عقب التصدي الدموي من جانب نظام بشار الأسد لثوار سورية الذين انتفضوا، ضمن ثورات «الربيع العربي» عام 2011م، بدأت فصائل المعارضة السورية تُسلح نفسها للتصدي لهذا النظام المجرم الذي قابل مطالبتهم بالحرية، بالرصاص والبراميل المتفجرة، وقد تطورت فصائل المعارضة المسلحة بشكل ملحوظ خلال الصراع، وشهدت العديد من التحولات الإستراتيجية في فترة تكوينها.
كانت المعارضة السورية في البداية تتكون من مجموعة من الفصائل المسلحة المحلية، وكانت غالبيتها أو القوى المؤثرة منها ذات طابع إسلامي، ومع مرور الوقت، تم تشكيل ائتلافات أكبر، بعد اندماج العديد من هذه الفصائل الصغيرة، وأبرزها كانت: «فرقة السلطان مراد»، «فرقة السلطان سليمان شاه»، «فرقة الحمزة»، «جيش الإسلام»، «الجبهة الشامية».
أيضاً ظهرت تنظيمات مسلحة معارضة مثل: «فيلق الشام»، «جيش إدلب الحر»، «الفرقة الساحلية الأولى»، «الجيش الثاني»، «الفرقة الساحلية الثانية»، «جيش النخبة»، «الفرقة الأولى مشاة»، «جيش النصر»، «لواء شهداء الإسلام– داريا»، «لواء الحرية»، «الفرقة 23».
المعارضة السورية في البداية تكونت من فصائل مسلحة محلية غالبيتها ذات طابع إسلامي
وبسبب هذه الفُرقة وتشتت المجهود العسكري ضد النظام، وعدم توحدها، هزمت قوات الأسد، بدعم من روسيا وإيران و«حزب الله»، المعارضة التي تقدمت عام 2016م، وكانت تسيطر على المناطق الشرقية من حلب، ولكن تجمدت خطوط المواجهة في الصراع منذ عام 2020م، بعد أن استعاد الأسد معظم أنحاء البلاد من المعارضة بفضل مساعدة القوة الجوية الروسية والمدد العسكري الإيراني وشبكاتها من الجماعات المسلحة الإقليمية.
درس الوحدة
كان الدرس الذي تعلمته فصائل المعارضة من هذه الهزيمة هو ضرورة توحيد قواها وإدارة عملياتها العسكرية؛ لذا بدأت تتوحد الكثير من هذه الفصائل بالعشرات في فصيل واحد، وأصبح هناك قرابة 6 فصائل كبرى تقريباً بدلاً من عشرات الفصائل، ثم جاءت الخطوة الأهم في توحيد هذه الفصائل الست تحت «إدارة العمليات المشتركة»، وكان هذا سر تحقيقها تقدماً كبيراً، والسيطرة على دمشق وإعلان نهاية حكم بشار.
وتحت اسم «ردع العدوان»، بدأت «إدارة العمليات المشتركة» معارك عنيفة مع جيش بشار الأسد، بعدما تخلى عنه الروس (باستثناء ضربات جوية قليلة)، والإيرانيون، و«حزب الله»، لأسباب مختلفة، ثم توالت الانتصارات من حلب (29 نوفمبر 2024م)، لحمص، حتى دمشق؛ بفضل توحد الفصائل واتباعها تكتيك «الكماشة» على قوات الأسد من كل جانب.
وتتكون «إدارة العمليات العسكرية» بشكل أساسي من «هيئة تحرير الشام»، و«أحرار الشام» ومجموعات أخرى من «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا، والتيارات الوطنية، ونشأت «هيئة تحرير الشام»، أبرز المجموعات المشاركة، في اقتلاع نظام الأسد المجرم، كجماعة إسلامية مسلحة في يناير 2017م، نتيجة اندماج فصائل جهادية عدة، بعد انفصال العديد من أعضائها عن «جبهة النصرة» التي كانت تابعة لـ«تنظيم القاعدة» في سورية، ويقودها أبو محمد الجولاني الذي أعلن هويته الحقيقية بعد انتصار الثورة وهو أحمد الشرع، واعترف أنه تغير ولم يعد يؤمن بالأطروحات العنيفة السابقة التي نشأ عليها، وبدأ يدعو لوحدة السوريين والمساواة بين الجميع بمن فيهم الأقليات.
بسبب تشتت المجهود العسكري للمعارضة هُزمت أمام النظام بدعم من روسيا وإيران و«حزب الله»
كانت ثاني أبرز هذه المجموعات «أحرار الشام»، وهي فصيل نشأ باتحاد 4 فصائل إسلامية سورية؛ وهي «كتائب أحرار الشام»، و«حركة الفجر الإسلامية»، و«وجماعة الطليعة الإسلامية»، و«كتائب الإيمان المقاتلة»، و«أحرار الشام» تيار سلفي معتدل ذو أصول من فكر جماعة الإخوان، مثل محمد سرور، ومحمد العبدة، وعصام العطار.
وثالث هذه القوى ذات الطابع الإسلامي كتائب «نور الدين الزنكي»؛ وهي حركة إسلامية ثورية شاركت في القتال ضد النظام السوري خلال السنوات الماضية، وكانت جزءاً من مجلس قيادة الثورة السورية سابقاً، وهم إسلاميون معتدلون، من تلامذة «المدرسة الحلبية المشيخية» التي يرأسها الشيخ توفيق سابقاً.
رابع هذه الفصائل «الجبهة الوطنية للتحرير»؛ وهو تحالف للمعارضة السورية المسلحة في جنوب غرب سورية، تم تشكيله من قبل 11 فصيلاً في «الجيش السوري الحر»، في مايو 2018م، بمحافظة إدلب شمال غربي البلاد ويضم 30 ألف مقاتل.
وخامس القوى «الجيش الوطني السوري» الذي تأسس في ديسمبر 2017م، وكان يعمل كجيش للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية ومقرها تركيا، وهو تحالف من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا التي كانت تحارب بشكل أساسي القوى الكردية التي تعمل كمرتزقة لأمريكا مثل «قوات سورية الديمقراطية» (قسد).
أما سادس هذه القوى ضمن «إدارة العمليات المشتركة» فهو «جيش العزة»، وكان يسمى سابقاً «تجمع العزة»، ويقوده الرائد المنشق عن جيش الأسد جميل الصالح، وهو جماعة سورية معارضة تابعة لـ«الجيش السوري الحر »، وكان ينشط في شمال غرب سورية، وزودته أمريكا بأسلحة كي يعاونها في محاربة تنظيم «داعش» بسورية، وفي 18 فبراير 2018م، اندمجت كتائب «جيش العزة» مع فصيل «أحرار الشام» لتشكيل «جبهة تحرير سورية».
قوى موالية لأمريكا
يعتبر «جيش سورية الحرة» المدعوم أمريكياً الذي يتمركز في قاعدة التنف الإستراتيجية على الحدود السورية الأردنية العراقية، منذ عام 2015م، من أبرز القوى التي تمولها أمريكا، وهو يعلن أنه مع أهداف ثورة سورية ولا يعارضها، وترجح تقديرات مختلفة بأن أعداد مقاتليه بضع مئات من المقاتلين من أبناء العشائر في قاعدة التنف الأمريكية الحدودية مع الأردن، التي يتخذ منها مركزاً له.
توحيد الفصائل تحت «إدارة العمليات المشتركة» كان سر سيطرتها على دمشق وإعلان نهاية حكم بشار
وتشكل هذا الفصيل من عدة مجموعات مسلحة يقف على رأسهم ضباط وعسكريون سوريون سابقون ينحدر معظمهم من محافظة دير الزور (شرق) التي سيطر «تنظيم الدولة» عليها في هجومه الواسع في سورية والعراق عام 2014م قبل طرده منها لاحقاً، لكنه دخل بموجة من الخلافات والصراعات الداخلية بين قادته ما بين عامي و2015 و2024م، وتغير اسمه مع قدوم قائد جديد له تعينه القوات الأمريكية، حيث نشأ هذا الجيش عام 2015م، لأول مرة باسم «جيش سورية الجديد»، أو «جيش مغاوير الثورة»، بدعم وتدريب أمريكي أردني، بهدف محاربة «داعش» وقوات الأسد.
و«جيش سورية الحرة» لا يرتبط بأيديولوجيات دينية أو عرقية محددة؛ ما جعله خياراً مفضلاً للولايات المتحدة كـ«شريك معتدل» ينتمي غالبية مقاتليه إلى مناطق شرق سورية، وهدفهم محاربة القوى المرتبطة بإيران والنظام السوري، كما تقول صحيفة «واشنطن بوست».
وبجانب «جيش سورية الحرة»، ظهرت «قوات سورية الديمقراطية» (قسد)، وهي مليشيا تسلحها أمريكا أيضاً وتسيطر على شمال شرقي سورية، وتقول: إنها مع فصائل المعارضة السورية التي تسلمت حكم دمشق، لكن هذه القوات المرتزقة سارعت لاحتلال مدن تركها جيش الأسد مثل منبج ودير الزور وعين العرب، فقاتلتها المعارضة السورية و«إدارة العمليات المشتركة» وطردتها من هذه المدن؛ ما يشير لخلافات قوية بين الطرفين.