من نتائج العدوان البربري على قطاع غزة منذ أكثر من 7 أشهر، أنّه ساهم بشكل بيِّن بحسم معركة السرديات بحقيقة أحداث حرب عام 1948م، وتفاصيل ما جرى وأدى لنكبة الشعب الفلسطيني وتشريده.
وحتى لا ننسى ما حدث في نكبة 15 مايو 1948م، تعيد «المجتمع» نشر هذا الحوار الذي أجرته مع الخبير السياسي الفلسطيني إبراهيم جابر، بمناسبة إصداره موسوعة «جرح النكبة»، ونُشر في العدد (1648)، 23/ 4/ 2005م.
لا شك أن لإصداري موسوعة (جرح النكبة دوافع ذاتية فأنا شخصياً لاجئ من النقب وأسكن في كفر قاسم، استشهد العديد من أقاربي، أخوالي هجروا إلى الأردن وبعض أقاربي ما زالوا في السجون، صودرت أرضنا وما زالت شاهدة على الانتهاكات، فهي من ضمن الأراضي التي ترش بالمبيدات في منطقة النقب.. ومنذ أن بدأتُ أدرك ما يدور حولي، بدأت أشعر بحجم المأساة بدأت أشعر بمعنى الوطن ومسقط الرأس، فعندما كنت صغيراً كنت أسمع مع أبناء جيلي ما يؤثر في نفس أي صغير ويبقى تأثيره على المدى البعيد.
ولا أظن أن هناك بيتاً فلسطينياً لم يفقد قريباً أو تصادر له أرض، فمشروع موسوعة “جرح النكبة” يشكل بالنسبة لي مشروع العمر لإحياء الذاكرة الفلسطينية وترسيخها للأجيال القادمة، فهذا الإصدار يجسد مأساة شعبنا الفلسطيني على حقيقتها، فهناك فرق كبير بين ما قرأناه عن القضية الفلسطينية والنكبة في الكتب التاريخية وما جاء في هذه الموسوعة فالكتب التاريخية معظمها اقتباسات أما ما ورد في “جرح النكبة” فقد نقل من خلال شهود عيان عاصروا النكبة وشاهدوا مجازرها.
هكذا لخص لنا الخبير السياسي الفلسطيني إبراهيم أبو جابر مشروعه عن الموسوعة الجديدة والتي صدر الجزء الأول منها.. ونحن نجري معه هذا الحوار:
ما الصعوبات التي واجهتك أثناء عملية جمع الشهادات ميدانياً من الذين عاصروا النكبة؟
– نواجه صعوبة في كيفية التعامل مع شهود العيان الذين لا يزالون يتمسكون بعقلية الخوف وعدم التحدث: تجنباً للمطبات الأمنية والمساءلات القانونية وبعض الشهود مل من الكلام، ويعتقد أن الأمر لا يفيد ولا يريد أن يتذكر الماضي والدماء والألم، وفي إحدى المرات ذهب طاقم ميداني لزيارة عجوز فلسطيني في مخيم نور شمس القريب من مدينة طولكرم بالضفة الغربية، وعندما وصلوا المنزل المتواضع طرق أحد أفراد الطاقم الباب، إلا أنهم فوجئوا بوفاة الشاهد دون علمهم المسبق بذلك، وفي تلك اللحظة تتحول المهمة من جمع معلومات إلى تعزية في الشاهد.
وفي مرة أخرى، وبعدما أنجز أحد العاملين معنا في جمع الروايات عملاً لا يستهان به قامت قوات الاحتلال – التي كانت ترصده – باعتقاله ووضعه في السجن حتى الآن دون محاكمة أو إدانة.
باحث آخر اتصلت به لإحضار المعلومات والشهادات التي جمعها من أجل تفريغها في جهاز الحاسوب، إلا أن الجواب كان من قبل الشاهد:
لا أستطيع الخروج من المنزل لإرسال المواد بواسطة الفاكس الموجود في بريد المنطقة، لأن الدبابات الصهيونية والقناصة لي بالمرصاد.
وهكذا .. باحث اعتقل وآخر حركته مقيدة وشاهد يخاف من الكلام، والآخر لا يبالي.. كل هذا يجعل عملنا كأننا ننحت في الصخر.
هل من مواقف طريفة واجهتها أثناء جمع المادة كما واجهتم المعوقات والصعاب؟
نعم هناك حادثة شاهدتها عندما كنت في زيارة عمل لمخيم الحصن قرب مدينة أربد في الأردن لجمع معلومات عن النكبة وجرحها النازف فخلال زيارتي لهذا المخيم الفقير شاهدت أناساً يحتفلون بعريس لهم، وبركة المجاري تتوسطهم كأنها نافورة مياه عذبة فهم يحتفلون رغم الجراح والنكبة وكأنه كتب عليهم معايشة النكبة والاحتفال بالأبناء والأولاد في بحرها المائج.
وما المناطق التي تغطيها الموسوعة من حيث جمع الشهادات والروايات؟
في البداية تغطي مناطق فلسطين المحتلة عام ٤٨ والضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات الأردن ولبنان وسورية في الشتات، وهذا الأمر يتطلب جهوداً جبارة باعتبار أننا نعمل في عدة دول.
وعن كيفية التأكد من صحة المعلومات وخصوصاً أن الرواية معرضة للمبالغة والتهويل والتزوير وغيرها من الأمور أخذنا بعين الاعتبار هذا الجانب، لذا عمدنا إلى أخذ الرواية من عدة أطراف ومطابقتها مع بعضها البعض، كما أن مصادرنا لا تقتصر على الجانب الميداني، مع أنه الأساس في العملية برمتها، إلا أننا نعمد إلى مصادر نظرية وبحثية كتبت في هذا المجال، وأنا هنا أهيب بالجميع في العالم الإسلامي لتقديم الدعم المادي لإكمال هذا المشروع التوثيقي فجميع الجهود الآن فردية وقائمة على أهل الخير الذين يغارون على دينهم ووطنهم.
كيف ترى وضع أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948م؟
المجتمع العربي في الكيان الصهيوني يعاني من الفقر والبطالة وجوانب أخرى للضائقة الاقتصادية المنظمة المنتشرة في أوساط المواطنين العرب بما يزيد بعدة أضعاف عنها في الوسط اليهودي.
وهناك فهم واسع بأن هذه الفجوات ناجمة – إلى حد كبير – عن سياسة إهمال وتمييز لحكومات الصهاينة المتعاقبة.
وهل هناك أبعاد اقتصادية لسياسة التهميش السياسي لعرب 48؟
– سياسة التمييز، ناجمة عن التهميش السياسي للعرب في الكيان الصهيوني، ولهذا التهميش عدة أشكال منها:
1- مصادرة الأراضي وفرض القيود على النشاطات الاقتصادية.
2- إقصاء العرب عن دوائر اتخاذ القرارات.
3- مستوى درجة المواطن ( درجة رابعة).
ماذا عن الأزمة الاقتصادية؟
المجتمع العربي في الكيان الصهيوني يمر بأزمة اقتصادية خانقة، في وقت بقيت غالبية قوة العمل العربية مركزة في أعمال شاقة، وهي تضطر للسفر يومياً مسافات بعيدة إلى مراكز العمل في المدن اليهودية الكبرى.
ويعاني الاقتصاد العربي من تغيرات في بنية الاقتصاد إذ تقع سلسلة من القرى العربية ضمن قائمة مراكز البطالة.
وهناك (52-77) تجمعا سكانياً عربياً توجد في أدنى السلم. اليهودي اعتاد رؤية المواطن العربي يؤدي أعمالاً شاقة ذات دخل منخفض من نوع الأعمال التي لا يرغب لنفسه ولا يتمناها لأولاده، عدا استثناءات قليلة مثل الأطباء العرب العاملين بالمستشفيات.
وتدل معطيات مأخوذة من إحصاء السكان (1995) أن 65% تقريباً من الرجال العرب يعملون عملاً يدوياً، في حين أن نسبة اليهود بالمقابل أقل من 40، وفي الوقت نفسه تبين أن 24% من الرجال اليهود يعملون في مهن أكاديمية أو إدارية، وأن 10% فقط من نظرائهم العرب ينتمون إلى هذه المهن الرفيعة، هذا إلى جانب رفض الدولة قبول أكاديميين عرب للعمل في المكاتب الإدارية المختلفة في الدولة، إذ لا تتجاوز نسبتهم 8% من المجموع الكلي للعاملين في هذا الحقل.
وما الواقع السكاني والتوزيع الجغرافي لفلسطينيي 48 الذين بقوا في أرضهم؟
قبل النكبة كان عدد سكان فلسطين من البحر إلى النهر مليوناً وستمائة ألف وكان عدد الفلسطينيين في مناطق الـ 48 قبل النكبة 700 ألف مواطن، وبعد النكبة بقي منهم 156 ألف مواطن، أما عدد القرى المهجرة خلال النكبة فكان 550، قرية موجود منها اليوم 70 قرية ومدينة يسكنها أهلها، أما القرى غير المعترف بها من قبل حكومة الاحتلال فقد وصلت إلى 40 قرية وهؤلاء معلقون بين الأرض والسماء ولا تقدم لهم أية خدمات من كهرباء ومياه ومجار وشوارع فهم لا يعاملون معاملة البشر.
وتصل نسبة العرب في فلسطين المحتلة عام 48 إلى ما يعادل 19% من مجموع سكان الكيان الصهيوني، وتطورت النسبة منذ عام 48 أي بعد النكبة بقليل، حيث كان عدد السكان 156 ألفاً بنسبة 17% وفي عام 1958 كان عدد السكان 221 ألف مواطن بنسبة 10،9% وفي عام 1968 أصبح عدد السكان 406000 ألف مواطن بنسبة 14،3% وفي عام 1978 وصل عدد السكان إلى 569000 ألف مواطن بنسبة 15.9%، أما في عام 1988 فتزايد عدد السكان ليصل إلى 819 ألف مواطن بنسبة 18.2%وفي عام ۱۹۹۰ ارتفع عدد السكان قليلاً ليصل إلى 875 ألف مواطن بنسبة ١٨.٢ وفي عام 2000 استقر عدد السكان إلى 150 ألف مواطن بنسبة 20% ومازالت نسبة العرب 20% حتى يومنا هذا دون فروقات جوهرية هذا علماً بأن عرب الداخل يشكلون ما نسبته (12.5%) من مجموعة الشعب الفلسطيني في الوطن والمهجر.. أما التوزيع الجغرافي للمواطنين العرب في فلسطين المحتلة عام 1948م فيتركز في ثلاث مناطق مركزية: الجليل 60% المثلث 20% النقب 10% المدن المختلطة 10%.
هل هناك فعلاً قرى عربية وسكان غير معترف بهم من الفلسطينيين داخل الكيان؟
تقدر لجنة الأربعين عدد السكان الكلي للقرى غير المعترف بها بحوالي 100 ألف نسمة، أي ما يقارب 7.11% من عدد السكان العرب، يعيش منهم 20 ألف مواطن في شمال فلسطين، ويقطن الباقون في منطقة الجنوب غالبيتهم في النقب، وعدد البيوت الإجمالي يصل إلى 12000 بيت غير مرخص منها 3000 بيت في منطقة الشمال، حيث إن 83.6% منها مبنية من الباطون أو الحجر ويبلغ عدد البيوت في منطقة الجنوب، حوالي 9000 بيت 25% منها خيام و 50% براكيات و 25% بيوت باطون وحجر، وسقوف 60% منها بنيت من الزينك والإسبست.
أما دائرة الإحصاء المركزية الصهيونية فتعتبر عدد سكان القرى غير المعترف بها 67764 وينبع الفرق بين التقديرين من أن دائرة الإحصاء المركزية تضم سكان بعض القرى غير المعترف بها لمسطحات سكنية معترف بها، ويصل معدل الأفراد الذين يعيشون في البيت الواحد 10 أشخاص وحجم البيوت صغير جداً.
موسوعة «جرح النكبة»
يقع الجزء الأول من موسوعة «جرح النكبة» في 476 صفحة، وفيه وصف كامل لـ 25 مجزرة ارتكبت بدم بارد على يد العصابات اليهودية، ومرفق مع هذا الوصف الروايات الميدانية من شهود العيان الذين عايشوا المجزرة بكل فصولها، أما الجزء الثاني وهو الآن تحت الطبع فيتضمن وصفاً لحوالي 28 مجزرة أما الجزء الثالث والذي يتم تنقيحه وإجراء التعديلات عليه قبل الطبع فهو يضم بين ثناياه ما بين 20-24 مجزرة حدثت في الفترة الزمنية الواقعة بين عام 1950 إلى عام 1967.