ذهب مفكرون ومختصون تحدثوا لـ«المجتمع»، إلى أن الدعم العالمي للقضية الفلسطينية عامل ضاغط على الكيان الصهيوني ومستقبله، يتطلب استمرار النضال التراكمي المتواصل والدعم العربي والإسلامي والإقليمي، في ضوء تجارب دول ناجحة كفيتنام وجنوب أفريقيا، وبخاصة مع بدء ميلاد جيل في الغرب داعم للقضية الفلسطينية.
في البداية، يوضح السفير المصري السابق معصوم مرزوق، في حديث لـ«المجتمع»، أن الكيان الصهيوني خسر ما وصفه بـ«معركة الصورة»؛ بسبب الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته، بالتزامن مع الدعم العالمي للقضية الفلسطينية؛ ما يعزز فرص انتهاء الاحتلال الصهيوني على المدى الإستراتيجي.
ويضرب المثال بمعركة إسقاط نظام الفصل العنصري بين البيض والسود في جنوب أفريقيا، أو ما يعرف بنظام «الأبارتايد»، كنموذج حي وملهم، يمكن الاقتداء به، لمواصلة الجهود العالمية والإقليمية في دعم فلسطين.
مرزوق: وسائل إسقاط «الأبارتايد» واستقلال الفيتناميين طريقنا لتحرير فلسطين
المثال الثاني الذي يضربه مرزوق تحرر فيتنام من الاحتلال الأمريكي، موضحاً أن معركة تحرير فلسطين مثل معركة فيتنام، تحتاج إلى النفس الطويل، والنضال التراكمي المستمر من الجميع، سواء في العمل العسكري أو الدبلوماسي أو الإعلامي أو الشعبي العربي والغربي.
ونفى أن تكون معركة فلسطين معركة «الضربة القاضية»، قائلاً: أنا متفائل بما تم، وما هو قادم، القضية تحركت للأمام، ونحن نقترب من تحقيق الاستقلال الكامل لفلسطين من البحر إلى النهر، والحكومات الصهيونية هذه المرة كشفت عن أياديها القذرة المليئة بالدماء التي كانت تخفيها فيما سبق بقفازات ناعمة ووجوه خادعة، وشعوب العالم كله عرفت الحقيقة.
ويعول مرزوق على استمرار الدعم العالمي لزوال الاحتلال بشرط تواصل الدعم الإقليمي من دول المواجهة أو دول الطوق، واستمرار المقاومة الفلسطينية في مسارها بصبر وتصرفات منضبطة وعلمية سواء في جبهة البندقية أو مسار المفاوضات السياسية، مقترحاً أن تدرس دول مصر وتركيا وإيران والسعودية الموقف جيداً وسريعاً لإنشاء تحالف سياسي إستراتيجي يواجه أطماع الكيان الصهيوني.
ويؤكد أن الاحتلال الصهيوني إذا لم يشعر بمساندة كاملة ومتواصلة للمقاومة، سيطور من جرائمه ضد الجميع، وإذا لم يشعر بتكاليف احتلاله لفلسطين سيلتهم المزيد ويوسع من دائرة جرائمه، خاصة بعدما كشف مسؤولون به عن تهديدات واضحة وصريحة لمصر ودول أخرى ما يستلزم تمام الاستعداد واستكمال دعم المقاومة الفلسطينية كخط أمامي مقاوم ومدافع عن الجميع يحتاج إلى كل دعم مباشر وغير مباشر.
ياسين: بعد عقد من الزمان سيكون لدينا ظهير غربي لكن لا بد من مواصلة النضال
جيل صاعد
من جانبه، يقول المفكر الفلسطيني المقيم بالقاهرة عبدالقادر ياسين، في حديث لـ«المجتمع»: إن الهوة واسعة بين الرأي العالمي الشعبي الغربي المتعاطف في أغلبيته مع القضية الفلسطينية وشعبها الصامد وأبطالها المقاومين، والحكومات الغربية المنحازة إلى الكيان الصهيوني في كل الأحوال.
بناء على تلك الهوة، يتوقع ياسين أن العالم أمام تحول بعد عقد من الزمان على الأقل، حيث سيصعد الجيل الذي خرج في مظاهرات الغرب الداعمة لفلسطين إلى سدة القرار في الغرب؛ ما يعزز التحول لصالح إنهاء الاحتلال الصهيوني في وقت لاحق بشرط استمرار العمل على الأرض.
ويحذر المفكر الفلسطيني أن يتواكل العرب والمسلمون على صعود هذا الجيل الغربي، فحسب، بل يطالب جميع أصدقاء فلسطين بمواصلة النضال التراكمي المتواصل من أجل تعزيز نقاط القوة وتنحية نقاط الخلاف والضعف، وصولاً إلى تحقيق الانتصار المنتظر للقضية الفلسطينية بتحرير الأرض من البحر إلى النهر.
من جانبه، يؤكد المفكر المصري محمد عصمت سيف الدولة، مؤسس حركة «مصريون ضد الصهيونية»، في حديثه لـ«المجتمع»، أهمية التفريق بين الدعم العالمي والمجتمع الدولي، عبر توحيد الجهود في تعظيم الأولى وعدم اللامبالاة بالثانية بشكل كبير، موضحاً أن المجتمع الدولي هو مجتمع الأمريكيين، ومقرراته ليست سوى سياساتهم الخارجية.
سيف الدولة: استمرار التمرد على الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها هو السبيل
ويضيف أن المجتمع الدولي شريك في تقسيم المنطقة العربية كغنائم حرب منذ الحرب العالمية الأولى، وزرع دولة الاحتلال في المنطقة، ووقف وما زال كحائط صد لحماية الكيان الصهيوني، بكل السبل الممكنة، ولذلك السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال هو استمرار الدعم العالمي للقضية حتى انتهاء الاحتلال، ولن يحدث ذلك إلا بسبيل وحيد هو التمرد على الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها.
ويشير سيف الدولة إلى الانتفاضة الأمريكية التي قادها الطلبة مؤخراً دعماً للقضية الفلسطينية، كانت نموذجاً مهماً في سبيل التمرد الداخلي الأمريكي على سياسات البيت الأبيض، مؤكداً أنها كانت فرصة مهمة، لها ما بعدها، لعرض الحقائق التاريخية والمطالبة بكامل الحقوق الفلسطينية في مواجهة الأكاذيب الصهيونية التي سيطرت على الرأي العام الغربي لعقود طويلة.
ويوضح أن هذه هي رابع انتفاضة شعبية أمريكية كبرى بعد النضال ضد حرب فيتنام وضد اضطهاد الزنوج وضد المكارثية، ومن المهم البناء عليها فيما هو قادم، بحيث لا يسمح أنصار القضية الفلسطينية بخفوت الأمر مجدداً بعد توقف العدوان الحالي.
ويرى سيف الدولة أن العدوان الحالي سيتوقف عاجلاً أو آجلاً، دون زوال الاحتلال في هذه الجولة، ما يتطلب حشد كل أحرار العالم، خلف مطلب واحد هو استمرار الوقوف خلف فلسطين بعد توقف العدوان في كل المحافل والمواقع والمسارات؛ ضغطاً وحركة ونضالاً شاملاً داعماً إلى حين زوال الاحتلال بالتمام والكمال عن الأراضي الفلسطينية.
عامل ضغط
من جانبه، يرى المحامي والحقوقي محمد أبو العزم، المتخصص في القانون الدولي، أن الدعم الحقوقي العالمي للقضية الفلسطينية ودعوات المساءلة عن جرائم الحرب المرتكبة في غزة لا يهددان بقاء الكيان الصهيوني بشكل مباشر، ولكنهما يمثلان عامل ضغط، ولهما تأثير كبير على سياساته وعلاقاته الدولية.
أبو العزم: الدعم الحقوقي العالمي عامل ضغط غير حاسم على الكيان ويجب تطويره
ويضيف، في حديث لـ«المجتمع»، أن هذا الدعم يسلط الضوء على الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين، ويضغط على المجتمع الدولي لمساءلتها واتخاذ خطوات لتحقيق العدالة، موضحاً أنه مع تزايد هذه الضغوط، قد يجد الكيان الصهيوني نفسه مضطراً لتغيير سياساته أو التفاوض بشكل أكثر جدية، بما يؤدي إلى تحسين ظروف الفلسطينيين.
ويؤكد أبو العزم أن قرارات محكمة العدل الدولية (ICJ) يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الكيان الصهيوني، خاصة فيما يتعلق بالشرعية الدولية لسياساتها وأفعالها في الأراضي الفلسطينية، رغم أن قرارات محكمة العدل الدولية غير ملزمة قانونياً مثل قرارات مجلس الأمن الدولي، ولكنها تحمل وزناً كبيراً في المجتمع الدولي وتزيد الضغط على الكيان الصهيوني.
ويلفت إلى أنه رغم أن الكيان الصهيوني لم يلتزم بقرارات محكمة العدل الدولية السابقة المتعلقة بجدار الفصل العنصري، فإن الرأي الاستشاري كان له تأثير كبير على الرأي العام العالمي، وزاد من عزلتها الدبلوماسية في بعض المحافل الدولية، مؤكداً أنه مع ذلك، يبقى التأثير الفعلي لتلك القرارات محدوداً إذا لم تكن مدعومة بتحركات قوية من المجتمع الدولي لفرض تنفيذها.