شهد السابع من أكتوبر 2023م انطلاق عملية «طوفان الأقصى» بقيادة «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على أرض فلسطين الحبيبة، بعد نفاد صبر المقاومة على ممارسات الاحتلال الصهيوني، في ظل اليمين المتطرف، والتدنيس المستمر للمسجد الأقصى، والقتل الممنهج للفلسطينيين.
وجاءت هذه العملية لتكشف أكذوبة الجيش الذي لا يُقهر، فقد ثبت أنه جيش من ورق، وأن المقاومة رغم محدودية عدتها وعتادها، ولكنها أصابته في مقتل؛ حتى وصف رئيس الوزراء الصهيوني «بنيامين نتنياهو» يوم انطلاق العملية بأنه «سيبقى يوماً أسود في تاريخ الشعوب، والأفظع للشعب اليهودي منذ المحرقة النازية».
وفي ظل رد الفعل الجنوني من العدو الصهيوني على عملية «طوفان الأقصى»، وما قام به من قتل ممنهج للأطفال والشيوخ والنساء وهدم البيوت على أصحابها في غزة بأشد أنواع الأسلحة فتكاً، وبغطاء النفاق الدولي من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، ظهر اليأس من البعض، والتخذيل والانبطاح من البعض الآخر؛ بحجة أن موازين القوى ليست في صالح المقاومة.
وأولى لهؤلاء أن يعلموا أن «كتائب عز الدين القسام» قامت بفعل الواجب الذي هو على الأمة الإسلامية جمعاء في ظل سعي الصهاينة لهدم المسجد الأقصى، وتحملت غزة وحدها تبعات ذلك حماية لمقدسات وأعراض المسلمين التي تنتهك كل يوم، وهم قد أخذوا بأسباب الاستطاعة من القوة، ولم يغفلوا سلاح الدعاء، وهذا هو المنهج الذي اتبعه النبي صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته.
«الشيكل» انخفض إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار بنسبة 3% وتراجعت بورصة «تل أبيب» 8%
وإذا كان أهل غزة يألمون مما أصابهم من قتل وتدمير وقلة الناصر والمعين من البشر، فإن الصهاينة يألمون كما يألمون، ولكن شتان بين من نذر نفسه لله وعاش لله ومات شهيداً في سبيله من أهلنا في غزة، ومن استكبر على خلق الله واحتل أرض فلسطين وظن أن أسلحته وعتاده ونصرة المنافقين من قوى العالم له، تحقق له ما يتغنى به من نصر موهوم، وقضاء على حركة «حماس» لا محل له من الوجود.
تبعات اقتصادية
إن هذه الحرب التي أعلنها الكيان الصهيوني على غزة فتحت وبال التبعات الاقتصادية السلبية عليه، وقد بدا ذلك من خلال ما آلت إليه عملته، فقد شهد «الشيكل» انخفاضاً إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأمريكي خلال 8 سنوات، حيث انخفض في نفس يوم عملية «طوفان الأقصى» بنسبة تجاوزت 3%، حتى هبط سعره إلى 3.96 دولارات أمريكية، وهو ما دفع البنك المركزي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه لهذا الهبوط بضخ نحو 45 مليار شيكل.
كما تراجعت بورصة «تل أبيب» بنسبة 8% في اليوم التالي للعملية، وهو أول يوم تداول بعد بدايتها، وجاء القطاع المصرفي في مقدمة القطاعات من حيث الخسائر، حيث خسرت قيمته السوقية ما يزيد على نسبة 8.7%، نتيجة لعمليات البيع الواسعة.
كما تعرض قطاع السياحة لضربة قاضية، نتيجة عدم الاستقرار وضرب المقاومة عدداً من المطارات، وما نجم عن ذلك من تعليق وإلغاء العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى الكيان الصهيوني، منها شركات أمريكية وأوروبية وكندية، فضلاً عن الهروب الجماعي من الكيان الصهيوني؛ وهو ما ينذر بكساد هذا القطاع الذي يمثل مصدراً مهماً من مصادر الدخل للاقتصاد الصهيوني في ظل رواجه خلال العام الماضي، حيث بلغت عائداته نحو 13.5 مليار شيكل، بعدد 2.67 مليون سائح، مقارنة بـ397 ألف سائح عن العام السابق، وهو يسهم بـ2.8% في الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر نحو 230 ألف فرصة عمل.
وعلى نفس المنوال، من المتوقع أن تُضرب الاستثمارات الأجنبية في مقتل نتيجة لعدم اليقين، من خلال هروبها إلى خارج الكيان الصهيوني، بعد أن بلغت قيمتها نحو 28 مليار دولار في عام 2022م، بنسبة 27% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان الصهيوني.
تكلفة الحرب تصل 7 مليارات دولار وفق البيانات الأولية بنحو 1.5% من الناتج المحلي الصهيوني
ويدفع في هذا الاتجاه ما يشهده الكيان الصهيوني من تخفيض للتصنيف الائتماني، فضلاً عما يترتب على ذلك من زيادة تكلفة الديون، لا سيما في ظل الحاجة إلى المزيد من الديون لتغطية تكاليف الحرب التي كلما امتدت مدتها زاد نزيف خسائر الكيان الصهيوني، وإن وجد الدعم من حلفائه دول النفاق العالمي.
ويمتد الأمر كذلك إلى قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة في ظل استدعاء الكيان الصهيوني أكثر من 300 ألف من الاحتياطيين للخدمة العسكرية، وما ينتج عن ذلك من شلل في تلك القطاعات من جانب، ومن جانب آخر زيادة تكاليف الحرب.
بل إن نجاح المقاومة في مباغتة الكيان الصهيوني والتشويش على أنظمة المراقبة والرادارات «الإسرائيلية»، وفشل أجهزة التجسس الاستخبارية في معرفة عملية «طوفان الأقصى» قبل حدوثها؛ رسالة واضحة لفشل المنظومة المعلوماتية والاستخباراتية والأمنية الصهيونية التي تتكالب العديد من دول العالم عليها، ومنها دول عربية، وهو ما يضرب مستقبل صناعة التكنولوجيا الدقيقة «الإسرائيلية»، ويوسم سمعتها بالعار، ويضع شكوكاً في تسابق الطلب عليها رغم مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للكيان الصهيوني بنسبة 18.1%.
كما أن ارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة للحرب له تأثير سلبي على اقتصاد الكيان الصهيوني، لا سيما في ظل إغلاق حقل الغاز الطبيعي «تمار»، وهو من أهم مصادر الكيان الصهيوني للغاز المستخدم في توليد الكهرباء والتصدير، وما يترتب على استمرار هذا الإغلاق من انخفاض صادرات غاز الكيان الصهيوني لمصر والأردن، وانخفاض عرض الغاز في سوق الغاز العالمية؛ مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، خاصة في ظل زيادة استهلاك الكيان الصهيوني المحلي من الغاز إلى 12.7 مليار متر مكعب، وكذلك زيادة صادرات مصر والأردن من الغاز في عام 2022م بنسبة 29% ووصولها إلى 9.2 مليارات متر مكعب.
يبقى دور الشعوب المسلمة بالوقوف مع أهلنا بغزة بأن تجاهد جهاداً اقتصادياً تساند به إخوانهم
إن الحرب على غزة ليست نزهة للكيان الصهيوني، بل لها تبعاتها الاقتصادية القابلة للزيادة، وفي تقرير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، قال بنك «هبوعليم الإسرائيلي»: إن تكلفة الحرب الدائرة في غزة لن تقل عن 27 مليار شيكل (حوالي 7 مليارات دولار)، وفق البيانات الأولية، وقد تصل إلى نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حال تطورت الأحداث لتشمل الجبهة الشمالية.
ويبقى بعد ذلك دور الشعوب المسلمة، بالوقوف مع أهلنا في غزة، ولا أقل في وقت حيل فيه بين هذه الشعوب والجهاد بالنفس، أن تجاهد جهاداً اقتصادياً تساند به إخوانهم، وتعز به دينهم، وتذل به عدوهم، بالمسارعة بتمويلهم بالمال لتوفير ما يلزمهم من العدة والعتاد والسلاح والمأوى والغذاء، وقطع عنهم هذا الحصار الظالم، فضلاً عن مقاطعة السلع والخدمات الصهيونية والأمريكية ومن حالفهم، حتى لا تتحول أموالنا إلى رصاصات قاتلة تستقر في صدور إخواننا الذين يجاهدون بأنفسهم وأموالهم عزة لديننا وكرامتنا.