لا ينفك الاحتلال عن خلق سياسات وأساليب جديدة لبسط سيطرته على مدينة القدس، وبالتوازي مع مخططات الاستيطان والتهويد، عملت “إسرائيل” منذ عدة سنوات على سياسة تطبيق “القبور الوهمية” للتوسع بالمدينة على حساب المقدسيين وأراضيهم.
والقبور الوهمية، هي قبور فارغة لا أموات فيها، يوضع فوقها شواهد تحمل أسماء عبرية وتزرع بترتيب يوحي للناظر بوجود مقبرة قائمة، وتتوزع هذه القبور على عدة أحياء بالقدس لكنها تتكدس في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، وتحديداً في أحياء وادي الربابة.
مقبرة سامبوسكي
رئيس لجنة الدفاع عن حي وادي الربابة عبد الكريم أبو اسنينة، يقول إن الاحتلال بدأ منذ أكثر من 20 عامًا برسم خطط واستراتيجيات متعددة؛ للسيطرة على أراضي الحيّ بزعم أن هذه الأراضي هي مقابر يهودية قديمة.
ويضيف “أبو اسنينة” : “الجمعيات الاستيطانية تعيد إحياء ما يسمى بـ “مقبرة سامبوسكي”، التي كانت مقامة على أراضي حيّ وادي الربابة، بحسب الرواية اليهودية المزورة”، لافتاً إلى أن المؤرخين الفلسطينيين ينفون بشكل قاطع وجود أي أثر لمقابر يهودية قديمة في القدس.
ويطمح الاحتلال للسيطرة على جميع أراضي حيّ وادي الربابة البالغة مساحتها 250 دونم وتهجير قرابة 1800 مقدسي يقطنون بالحي، بحجة وجود أموات يهود قبل الاف السنين.
ويبين “أبو اسنينة”، أن جمعية “ألعاد” الاستيطانية تخصص ما يقارب 28 مليون شيكل لخلق سياسات جديدة ومبتكرة لتهجير المقدسيين من المنطقة، وزراعة قبور وهمية عبر استقدام حجارة ووضعها على الأرض كشواهد لقبور فارغة.
ويردف: “هذه الحجارة تغلق الطرق أمام سكّان الحيّ خاصة فئات المسنين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، ناهيك عن تعطيل مركبات الإسعاف والإطفاء وتأخير وصولهم للحي”.
منطقة “الحوض التاريخي”
من جهته، يوضح الباحث المقدسي وعضو لجنة الدفاع عن بلدة سلوان فخري أبو دياب، أن الاحتلال دائمًا ما يخترع ويبتدع وسائل وأساليب للسيطرة على الأراضي والمسطحات الفارغة في مدينة القدس، وتحديدًا في المنطقة المسماة بـ “بالحوض التاريخي”، وهي الأهم بالنسبة للمشروع الصهيوني التهويدي.
وتضم منطقة “الحوض التاريخي” المسجد الأقصى والبلدة القديمة وبلدة سلوان وأجزاء من بلدات العيساوية والطور، وتمتد لتصل لحيّ الشيخ جراح، وحي وادي الجوز وسط المدينة، وفق أبو دياب.
ويتابع ضيفنا: “اختراع فكرة القبور الوهمية تأني ضمن الأساليب المبتدعة التي تحمل أهدافًا وغايات إما سياسية أو أيديولوجية، ولعل أبرز هدف لهذه الفكرة هو الاستيلاء على المزيد من الأراضي لاستثمارها مستقبلًا في مشاريع تهويدية واستيطانية.
ويمضي بالقول: “فكرة القبور جاءت للتحايل على القوانين، بحيث أنه لا يمكن الترافع أو الاعتراض على القبور أو إزالتها، بمعنى أنها ستصبح أمرًا واقعًا، فوضع قبر في أرض ما يحول ملكية ومنفعة الأراضي لدولة الاحتلال، وتحديداً لما يسمى بوزارة الأديان والمؤسسات الأخرى، بغض النظر عن كون ملكية هذه الأراضي وقفية أو خاصة”.
ويستطرد “أبو دياب” في حديثه لنا: “الاحتلال اعتمد على البعد الديني لإثبات وجود اليهود في المنطقة، وهم يعلمون تمامًا أنه لم يكن لهم وجود فيها، لكنهم يسعون لخلق حضارة لهم وترسيخ وجود تجمعات يهودية في محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى”.
مقابر وهمية في جبل الزيتون
ولأن وجود أي حضارة يتطلب تثبيت شواهد لها؛ تعتمد الجمعيات الاستيطانية على هذه القبور كشواهد لحضارتهم، والادعاء بأنهم كانوا متواجدين وماتوا ودفنوا في المنطقة، إلا أن ما ينفي ذلك هي أعداد القبور المزروعة حتى اليوم، والتي يتجاوز عددها أعداد اليهود الذين تواجدوا في هذه المنطقة، وفق ضيفنا.
ويذكر “أبو دياب” أن الجمعيات الاستيطانية زرعت حتى اليوم 12 ألف قبر وهمي، موزعة على الزوايا الشرقية والجنوبية، والجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى، لافتاً إلى أن ما يقارب 32% منها تقع في منطقه سلوان جنوب المسجد، وتتم زراعة القبور إما من خلال تسوية الأرض وترتيب الحجارة فيها بطريقه معينه تحاكي المقابر، أو عبر صب الباطون والإسمنت وإغلاقها، دون كتابة أو وضع أسماء ثم يطلقون على “المقابر” أسماء يهودية.
وعن مقبرة “سامبوسكي” التي أقامها الاحتلال على أراضي حيّ وادي الربابة، يُحدثنا أبو دياب أن الاسم نسبة لأحد حاخامات اليهود الذي كان يعيش في الأندلس، وكان مشرفاً على مقبرة هناك تحمل نفس الاسم، فتم استنساخ الاسم وادعاء وجود مقبرة في وادي الربابة.
ويزيد: “هناك مقابر وهمية في جبل الزيتون، ورأس العامود، والاحتلال يتعمد زرع هذه المقابر بين التجمعات السكانية الفلسطينية لمنع تمددها وتطورها وانتفاع الناس منها”.
وبحسب الباحث “أبو دياب”، فمشروع المقابر الوهمية مستمر منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم، وكان قد بدأ بحوالي 10 دونمات في الزاوية الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى بمنطقة “طنطور فرعون”، حيث أغلق الاحتلال حينها الشارع الرئيسي في منطقة سلوان جبل المكبر، إلى منطقه باب الأسباط وباب العامود بشكل تام؛ للسيطرة على الأراضي في تلك المنطقة.
ويشير إلى أن تلك الأراضي تعتبر أراض وقفية، كما منع الناس من استعمال الشارع حتى اليوم، ولا يستطيع أحد الانتفاع أو استعمال تلك الأرض.
والتهم مشروع القبور الوهمية اليوم 620 دونم حتى الآن موزعة على شرق المسجد الاقصى وجنوبه، وهي قابلة للزيادة بمساحة 26 دونم على الأقل في منطقة “راس العامود” بالقرب من دوار النخيل، حيث يهدد الاحتلال بإزالة 82 منزل ومسجد وروضة أطفال في منطقة “شارع عويس” بادعاء أن هذا الشارع أقيم على مقبرة يهودية.
وعن الحلول القانونية والشعبية، يوضح “أبو دياب” أنه لو تم الاعتراض قانونياً من قبل الأفراد أو المؤسسات الوقفية فإنه لا يمكن الترافع أو الاعتراض أمام المحاكم؛ لأن الأمر يتعلق بالقبور والتواريخ الدينية.
ويشير ضيفنا إلى تحيّز القضاء الإسرائيلي في هذه القضايا، حيث يسمح بهدم وطمس وإزالة المقابر الإسلامية، بحيث أنه لا يقبل مجرد الاعتراض على مقابر يهودية حتى لو كانت وهمية أو لم تكن موجودة أصلا.
ويستبعد أن يشكل الضغط الدولي حلاً مجدياً؛ لأنه على الرغم من أن مشاريع القبور الوهمية هي مخالفة للقوانين الدولية، إلا أن القانون الدولي والدول تخشى المساس أو الاعتراض حتى لا تقع في مربع معادات السامية، أو معادات الشريعة اليهودية.
ويضيف: “لذلك لا يبقى أمام المقدسي في هذه الحالة سوى الحراك الجماهيري الذي لم يصل حتى اليوم لذروته في الاعتراض على هذه المشاريع أو إعاقتها، إنما تقتصر على موجات تزيد حدتها وتنقص من خلال كشف وفضح ممارسات الاحتلال، والإعلان عنها في حين تكتمل مشاريع الاحتلال الذي يملك كل العدة والعتاد لمحاصرة وخنق المسجد الأقصى بالطابع اليهودي وغسل أدمغة السائحين والوافدين للقدس.
المقابر الوهمية والحدائق التوراتية
قالت حركة حماس، اليوم الثلاثاء، إن إقامة سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما يسمّى “المقابر الوهمية والحدائق التوراتية” في مدينة القدس، “إجرامٌ صهيوني لن يُفلح في طمس معالمها وهُويّتها العربية”، وأضاف الناطق باسم حماس عن مدينة القدس، محمد حمادة، أن “سعي الاحتلال المحموم لتغيير معالم القدس من خلال الاستيلاء على الأراضي، وإقامة الحدائق التوراتية والمقابر الوهمية، انتهاكٌ صارخ واستهتار بكل القوانين والمواثيق الدولية”.
وتابع حمادة في تصريح صحفي، أن هذه المخططات “محاولات يائسة لن تفلح في تغيير حقائق التاريخ وهُوية المدينة المقدّسة”، وشدد على أن “شعبنا سيبقى متمسكاً بأرضه ومدافعاً عن مقدساته بكل الوسائل، حتى التحرير وزوال الاحتلال”.