يطرح كثير من الآباء والأمهات السؤال المعنون للمقال، على خلفية تعاظم تأثير «سحر الميديا» على عقول ونفوس أبنائهم في مقابل خطاب دعوي لا يراه كثير من أطفالهم جذاباً، الأمر الذي يصيب أولياء الأمور بالخوف على مستقبل فلذات أكبادهم.
فالتنشئة على فهم الدين والعيش به ليست فقط جزءًا من التربية التقليدية بالمنازل، بل أيضاً مسؤولية منابر الدعوة في إطار بناء مجتمع يقوم على القيم، وهي المنابر التي تمثل صوت الإسلام للأطفال الذين لا تزال عقولهم ونفوسهم قيد التشكل، وهنا تكمن خطورة الوضع الراهن، إذ مع تعاظم التحديات التي تواجه الأطفال في عالم اليوم، يحتاج الخطاب الديني الموجه لهم إلى دراسة دقيقة تراعي خصائص نموهم النفسي والعقلي، وتتبنى أدوات حديثة تسهم في جعل القيم والمفاهيم الدينية محببة إليهم.
ولفهم كيفية تقديم خطاب ديني جذاب للأطفال، من الضروري فهم النمو النفسي والمعرفي لهم في مختلف مراحلهم السنية، وهو ما فصلته نظرية جان بياجيه التي تعد واحدة من أهم نظريات علم النفس.
يبدأ الأطفال، وفق النظرية، في مرحلة الطفولة المبكرة بـ«التفكير الرمزي»، حيث يتعلمون من خلال القصص والصور، ما يعني أن تقديم المفاهيم الدينية يجب أن يتم بطريقة قصصية وبصرية تجذب انتباههم وتساعدهم على فهم الرموز الدينية، خاصة أن القصص القرآنية، وفي القلب منها قصص الأنبياء، تمثل محتوى مثالياً لتنشئة الأطفال الدينية، شريطة تقديمها بأسلوب مبسط وبشكل مصور دون تجسيم لأشخاص الأنبياء وفق مقتضيات الحكم الشرعي.
ومن شأن هذا الأسلوب أن يسهم في تنمية الارتباط الروحي لدى أطفالنا، إذ تؤكد الدراسات النفسية المعاصرة أن الأطفال في هذه المرحلة يحتاجون إلى تحفيز خيالي ومعرفي يساعدهم على التفاعل مع العالم من حولهم، وبالتالي، يجب أن يُقدّم الخطاب الديني للأطفال من خلال قصص قرآنية مشوقة تعزز القيم الدينية في نفوسهم، وتربط بين السلوكيات اليومية والمفاهيم الإيمانية.
ويعني ذلك أن تقديم الرسالة الدينية لأطفالنا يجب أن يبتعد عن أسلوب التلقين التقليدي الذي يعتمد على تقديم المعلومات دون تفاعل، وهذا استناداً إلى طبيعة التكوين النفسي للأطفال فقط، فما بالنا ونقيض قيم ورسالة الدين يقدمها شياطين الإنس في أبهى صورة؟!
توظيف الصورة
على سبيل المثال، إذا مزجنا بين الألعاب التعليمية والتطبيقات الإلكترونية، وتعليم الأطفال الوضوء أو الصلاة بطريقة مشوقة؛ سيصبح توظيف الصورة في الاتجاه الصحيح لتكوينهم الإيماني، وهنا يمكن الاستفادة من وسائل الإعلام المعاصرة مثل الرسوم المتحركة أو القصص المصورة.
وإضافة لذلك، يمكن تعزيز القيم الدينية من خلال تدريب الأطفال على مجموعة من الأنشطة الحياتية اليومية، التي تعطي محاكاة لأنشطة واقعية يشاهدونها في حياة آبائهم وأمهاتهم، ومثال ذلك خروج الأب أو الأم مع الطفل للاشتراك في عمل خيري بسيط، كإعطاء المال لبعض الفقراء، وترديد الحديث النبوي الشريف: «ما نقص مالٌ من صدقة» (رواه مسلم) على مسامع هذا الطفل.
وفق هذا المزج تتحول الصورة والقصة والتفاعلية أدوات موظفة بالكامل في خدمة الرسالة الدينية، وهو عين ما يراه الأطفال جذاباً وممتعاً، بخلاف أسلوب التلقين التقليدي الثقيل على نفس الكبار فضلاً عن الصغار.
ومن هذا المنطلق، تعد أنشطة الأسرة المحور الأساسي في تنشئة الطفل دينيًا، إذ هي البيئة الأولى التي يتعرض فيها للقيم، فإذا رأى الطفل والديه ملتزمين بأداء الصلاة ويشجعانه على ذلك بأسلوب قصصي تفاعلي، سيشعر الطفل بالانتماء للدين من منطلق كونه بهجة الحياة وزينتها، على النحو الوارد في الحديث النبوي: «أرحنا بها يا بلال» (رواه أبو داود).
أما المؤسسات التعليمية، سواء كانت مدارس أو مراكز تعليمية، فلها دور مكمل ومهم، إذ يجب أن تتبنى مناهج تعليمية تجمع بين التعليم الأكاديمي والتربوي، وتضمن أن تكون المفاهيم الدينية جزءًا من التعليم اليومي وليس مجرد دروس منفصلة.
وهنا يعد توظيف وسائل الألعاب والرسوم المتحركة والمسابقات والرحلات داخل المدارس وسيلة فعالة للتحفيز على فهم وحفظ سور من القرآن الكريم أو بعض الأحاديث النبوية؛ ما يعزز ارتباط الأطفال بالدين باعتباره أساس تكوينهم وليس باعتباره واجباً عليهم قضاؤه.
إن التحديات التي تواجه الأطفال في عصرنا تستوجب التفكير في حلول مبتكرة لتعزيز الخطاب الديني الموجه لهم، خاصة في ظل التحديات التي تشمل التعرض المفرط لوسائل الإعلام العالمية، التي تروج أغلبها لمفاهيم تتعارض مع قيم الإسلام.
ولتجاوز هذه المشكلة، يبرز دور الوالدين في تحديد المحتوى الذي يتعرض له الطفل، مع مسؤولية تضامنية لمؤسسات المحتوى الهادف عن توفير محتوى ديني مناسب يستهدف الأطفال، عبر تطبيقات مثل «Muslim Kids TV»، وغيرها من التطبيقات التي تقدم محتوى يجمع بين التعليم والترفيه.
وإضافة لذلك، بات لزاماً على المؤسسات التعليمية في بلداننا تبني مناهج دينية شاملة تتوافق مع التطور التكنولوجي، بحيث يتم استخدام الوسائل الحديثة مثل تطبيقات الواقع الافتراضي التي تساعد الأطفال على تجربة شعائر مثل الحج أو العمرة بشكل تفاعلي؛ مما يعزز الفهم العميق لهذه الشعائر.
لقد بات تجديد الخطاب الديني للأطفال ضرورة، ليس فقط بمجرد تحديث اللغة، بل بعملية تطوير شامل يستند إلى فهم عميق لحاجات الطفل المعرفية والنفسية، ويحرص على أن يكون الدين جزءًا طبيعيًا من حياة الطفل اليومية، من خلال تعزيز العلاقة بين تعاليم القرآن الكريم والتجارب الحياتية.
غير أن إعداد خطاب ديني ناجح للأطفال يتطلب مشاركة جميع الجهات، بدءًا من الأسرة التي تعتبر العامل الأول في نقل القيم الدينية، مرورًا بالمؤسسات التعليمية التي يجب أن توفر المناهج التربوية المناسبة، وصولًا إلى وسائل الإعلام التي يجب أن تقدم محتوى جذابًا ومفيدًا يعزز من الفهم الصحيح للدين، وعليه فإن الأمر يتطلب تدخلاً على مستوى الدول، فمن ينهض ويحمل الأمانة في ثوبها الجديد؟