تتواصل العملية العسكرية الصهيونية في قطاع غزة للأسبوع السادس على التوالي، بينما تدخل العملية العسكرية البرية التي شنها جيش العدو الصهيوني أسبوعها الثالث دون توقف، وسط معارك ضارية في محاور متعددة في قطاع غزة، حيث تدور المعارك في أربعة محاور رئيسة؛ هي: المنطقة الشمالية الغربية في السودانية والتوام، والمنطقة الغربية في مخيم الشاطئ، والمنطقة الشمالية الشرقية في النصر والشيخ رضوان، والمنطقة الجنوبية الغربية في تل الهوى.
ويستخدم جيش الاحتلال الصهيوني آليات مدرعة من نوع «ميركافا 4» المتطورة ذات القدرات الدفاعية الخارقة والمتقدمة، وناقلات الجند، والجرافات من نوع «دي 9» لتطهير الشراك المتفجرة والعبوات الناسفة والألغام وغيرها من الكمائن والمدفعية، والطائرات المروحية التي تدعم تقدم القوات البرية، والطائرات الحربية من نوع «إف 16»، و«إف 35» التي تقوم بعمل أحزمة نارية وأراض محروقة قبل التقدم البري لقوات المشاة من «الكوماندوز» و«الجولاني» التي تساندها البوارج البحرية أيضاً، والطائرات المسيرة التي تسعى لضرب قوات المقاومة التي تخرج للاشتباك مع القوات البرية.
الأهداف والخطط العسكرية
هذه العملية التي أقرتها حكومة الحرب الصهيونية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي أطلقت عليها عملية «السيوف الحديدية» رداً على عملية «طوفان الأقصى»، التي حددت أهدافها بإعادة الأسرى والمحتجزين الذين أسرتهم المقاومة في 7 أكتوبر الماضي عندما اقتحمت المستوطنات الصهيونية والمواقع العسكرية، والقضاء على حركة «حماس» وذراعها العسكرية «كتائب القسام»، وتأمين حدود المستوطنات المحاذية لقطاع غزة.
وقد أقرت وزارة الدفاع وهيئة الأركان الخطط الحربية والعسكرية وآليات الاقتحام، بيد أن هذه الخطط قد تعترضها العديد من العقبات التي تفرضها طبيعة الميدان، وتضاريس قطاع غزة الكثيفة، التي تفرض قيوداً على استخدام القدرات العسكرية الصهيونية، والتجهيزات الدفاعية للمقاومة مثل العبوات الناسفة من طراز «المسطرة» شديدة الانفجار والانشطار التي تنفجر بمجرد سير الدبابة عليها، والعبوات الجانبية الموجهة، وقذائف «الكورنيت» التي تخترق الدبابات الصهيونية من نوع «NAMR»، وسلاح الأنفاق، مما تحصر مهمتها في عمليات القتل والتدمير دوم تحقيق أهدافها المعلنة.
التكتيكات الدفاعية والهجومية
لقد اعتمد جيش الاحتلال الصهيوني في حربه البرية هذه سياسة الأرض المحروقة، إلا أن المقاومة الفلسطينية فاجأته بقدرات خارقة، وخطط عسكرية جعلته فريسة سهلة لها، حيث تتركه يتقدم داخل المناطق مسافات كبيرة دون أن تعترض آلياته، ثم تخرج له من بين الأنقاض وتضربه بقذائف «RBG» و«TPG»، و«قذائف الياسين» المضادة للدروع التي استطاعت اختراق الدبابات الصهيونية التي تباهت دولة الكيان بها على أنها الأقوى في العالم، والاشتباك مع قوات القناصة المتحصنة في المباني السكنية من مسافة صفر واقتناصهم والاشتباك معهم في حرب شوارع تدربوا عليها لفترات طويلة، وكبدتهم خسائر فادحة كلفتهم مقتل 46 ضابطاً وجندياً، وفق بيانات المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال، من قوات النخبة الصهيونية إلى الآن، وتدمير ما يزيد على 200 آلية عسكرية من الدبابات وناقلات الجند، وفق بيانات «كتائب القسام»، حتى هذه اللحظة.
لقد اعتمدت المعارك البرية على التحام مقاتلي المقاومة الفلسطينية مع قوات العدو الصهيوني ودباباته المتوغلة من مسافات قريبة جداً، وأدارت المقاومة هذه المعارك وسط المباني المدمرة التي نزح سكانها، وشكل هذا الالتحام من مسافة الصفر تحدياً أمام سلاج الجو الذي تم تحييده خوفاً من استهداف الجنود الصهاينة والدبابات؛ مما أدى إلى تراجع القوات وتمركزها في نقاط محددة تمهيداً للتقدم مرة أخرى ومفاجأة مقاتلي المقاومة الذين يرصدون تحرك القوات الصهيونية لحظة بلحظة وإعداد الخطط لمواجهتها.
التحديات على الأرض
وعلى الرغم من اعتماد جيش العدو الصهيوني سياسة الأرض المحروقة والقصف العشوائي وصواريخ أرض جو المتفجرة لاختراق الأنفاق، فإن المقاومة الفلسطينية فاجأته بقدراتها وتنفيذ خططها العسكرية بحكمة وروية، في الوقت الذي لا يمتلك فيه جيش العدو أي خطط عسكرية أو أي تصور للإعدادات العسكرية للمقاومة الفلسطينية؛ مما يؤدي إلى سير العملية البرية للجيش الصهيوني بحذر وبطء شديدين، وتخوف من أن تصبح آلياته وجنوده رهينة للمقاومة في حال تعمق داخل المدن؛ وهو ما يتجلى في تردد قواته بالترجل من الآليات للقتال على الأرض.
ويتمثل التحدي الإستراتيجي الأكبر الذي سيتعرض له جيش العدو الصهيوني أيضاً خلال هذه العملية البرية شبكة الأنفاق التي بنتها المقاومة على مدار السنوات السابقة، ولم تنجح معها كل المحاولات الصهيونية الاستخبارية والعسكرية السابقة في اكتشافها أو تدميرها، التي تستخدمها المقاومة لصد القوات المتقدمة فوق الأرض ومشاغلتهم ومباغتتهم من أماكن مخفية ومحمية، عبر استخدام الأسلحة الفردية الخفيفة والمضادات والقناصة، وبالتالي ستكون هذه القوات فريسة سائغة للمقاومة حال تقدمها داخل المدن.
عض الأصابع
ما زالت العملية البرية لجيش العدو الصهيوني على الأرض في مناطق محدودة من قطاع غزة، وما زالت دولة الكيان لم تحقق أياً من أهدافها سوى قصف البيوت الآمنة، وقتل المدنيين، ومحاصرة المستشفيات والعيادات الطبية، وقصف سيارات الإسعاف ومنعها من نقل الشهداء والمصابين والجرحى، في الوقت الذي تتصدى فيه المقاومة لهذه القوات البرية بكل بسالة في معركة غير متكافئة في العدد والعتاد، وتدمر آلياته وتقتل جنوده وتخرج له من بين الأنقاض وتستدرجه إلى المناطق التي تريدها ثم تستهدفه، وتسير هذه المعركة وفق نظرية «عض الأصابع» التي سيفوز فيها وينتصر صاحب النفس الطويل والتكتيك العسكري الرشيد الذي يتحمل أكثر ويصمد أطول.
ويبقى العنصر الحاسم في هذه المعركة الخسائر البشرية والعسكرية التي كلما زادت في صفوف الجيش الصهيوني وقواته البرية قصر عمر هذه الحرب بكل أحداثها وتفاصيلها، في ظل المعارضة الداخلية والضغوط الدولية التي يواجهها نتنياهو التي لا يمكنه من تحملها وقد تعصف به وبمستقبله السياسي والتعجيل بنهايته المحتومة إلى السجن.
وبحسب المثل الدارج «حساب الحقل يختلف عن حساب البيدر»، ما زالت هذه العملية العسكرية البرية المتواصلة غير واضحة المعالم، ويكتنفها الغموض الشديد حول طبيعتها وسط علامات استفهام بشأن وجهتها النهائية، وآليات سيرها، وأساليبها على الأرض، وخططها المتجددة، وموعد انتهائها، وتبقى الأيام القادمة حُبلى بكل ما هو جديد ما لم تكن هناك جهود كبيرة ووساطات جادة لإنهائها وتوقفها، وعدم اتساع رقعتها.