مع التراجع النسبي لـ«قوات الدعم السريع» التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) أمام الجيش السوداني، بدأت قوى يسارية سودانية وأخرى خارجية تروج لتصاعد الصراع بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان والإسلاميين، وتبدي خشيتها من خروج الحركة الإسلامية منتصرة من صراع البرهان، وحميدتي.
وسائل إعلام معادية للإسلاميين بدأت تروّج لبوادر صراع بين البرهان والإسلاميين؛ بدعوى أنه «ليس حازماً بصورة أكبر مع قوات حميدتي»، وتشير لانتظار الإسلاميين انتصار الجيش الذي سيكون في صالح الحركة.
مصادر سودانية مقربة من الحركة الإسلامية أبلغت «المجتمع» أن هناك محاولة للترويج لصراع وهمي بين الجيش والإسلاميين، من قبل أطراف أجنبية وعربية معادية للحركة الإسلامية في السودان، ضمن دعمهم حميدتي لأهداف مختلفة.
زعم موقع «يورونيوز» الأوروبي، في 29 مايو 2023م، أن هناك بوادر صراع وشيك بين البرهان وإسلاميي السودان، وقال: إن «الإسلاميين لديهم وجود كبير في المؤسسة العسكرية، عملوا عليه منذ وصولهم إلى السلطة في انقلاب البشير عام 1989م».
وادَّعى الموقع الأوروبي أنه منذ اندلاع الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في السودان، يحاول الإسلاميون استغلال الوضع القائم ليضمنوا وضعاً ملائماً لهم في التسوية السياسية المستقبلية.
تزامن هذا مع زعم حسابات سودانية معادية للإسلاميين على «تويتر»، اعتقال عدد من أبرز قادة الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين في السودان على يد «قوات الدعم السريع»، دون تحديد أي أسماء، وهو ما لم ترد أنباء عن صحته.
وهناك موقع موالٍ لحميدتي ويعادي الإسلاميين يسمى «برق السودان»، زعم أنه تم اعتقال علي كرتي، رئيس الحركة الإسلامية، ومعه أنس عمر، والجزولي، عبر «قوات الدعم السريع».
يحدث الآن | إعتقال عدد من أبرز قادة الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين في #السودان على يد قوات الدعم السريع.#برق_السودان pic.twitter.com/vwN17cR7Go
— برق السودان🇸🇩 (@SDN_BARQ) May 23, 2023
لكن رئيس الحركة الإسلامية في السودان، و«التيار الإسلامي العريض»، علي كرتي، نفى هذا ضمناً بتغريدات على «تويتر»، هنأ فيها الرئيس التركي «أردوغان» بفوزه، ووجه رسائل لأبناء الحركة الإسلامية؛ ما ينفي صحة هذه المزاعم.
تهنئة للرئيس والشعب التركي
تتقدم الحركة الإسلامية السودانية بخالص التهاني والتبريكات إلى فخامة الرئيس التركي #رجب_طيب_اردوغان @rterdogan_ar بمناسبة فوزه المستحق في الانتخابات الرئاسية، وتجديد الشعب التركي الشقيق الثقة فيه لقيادة تركيا الحاضر والمستقبل نحو مزيد من التقدم و pic.twitter.com/uEH0AYpP3r
— علي أحمد كرتي Ali Ahmed Karti (@Aliahmedkarti) May 29, 2023
اعتقال 6 إسلاميين
بيد أن مصادر سودانية أبلغت «المجتمع» أن «قوات الدعم السريع» اعتقلت بالفعل قرابة 6 من أعضاء الحركة الإسلامية، أبرزهم أنس عمر، القيادي البارز بالمؤتمر الوطني السابق، ومحمد علي الجزولي، رئيس حزب العدالة، وهو إسلامي معروف.
وأوضحت أن قوات حميدتي أجبرتهم على أن يسجلوا فيديو لكل منهم يعلن فيه أن الإسلاميين يقفون خلف حرب السودان، وأنهم اتفقوا مع البرهان على إسقاط حكومة حمدوك وانقلاب 25 أكتوبر 2022م.
وأجبرتهم، ومنهم الجزولي، للقول: إنهم (الإسلاميين) حددوا مع البرهان ساعة الصفر لهذه الحرب، بالتنسيق مع كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية الحالي، الذي زعم حميدتي أن الجيش يقوم بهذه الحرب بالوكالة عنه وعن الحركة الإسلامية.
لكن الموقع الرسمي للدكتور الجزولي، رئيس حزب دولة القانون والتنمية، أكد أنه «مختطف»، من قبل «قوات الدعم السريع»، مؤكداً أن الفيديو المصور له لا يعبر عنه، وأنه محاولة لاستنطاقه بما يريده حميدتي، وهو زعم أن الحركة الإسلامية وراء الحرب الحالية بين الجيش و«الدعم السريع».
https://www.facebook.com/dr.algzouli2/posts/pfbid0CZbotQnVdPPuQksKsEHaE48GYkTjgZbgVgdVYVWza2QiUqkxh3ZB2W7WqfiBwCH6l
أيضاً نشرت قوات حميدتي فيديو للقيادي عمر بعد اختطافه يتضمن اعترافات كاذبة تحت التهديد، وفق المصادر، أن الحركة الإسلامية تدعم قتال الجيش ضد «قوات الدعم السريع».
https://www.youtube.com/watch?v=Sjm3PdtESdo
وقد نشرت الحركة الإسلامية بياناً، يوم 24 مايو 2023م، تؤكد فيه أن هذه اعترافات تحت التهديد، وأنه تم اختطافهم، منتقدة إرهاب «قوات الدعم السريع» المتمردة، وفق البيان.
https://twitter.com/Aliahmedkarti/status/1661248460073623553/photo/1
عداء حميدتي للإسلاميين
وسبق لحميدتي الزعم بأن الإسلاميين هم من أوصل البرهان إلى السلطة في أبريل 2019م، (أي دعموا انقلابه على البشير)، وزعم أنه يقاتل إسلاميين راديكاليين، ووصف البرهان بأنه إسلامي متطرف!
وقد سعى حميدتي لاستدعاء الإسلاميين كمبرر للاشتباكات؛ حيث قال، في 19 أبريل 2023م: إن القتال الذي يخوضه الجيش السوداني ضد قواته يقوده الإسلاميون لاستعادة السلطة التي فقدوها.
أيضاً أعلن قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، خلال قتاله الجيش السوداني، أنه يفعل ذلك كي يساند الديمقراطية ويحارب الإسلام الراديكالي، وأضاف: نحن نحارب الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولاً في الظلام، وبعيداً عن الديمقراطية!
موقف الإسلاميين
ولم يخف الإسلاميون تأييدهم للجيش، واستعدادهم للذود عنه والقتال في صفوفه واعتباره أحد رموز سيادة البلاد.
وكان موقف الإسلاميين الأبرز في هذا الصدد قول أحمد هارون، الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني، عقب هروبه من سجن كوبر، في تسجيل صوتي، تأييده للجيش السوداني، داعياً قواعد حزبه إلى الالتفاف حول القوات المسلحة.
ومرت العلاقة بين الإسلاميين والمجلس السيادي بقيادة البرهان خلال المرحلة الانتقالية بمنعطفات متعددة، أبرزها عندما شكلت حكومة عبدالله حمدوك اليسارية لجنة «إزالة التمكين»، التي هدفت إلى تفكيك نظام البشير بفصل العديد من الإسلاميين من مناصبهم.
وأصدرت اللجنة قرارات بفصل آلاف الموظفين من الخدمة المدنية والسفراء والدبلوماسيين والمستشارين القانونيين والقضاة، باعتبارهم من الإسلاميين والموالين لهم، وترافق ذلك مع إحالة قائد الجيش البرهان مئات ضباط الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة للتقاعد، وقد عدّ الإسلاميون قرارات اللجنة تصفية حسابات سياسية وانتقاماً منهم.
لكن لاحقاً حدث تحوّل واستدارة في العلاقة بين البرهان والإسلاميين قبيل انقلاب البرهان، في أكتوبر 2021م، ضد شركائه اليساريين في الحكم «تحالف قوى الحرية والتغيير»، عندما ألغت المحكمة العليا قرارات لجنة «إزالة التمكين»، وأعادت كل الذين فصلتهم اللجنة إلى وظائفهم.
وقد أثار ذلك غضب قوى الحرية والتغيير التي اعتبرت الأمر ردة على الثورة التي أطاحت بحكم الإسلاميين (البشير) وانحيازاً من البرهان إليهم.
وزعمت قوى الحرية والتغيير أن هناك تحالفاً خفياً بين الطرفين (البرهان والإسلاميين) لضمان استمرار قائد الجيش في موقعه السيادي والاستقواء بالإسلاميين على معارضيه (اليساريين).
وفي 7 نوفمبر 2022م، قال القيادي بالحركة الإسلامية السودانية أمين عمر، في حوار مع برنامج «المسائية» على قناة «الجزيرة مباشر»: إن عبدالفتاح البرهان يخضع للابتزاز من قبل قوى سياسية، ولذلك تبرأ من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل.
وأوضح عمر أن خطاب البرهان الذي حذر فيه حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقاً) والحركة الإسلامية من التخفي وراء الجيش جاء في إطار نفي الشائعات والتهم التي يوجهها له الشيوعيون واليساريون، بأنه منتمٍ للحركة الإسلامية، على حد قوله.
وقال: إن الحركة الإسلامية لن تكف عن إظهار دعمها للجيش كمؤسسة قومية ممسكة بالبلد، وهذا أمر ليس مستغرباً، مشيراً لسبق تسيير الحركة الإسلامية أكبر موكب بتاريخ البلاد «أمان السودان» دعماً لمؤسسة الجيش.
وقال: إن الحركة الإسلامية قاتلت مع القوات المسلحة خندقاً بخندق، يعني أننا رفقاء خنادق مع الجيش، وسنبقى ندعم المؤسسة، واصفاً تعليقات البرهان حول الحركة الإسلامية بـ«كلام منابر».