- ما حكم مقاطعة صهري الذي يسيء إليَّ؟ وهل يؤثر ذلك على صيامي؟
– حرم الإسلام على المسلم أن يجفو أخاه المسلم، ويقاطعه، ويُعرض عنه، ولم يرخص للمتشاحنين إلا في ثلاثة أيام حتى تهدأ ثائرتهما، ثم عليهما أن يسعيا للصلح والصفاء والاستعلاء على نوازع الكبر والغضب والخصومة، فمن الصفات الممدوحة في القرآن قوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (المائدة: 54).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فلْيلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجر”.
وتتأكد حرمة القطيعة إذا كانت لذي رحم أوجب الإسلام صلته، وأكد وجوبها، ورعاية حرمتها، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء: 1).
وصور الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصلة ومبلغ قيمتها عند الله فقال: “الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله”، وقال: “لا يدخل الجنة قاطع”، فسَّره بعض العلماء بقاطع الرحم، وفسَّره آخرون بقاطع الطريق، فكأنهما بمنزلة واحدة.
وليست صلة الرحم الواجبة أن يكافئ القريب قريبه؛ صلة بصلة وإحساناً بإحسان، فهذا أمر طبيعي مفروض، إنما الواجب أن يصل ذوي رحمه، وإن هجروه، قال عليه السلام: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها”.
وهذا ما لم يكن ذلك الهجران، وتلك المقاطعة لله وفي الله وغضباً للحق، فإن “أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله”.
وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذين خُلِّفوا في غزوة “تبوك” خمسين يوماً حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، ولم يكن أحد يجالسهم أو يكلمهم أو يحييهم حتى أنزل الله في كتابه توبته عليهم.
وهجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أربعين يوماً.
وهجر عبد الله بن عمر ابناً له إلى أن مات، لأنه لم ينقد لحديث ذكره له أبوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى فيه الرجال أن يمنعوا النساء من الذهاب للمساجد.
أما إذا كان الهجران والتشاحن لدنيا، فإن الدنيا أهون على الله وعلى المسلم أن تؤدي إلى التدابر وتقطيع الأواصر بين المسلم وأخيه، كيف وعاقبة التمادي في الشحناء حرمان من مغفرة الله ورحمته؟ وفي الحديث الصحيح: “تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر الله عز وجل لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أَنظِروا هذين حتى يصطلحاً، هذين حتى يصطلحاً، هذين حتى يصطلحاً”.
ومن كان صاحب حق فيكفي أن يجيئه أخوه معتذراً، وعليه أن يقبل اعتذاره، وينذر النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بأنه لن يرد عليه الحوض يوم القيامة.
وإذا كان للمتخاصمين أن يصفيا ما بينهما وفقاً لمقتضى الأخوة، فإن على المجتمع واجباً آخر، فإن المفهوم أن المجتمع الإسلامي مجتمع متكامل متعاون، فلا يجوز له أن يرى بعض أبنائه يتخاصمون أو يتقاتلون، وهو يقف موقف المتفرج، تاركاً النار تزداد اندلاعاً، والخرق يزداد اتساعاً.
بل على ذوي الرأي والمقدرة أن يتدخلوا لإصلاح ذات البين متجردين للحق، مبتعدين عن الهوى، كما قال تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 10).
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه فضل هذا الإصلاح، وخطر الخصومة والشحناء فقال: “ألا أدلكم على أفضل درجة من الصلاة والصيام والصدقة؟”، قالوا: بلي يا رسول الله، قال: “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين”.
وأقول بعد ذلك للسائل: قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34)، ثم سل نفسك بعد ذلك: كم مرة أهديت صهرك هذا هدية يحبها؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “تهادوا تحابوا”، وكم مرة أثنيت عليه ومدحته؟ وكم مرة دعوت له في صلاتك أن يلين الله قلبه، وأن يصلح حاله؟
ثم بعد ذلك، فإن صهرك –أيها السائل الكريم– شئت أم أبيت هو جد لأولادك، وأب لزوجتك التي تقوم على رعايتك ورعاية ولدك، ومن أجلها يُكرم ويُحسن إليه؛ لأنه هو الذي ربى وتعب ويُنتظر منه أن تكون ابناً باراً به، وفرصة رمضان عظيمة بين يديك، في أن تذهب إليه، وتصالحه، وفي هذا الخير كل الخير.
العدد (1526)، ص55 – 4 رمضان 1423ه – 9/11/2002م.