من أشد أنواع الكوارث التي يتعرض لها الإنسان الحروب والنزاعات بسبب إفرازاتها السلبية؛ اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً، وما ينجم عنها من الدمار النفسي والاجتماعي الذي يصعب رتقه على كل المستويات وعلى مدى السنوات.
وتعتبر شريحة المرأة على نحو أخص من أكثر الشرائح المتأثرة بويلات الحرب؛ كونها صمام أمان الأسرة والمجتمع، واللبنة التي يقوم عليها بناء المجتمع المعافى، وفي الوقت ذاته المعول الذي يهدم هذه اللبنة إذا تعرض لأي نوع من أنواع الاستغلال السلبي؛ لذلك يأتي استهدافها بشكل مباشر في الحروب سعياً للتنكيل بالعدو وهزيمته معنوياً.
تعرضت المرأة السودانية في الحرب الأخيرة منذ أبريل 2023م لأشد أنواع الانتهاكات؛ نتيجة لأنواع العنف الذي تعرضت له النساء والفتيات النازحات واللاجئات في المدن والولايات المتأثرة بشكل ممنهج وبأنماط متعددة، بسبب البحث عن الملاذات الآمنة والمأوى المناسب، في الوقت الذي جاء فيه التجاوب الإقليمي والدولي محدوداً مقارنة بحجم الانتهاكات الجسيمة في حق المرأة السودانية التي شهد لها الجميع بوقوفها تاريخياً إلى جانب القضايا الاجتماعية والسياسية إقليمياً ودولياً؛ فكراً وممارسة.
المرأة السودانية واجهت أشد أنواع الانتهاكات من خلال حوادث الاعتداء والنهب الجسدي والممتلكات
ونجد أن الحرب التي اندلعت في الخرطوم على نحو مباغت لم تسمح لأغلب السكان بمحاولة التفكير أو التخطيط لما تكون عليه حالهم أثناء أو ما بعد الحرب، وقد كان الهجوم شاملاً لأنحاء عديدة من العاصمة، وزامن ذلك هجوماً لعدد من المناطق في ولايات دارفور وولاية كردفان؛ الأمر الذي فاقم من عامل الصدمة والارتباك لكل شرائح المجتمع خاصة النساء والأطفال.
واجهت المرأة السودانية أشد أنواع الانتهاكات من خلال حوادث الاعتداء والنهب الجسدي والممتلكات التي زامنت الهجوم، هذا غير الترويع والتعرض للضرب والقتل، ويمكن القول: إن أغلب المنازل التي تم الهجوم عليها من جانب «قوات الدعم السريع» تعرضت لجميع أنواع الانتهاكات المذكورة، خاصة تلك التي تم اقتحامها من قبل المقاتلين صغار السن، ودلت على ذلك بعض الفيديوهات والتسجيلات من قبل بعضهم.
وقامت العديد من الجهات القانونية والمدنية الناشطة في حقوق الإنسان والمرأة على وجه الخصوص برصد حالات الانتهاكات الجسيمة في حق المرأة منذ بداية الحرب وحتى اليوم، وكان آخرها الاجتياح الذي تم لمدينة سنجة بولاية سنار التي أجبر فيها الآلاف من السكان للفرار من منازلهم، مضطرين إلى النزوح القسري خارج المدينة مشياً على الأقدام في ظروف بيئية بالغة التعقيد؛ حيث تتعرض المنطقة بفعل فصل الخريف إلى أمطار غزيرة يصعب معها التحرك، خاصة لشرائح الأطفال وكبار السن والحوامل، بعد أن تم تجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم؛ الأمر الذي أدى إلى فقدان المئات منهم الاتصال بذويهم في الولايات الأخرى في رحلة البحث عن ملاذات آمنة.
انتهاكات بشعة
قامت العديد من المنظمات العاملة في مجال المرأة برصد قوائم وتوثيق أغلب الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة السودانية بشكل خاص، منذ بداية الحرب قبل أكثر من عام، مؤكدة العنف الذي تعرضت له، وقد عددت مجموعات حقوقية مختلفة الانتهاكات التي طالت النساء في السودان، ما بين حالات الانتهاك الجسدي ونقص الحقوق التعليمية والصحية، مع تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية والبيئية كما ذكرت الناشطة الحقوقية دعاء مأمون.
النساء يعانين نقصاً حاداً في الغذاء بسبب الحرب بخلاف الخوف من المجهول خلال أزمة النزوح
وتعاني النساء والفتيات نقصاً حاداً في الغذاء بسبب الحرب، هذا بخلاف الخوف من المجهول خلال أزمة النزوح الداخلي، وارتفاع أجور السكن، ونقص المعسكرات؛ إذ بلغ عدد النازحين في الداخل ما يقارب 8 ملايين نازح، فيما لجأ أكثر من مليوني شخص إلى الدول المجاورة ودول الخليج، هذا غير الأعداد العالقة ما بين دولة جنوب السودان ومصر وأوغندا وليبيا وتشاد، وما يتبع ذلك من حالات التحرش والإذلال بكل أنواعه.
وتذكر المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري أنه تم تسجيل أعداد كبيرة من حالات الاختفاء القسري بين النساء المرجح تعرضهن للاغتصاب والاستعباد الجنسي، أو تم تسخيرهن للأعمال المنزلية، وأكدت ذلك مجموعة من المحتجزات اللائي تمكنَّ من الفرار من المنازل التي استغلتها القوات للسكن أو التمركز في المدن كالخرطوم وبحري، أو المناطق والمؤسسات الإستراتيجية التي اتخذتها القوات الغازية كثكنات مؤقتة لاستئناف العمليات العسكرية ضد الجيش والمدنيين بغرض طردهم من مناطقهم والسكن فيها عنوة تحقيقاً لآمال التوطين والاستقرار.
ونسبت مفوضية حقوق الإنسان الأممية 70% من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمقاتلين يرتدون زي «قوات الدعم السريع»، حيث لم يراع فيها أي نوع من الإنسانية غير مبالية بالأطفال أو النساء وكبار السن.
العنف الجنسي
وذكر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أن العنف الجنسي بوصفه سلاحاً من أسلحة الحرب، بما في ذلك الاغتصاب، ظل يشكل سمة مميزة وحقيرة، كما وصفها، وأضاف أن مكتبه وثّق 60 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع، شملت ما لا يقل عن 120 ضحية في جميع أنحاء البلاد، غالبيتهم العظمى من النساء والفتيات، مبدياً أسفه على أن هذه الأرقام لا تعكس واقع الحال، ولعل ذلك يعود إلى صعوبة الوصول إلى الأعداد الحقيقية لضحايا العنف مع استمرار الحرب.
وفي إقليم دارفور والخرطوم وكردفان والجزيرة، وهي أكثر المناطق المتأثرة، يهدد نقص الغذاء أكثر من 7 آلاف أُمّ حديثة الولادة في مقبل الأيام، إذا لم تقدم لهن المساعدات العاجلة، بحسب رصد صندوق الأمم المتحدة للسكان.
نقص الغذاء يهدد أكثر من 7 آلاف أُمّ حديثة الولادة في مقبل الأيام إذا لم تقدم لهن المساعدات العاجلة
والجدير بالذكر أنه مع استمرار المعاناة الناجمة عن هذه الحرب، يستجيب صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الشركاء لإيصال خدمات الصحة الإنجابية للنساء والفتيات وخدمات الحماية والاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي مع اقتراب الحرب في السودان من عامها الثاني.
ويضيف محمد الأمين، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، أنه من الصعب وجود إحصاءات دقيقة حول مدى انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي في أماكن متعددة في السودان، خاصة في تلك المدن التي تعرضت لمعارك داخلية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه «قوات الدعم السريع» إلى السيطرة على المدن والولايات السودانية، نجد أن انتهاكاتها العنيفة تتعارض مع العادات والأعراف العربية والشريعة التي حث عليها ديننا الحنيف، الذي شدد على تحريم استهداف النساء والصبيان والشيوخ والضعفاء وأصحاب الصوامع والأجير.
وبينما تحرم الشريعة الإسلامية ظاهرة السبايا واختطاف المدنيين، نجد أن العديد من الفتيات تعرضن إلى السبي والخطف من العاصمة الخرطوم وترحيلهن إلى أماكن أخرى، ووثقت لذلك شبكة المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (صيحة)، مؤكدة إحصاء 104 حالات اختطاف واختفاء قسري لنساء وفتيات صغيرات السن منذ بداية الحرب.
وتؤكد مبادئ القانون الدولي الإنساني تحريم وتجريم اختطاف المدنيين ووجوب حمايتهم، وهو ما يتفق في ذلك مع مبادئ الشريعة الإسلامية والسُّنة النبوية.