في أواخر العام الماضي، أتمت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عامها الـ74، قامت خلالها بتقديم الإغاثة والخدمات الصحية والتعليمية لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الجوار، ولطالما عانت الوكالة، خاصة في السنوات الأخيرة، من محاولات وضغوطات لحلها.
يتم تمويل «الأونروا» بالكامل تقريباً من التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وفي عام 2022م، وطبقاً للأرقام الواردة من الوكالة، بلغت إجمالي تعهدات الوكالة البالغة 1.17 مليار دولار؛ 44.3% منها كانت من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تبرعت بمبلغ 520.3 مليون دولار، بما في ذلك تلك التي أتت من خلال المفوضية الأوروبية، وكانت الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي والسويد أكبر المانحين الأفراد، حيث تبرعوا بنسبة تراكمية بلغت 61.4% من إجمالي تمويل الوكالة، وتصدرت الولايات المتحدة قائمة المانحين بـ 344 مليون دولار، تلتها ألمانيا بمساعدات وصلت الى 202 مليون دولار.
وعلى صعيد الدول العربية كانت السعودية في المرتبة الثامنة بين المانحين بـ27 مليون دولار، والكويت في المرتبة التاسعة عشرة بـ12 مليون دولار، ثم قطر في المرتبة العشرين بـ 10.5 ملايين دولار.
ودخلت «أونروا» مؤخراً مرحلة حرجة، إثر إعلان الولايات المتحدة تعليق مساهمتها المالية السنوية للوكالة البالغة 300 مليون دولار، عقب مزاعم «إسرائيلية» بمشاركة 12 موظفاً من الوكالة في عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر الماضي، لتتبعها في قرار تعليق التمويل كل من أستراليا وكندا وفنلندا وإيطاليا وسويسرا وهولندا وبريطانيا وإسكتلندا وألمانيا، وكانت الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي قد تصدرت قائمة أكبر الدول المانحة للوكالة في عام 2022م!
ورغم عدم الكشف عن أي أدلة تدعم هذه المزاعم، فإن «أونروا» ردت على عجل بفصل 12 من موظفيها، مع تعهد مفوضها العام فيليب لازاريني بإجراء تحقيق شامل، وبمحاسبة أي موظف في الوكالة، بما في ذلك ملاحقته جنائياً، إن ثبت تورطه في «أعمال إرهابية»، كما تعهد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإجراء مراجعة مستقلة وعاجلة وشاملة لـ«أونروا»، رغم رفضهما لتعليق التمويل الذي سيشل عمل الوكالة باعتبارها أكبر مؤسسة إنسانية تعمل في القطاع المنكوب، وتمثل شريان الحياة لنحو 2.3 مليون من سكانه الذين يعيشون ظروفاً مأساوية في ظل العدوان الوحشي المستمر منذ 113 يوماً، فيما يمثل حسب وصف العديد من الجهات عقاباً جماعياً للسكان!
يبدو القرار مثيراً للاستغراب، سواء لصدوره بعد حكم محكمة العدل الدولية على «إسرائيل» باتخاذ عدد من الإجراءات الوقائية لحماية أهل غزة من التعرض للإبادة الجماعية، أو في سرعة تهافت الولايات المتحدة ثم الدول الغربية لتصديق المزاعم «الإسرائيلية»، التي لم يتم حتى اللحظة التحقق من صحتها، بما يجعل من هذه الحكومات بطريقة ما شريكة في الإبادة الجماعية التي تقوم بها «إسرائيل» في غزة!
ومن جهة أخرى، يأتي الاتهام كحلقة جديدة في مسلسل استهداف «إسرائيل» للوكالة، التي طالما وصفتها بأنها تطيل من أمد الصراع العربي «الإسرائيلي» باعتبارها رمزاً لمظلمة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، وتبريراً لقصفها لمدارس الوكالة ومستشفياتها ومكاتبها ومخازنها الغذائية في غزة، وقتل 132 من موظفيها خلال الشهور الثلاثة الماضية!
وعقب القرار، لم تخف «إسرائيل» سعيها لمنع «أونروا» من العمل في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وضرورة استبعادها في مرحلة إعادة إعمار القطاع، واستبدال وكالات أخرى بها!
تعرضت الوكالة في عهد الرئيس الأمريكي السابق لصدمة وأزمة بسبب منعه لتمويلها، وكتبت وقتها تحت عنوان «حتى «أونروا» لم تسلم من شرّه!»، أما الآن، فالوكالة تتعرض لما هو أشد منها مع هذا التكاتف الذي تقوم به الجهات التمويلية الغربية الكبرى؛ مما يحتم السؤال الأهم حول مواقف الدول العربية والإسلامية وما الذي ستفعله، وهي تمتلك القدرة على دعم «أونروا» ماليًا ولوجستيًا؟ فهل تمتلك الإرادة أيضًا أم أنها ستخضع للمزيد من الابتزاز «الإسرائيلي» والغربي؟
ومن خلال ردود الفعل الإيجابية المتنوعة بهذا الخصوص كان بيان وزارة الخارجية السعودية التي تحضّ فيه الجهات المانحة على مواصلة دعم الوكالة للاضطلاع بمهامها الإنسانية في القطاع.
ومرة أخرى، إذا لم تقف الدول المانحة القوية لدعم منظمة اللاجئين الفلسطينية (أونروا) سنشهد لا قدر الله فصلًا جديدًا في خذلان الشعب الفلسطيني ومقاومته وتصفية قضيته!