في خطوة تصعيدية خطيرة، شهد مخيم جنين في شمال الضفة الغربية المحتلة، السبت 14 ديسمبر الجاري، مواجهات دامية بين عناصر «كتيبة جنين» التابعة لـ«سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
هذه الاشتباكات أسفرت عن استشهاد القيادي في الكتيبة يزيد جعايصة، وهو أحد أبرز القادة المطلوبين لقوات الاحتلال منذ أكثر من 4 سنوات، إضافة إلى استشهاد الطفل محمد عامر (15 عامًا)، وجرح نحو 40 فلسطينيًا آخرين، حسب ما أفادت مصادر محلية.
في الوقت نفسه، تواصل قوات الأمن الفلسطينية تنفيذ عمليات اقتحام واسعة النطاق للمخيم، وسط تأكيدات من السلطة الفلسطينية بأن هذه العمليات تهدف إلى استعادة النظام، وحفظ السلم الأهلي؛ وهو ما أثار موجة من الاستنكار والرفض على مختلف الأصعدة.
وقال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالضفة الغربية عبدالرحمن شديد: إن 13 فلسطينيًا استشهدوا على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ بداية العدوان الصهيوني، في 7 أكتوبر 2023م.
وفي تصريحات لقناة «الجزيرة»، دعا شديد السلطة الفلسطينية إلى تعزيز الوحدة الوطنية بدلاً من تصفية القادة الميدانيين في الضفة الغربية، وأكد أن ما تقوم به السلطة يعد استهدافًا واضحًا للمقاومة المتصاعدة، مشيرًا إلى أن هذه السياسات تفتح الباب لفتنة داخلية في ظل المجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
وطالب شديد السلطة بوقف هذا النهج الذي يهدد استقرار الشعب الفلسطيني.
بداية التصعيد في مخيم جنين
بدأت أحداث المخيم في ساعات فجر السبت، حيث اقتحمت قوة كبيرة من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية المخيم من ثلاثة محاور رئيسة، وكشفت مصادر محلية عن انتشار قناصة تمركزوا على أسطح بعض المباني، فيما استمرت الاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وأجهزة الأمن طوال ساعات النهار.
وكان التصعيد قد بدأ قبل أيام، عقب اعتقال أجهزة السلطة لعدد من القيادات البارزة في المخيم، مثل إبراهيم طوباسي، وعماد أبو الهيجا؛ ما أثار غضبًا عارمًا في صفوف «كتيبة جنين»، التي احتجزت سيارات تابعة للسلطة الفلسطينية كرهينة، للمطالبة بالإفراج عنهما.
فصائل تندد
في أعقاب التصعيد، خرجت عدة تصريحات من الفصائل الفلسطينية تنتقد بشدة الحملة الأمنية لأجهزة السلطة في الضفة الغربية، مطالبة بالضغط على السلطة لسحب قواتها من المخيمات والتوقف عن استهداف المقاومين.
حركة «حماس»، من جانبها، أكدت أن استمرار أجهزة السلطة الأمنية في ملاحقة المقاومين في جنين يتماهى مع عدوان الاحتلال.
وفي تصريح صحفي، نعت الحركة الشهيد القائد جعايصة الذي استشهد برصاص أجهزة السلطة في جنين، بعد أيام من إعدام الفتى ربحي الشلبي.
ودعت الحركة إلى اتخاذ موقف حاسم من هذا السلوك الذي يهدد استقرار الشعب الفلسطيني، مطالبة بوقف الاعتداءات والإفراج عن المعتقلين السياسيين.
من جانبها، أدانت حركة الجهاد الإسلامي بشدة ما وصفته بـ«التجاوزات الخطيرة» التي ترتكبها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بحق المقاومين في الضفة الغربية، معتبرة أن ممارساتها من قتل واعتقال وملاحقة تشكل خرقًا للمحرمات الدينية والوطنية والعائلية، واتهمت الحركة السلطة بالسعي لجر الضفة الغربية إلى حالة من الفتنة والاقتتال الداخلي.
وفي بيان صحفي، أكدت الحركة أن استمرار هذا المخطط المشبوه والمدان، سيبقى وصمة عار تطارد كل من ينخرط فيه، وكل من يقف داعمًا أو صامتًا إزاء هذه الانتهاكات.
وأضافت أن مدينة جنين ومخيمها يشهدان منذ 6 أيام مواجهات عنيفة بين قوى المقاومة الفلسطينية وأجهزة أمن السلطة، مشيرة إلى أن هذه الأحداث تفجرت عقب اعتقال الأجهزة الأمنية لعدد من أبناء «كتيبة جنين» المقاومين، بالإضافة إلى مصادرة أموال خاصة بعائلات الشهداء.
وأوضحت الحركة أن قوات السلطة تواصل لليوم السادس حصارها المشدد على مخيم جنين، حيث دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة، شملت نشر المدرعات المصفحة في شوارع المخيم، وتمركز القناصة على أسطح المنازل، في مشهد يعيد إلى الأذهان الأساليب التي ينتهجها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» في اقتحاماته للمخيمات الفلسطينية.
استجابة لضغوط الاحتلال وتصفية للمقاومة
الكاتب والحقوقي مصطفى إبراهيم وصف موقف السلطة الفلسطينية تجاه الأحداث في جنين، الذي أسفر عن استشهاد شاب تبعه طفل، بأنه غير مقبول، مؤكدًا أن معالجة الأزمة مع المقاومة تسير وفق النهج ذاته الذي تتبعه السلطة منذ سنوات.
وتساءل إبراهيم، في تدوينة على «فيسبوك»: هل تخشى السلطة من حرب في الضفة كتلك التي حدثت في غزة؟ أم أن حفظ الأمن الذي تدعيه ليس سوى استجابة للضغوط «الإسرائيلية»؟
وأكد إبراهيم أن سياسات الاحتلال «الإسرائيلي» تمضي في تجريف الضفة وتهجير سكانها، دون أن تقابلها مقاومة فلسطينية فاعلة.
من جهتها، انتقدت الكاتبة لمى خاطر بشدة ممارسات السلطة في جنين، معتبرة أنها محاولة لتصفية ما تبقى من بؤر المقاومة.
وقالت خاطر، عبر حسابها على «إكس»: العار الذي تمارسه السلطة في جنين أسمته «حماية وطن»، وهذا من أخسّ المسميات التي يمكن أن تطلق على حملة لتصفية ما تبقى من بؤر المقاومة ولإراحة المحتل من عبء مواجهتها، ومساعدته على التفرغ لسحق غزة.
وأضافت: هكذا يتلاعب الأنذال بالعقول ويتمادون في استهبال الجمهور، وكل هذا حجة على من يرجو منهم خيراً.
أما المحلل السياسي ياسر الزعاترة فكتب عبر حسابه على منصة «إكس»: هكذا يعانقون العدو في محاربة المقاومة، وشعارهم «حماية المشروع الوطني»! و«فتح» من خلفهم تصفّق وتبرّر!