجزء الشمالي من مقاطعة غوتنغ): لا نجبر الدول على الاختيار.. نحن نقدم خيارات إيجابية.
ومع ذلك، لم يخف بلينكن كلماته بشأن العدوان الروسي على أوكرانيا، بل أدانها بشدة.
وقال بلينكن، بدون تسمية أي دولة أفريقية: إن البعض أُجبر على التعامل مع روسيا بسبب عدم وجود بديل.
وشاركت مجموعة “فاغنر” الروسية المثيرة للجدل، وهي شركة أمنية خاصة، في عمليات ببلدان أفريقية تواجه صراعات، بما في ذلك ليبيا الواقعة شمال أفريقيا، بينما تعد موسكو أيضًا موردًا رئيسا للأسلحة لدول عديدة في القارة.
اهتمامات مختلفة
وفي جولته الأفريقية، زار كبير الدبلوماسيين الأمريكيين جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث التقى بالرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، ورئيس الوزراء جان ميشال سما لوكوندي.
وناقش بلينكن ورئيس الوزراء لوكوندي أهمية تنظيم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة عام 2023.
وفي رواندا، أعرب وزير الخارجية الأمريكي خلال اجتماعه مع الرئيس الرواندي بول كاغامي في العاصمة كيغالي عن مخاوف جدية تتعلق بحقوق الإنسان في رواندا.
كما تطرق بلينكن إلى مسألة التقارير الموثوقة المتعلقة بدعم رواندا المزعوم لجماعة “حركة 23 مارس” المتمردة، ومزاعم إرسال قوات رواندية إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.
وتتألف “حركة 23 مارس” من عرق “التوتسي” الكونغوليين الذين انخرطوا في القوات النظامية بموجب اتفاق سلام تم توقيعه في مارس 2009، لكنهم أعلنوا تمردهم في أبريل 2012، معتبرين أن الاتفاق لم يطبق بالكامل.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة جنوب أفريقيا ديرك كوتزي أن نفوذ روسيا في القارة ينصب بشكل أساسي على شمال أفريقيا وليس أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لذلك لا توجد منافسة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وقال: إن روسيا ليست عملاقًا اقتصاديًا في أفريقيا، على عكس الصين التي يُنظر إليها على أنها تهديد.
ونوّه الخبير السياسي بأن الولايات المتحدة لديها سوق متخصصة مختلفة عن روسيا.
وأوضح كوتزي أن الولايات المتحدة تتطلع إلى تصدير اللقاحات، ولديها مصالح في مجال الطاقة، إلى جانب أمور أخرى.
الغاز الأفريقي
يرى ديرك كوتزي أن الدول الغربية بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بدأت تتجه إلى أفريقيا للبحث عن مصادر غاز غير مستغلة.
وفي يوليو الماضي، التقى الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا مع رئيس موزمبيق فيليب نيوسي في العاصمة “مابوتو” لمناقشة إمدادات الغاز في الوقت الذي تسعى فيه لتقليل اعتمادها على روسيا.
وبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 25 يوليو الماضي، جولة بغرب أفريقيا شملت مستعمرات فرنسية سابقة مثل الكاميرون وبنين وغينيا الاستوائية، في الوقت الذي يشهد نفوذ بلاده تصدعاً في أكثر من بلد أفريقي، أمام منافسة عدة دول صاعدة بينها روسيا والصين.
أما لافروف، فسبق ماكرون إلى القارة السمراء بيومين، وختمها في 27 يوليو الماضي، بجولة شملت كلاً من مصر وأوغندا والكونغو (برازافيل) وإثيوبيا، وجميع هذه الدول تقع شرقي القارة، باستثناء الكونغو الواقعة في غربها، والخاضعة قديما للاستعمار الفرنسي.
وفي مايو الماضي، شرع المستشار الألماني أولاف شولتس في زيارة لـ3 دول أفريقية، بما في ذلك السنغال والنيجر وجنوب أفريقيا.
وأثناء وجوده في السنغال، قال شولتس: إن بلاده تسعى بشكل مكثف لإنشاء مشاريع الغاز والطاقة المتجددة مع الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.
وأوضح الخبير السياسي ديرك كوتزي أن الغرب قد يستخدم الغاز الأفريقي لمدة عقد أو عقدين في سعيه للانتقال إلى مصادر أخرى للطاقة.
خطوات يائسة
يؤكد إقبال جسات، المحلل السياسي المقيم في جوهانسبرج (أكبر مدن جنوب أفريقيا)، لـ”الأناضول”، أن دافع أوروبا لإمدادات الطاقة من أفريقيا خطوة يائسة للتغلب على احتياجاتهم في أعقاب التداعيات مع روسيا.
ورجح جسات أن النقص الذي تعاني منه أوروبا ناجم عن رد الفعل الذي فشلوا في توقعه بفرض عقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا.
وأوضح أن الدول الأفريقية التي تمتلك احتياطيات من الغاز والنفط تتعرض الآن لضغوط لتلبية شهية أوروبا الهائلة، رغم أنه من المعروف أن قدرة أفريقيا فيما يتعلق بالبنية التحتية محدودة للغاية.
وفي السياق، قال مصطفى محيتا، الأستاذ في الجامعة الوطنية الصومالية، لـ”الأناضول”: إن الزيارات التي يقوم بها كبار قادة العالم تسلط الضوء على كيف أصبحت أفريقيا قارة إستراتيجية، ولا سيما في توفير الموارد لما يسمى بالعالم المتقدم.
وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والأسمدة، ما فاقم معاناة الدول الأفريقية ذات الاقتصاديات الهشة، خاصة المستوردة منها للغذاء من روسيا وأوكرانيا.
ومع تصاعد أزمة الغذاء العالمي، يتوقع خبراء أن يتسبب ذلك في اتساع رقعة الجوع خاصة ب أفريقيا، ما ينعكس على أوضاعها الاجتماعية والأمنية في صورة أعمال شغب، قد تؤدي إلى انهيار أنظمة ودول، خاصة مع احتدام الصراع الروسي الفرنسي في أفريقيا التي ستقسم إلى دول صديقة وغير صديقة.