قالت المحللة السياسية الفرنسية آن إليزابيث موتيه في مقال لها بصحيفة تلغراف (The Telegraph) البريطانية إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أشعل حريقا سياسيا في البلاد قد ينهي رئاسته في وقت قريب، وسط اشتعال الإضرابات في كل أنحاء البلاد.
وأضافت آن إليزابيث أن ماكرون اتخذ “موقفا عسكريا صارما” في مقابلة تلفزيونية مطولة تحدث فيها عن الأزمة الخانقة التي تضرب فرنسا في مجال الطاقة بعد إضراب النقابات المستمر منذ أكثر من أسبوعين.
وقال ماكرون إنه ليس من دور الحكومة التدخل في محادثات رفع الرواتب داخل الشركات الخاصة، لكن بالمقابل كشف عن إجراءات لإجبار عمال مصفاة إيسو-إكسون موبيل على فتح مستودعات النفط لأجل التخفيف من الأزمة الكبيرة في محطات الوقود في منطقة باريس تحديدا.
خطأ كبير
وبحسب الكاتبة، فإن ماكرون أخطأ في قراءة المزاج الوطني الفرنسي وسجل هدفا ضد مرماه، حيث إن معظم الفرنسيين يدعمون الإضرابات على الرغم من تأثيرها السلبي على حياتهم اليومية.
وقالت إنه رغم قلق الفرنسيين على ارتفاع أسعار المعيشة، ومشاكل التنقل خاصة في ظل توقف تشغيل خطوط القطارات وفشل الحافلات في سد هذه الثغرة، فإن قلقهم أكبر حول المساس بحقوقهم الدستورية، وفي مقدمتها الحق في الإضراب.
وتجتاح فرنسا موجة إضرابات في قطاعات متعددة، أبرزها قطاع الطاقة، وتقول الكاتبة إن موجة الإضرابات الحالية والتي ستستمر خلال الأيام المقبلة، تأتي في وقت حرج بالنسبة للرئيس الفرنسي وحكومته، حيث سيحاول تمرير ميزانية العام المقبل في برلمان لا يتمتع فيه بأغلبية مطلقة مريحة.
وقد حذرت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بأنها ستدافع عن مشروع قانون الميزانية بكل الوسائل، وإذا تعذرت المصادقة البرلمانية عليها فإنها ستستخدم إجراء دستوريا يتجاوز التصويت، شريطة فوز حكومتها في تصويت بالثقة.
وأكدت آن إليزابيث أن ماكرون قد يضطر للدعوة إلى انتخابات عامة جديدة في حال فشل تمرير مشروع ميزانية العام المقبل، وقد لا تكون النتائج في الخط العام الذي يريده.
إضرابات.. إضرابات
ولأول مرة منذ بدء الإضرابات نهاية الشهر الماضي، وقّعت مجموعة “توتال إنرجيز” الجمعة اتفاقا حول الأجور مع نقابتين، ودعت إلى إنهاء الإضراب، لكن المواجهة بشأن الرواتب تمتد حاليا إلى قطاعات أخرى في فرنسا.
وتم تمديد حركة الإضراب التي بدأها الاتحاد العام للعمال “سي جي تي” (CGT) وهي النقابة التي لم توقع الاتفاق، الجمعة في المواقع الخمسة التابعة لتوتال إنرجيز ولا سيما في مستودع فلاندرز (شمال) وهو الوحيد الذي أمرت الحكومة موظفين فيه بتأمين شحنات من الوقود.
ومارست الحكومة ضغوطا كبيرة لبدء هذه المفاوضات بينما تعطل ثلث محطات الوقود في الأيام الأخيرة في البلاد، وعدد أكبر في شمال فرنسا، ما أثار استياء سائقي السيارات بسبب صفوف انتظار طويلة أمام المحطات.
ويؤثر هذا الإضراب على الاقتصاد مع تعطل العديد من القطاعات من سائقي الشاحنات إلى التمريض والحرفيين والمزارعين الذين يخشى بعضهم ألا يكون قادرا على زراعة الحبوب الشتوية.
كما أطلقت دعوات إلى تنظيم “الإضراب العام” الذي ترى الحكومة أنه يزيد الأوضاع تعقيدا. ويفترض أن يكون الثلاثاء مناسبة ليوم تعبئة وطنية للإضراب، بدعوة من 4 نقابات وعدد من المنظمات الشبابية.
وقبل ذلك ستتظاهر أحزاب يسارية ومنظمات غير حكومية ونقابات عمالية بمسيرة في باريس الأحد احتجاجا على “ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم التحرك في مجال المناخ” على أمل فتح جبهة جديدة ضد الحكومة وماكرون.
وقال غي غرو الباحث في مركز البحوث السياسية لوكالة الصحافة الفرنسية إن فرنسا تشهد “غليانا حقيقيا” بسبب “غضب اجتماعي عميق الجذور”.