عقد خلال هذا الشهر مؤتمر حمل عنوان “هل هي حرب باردة ثانية تطبخ على نار باردة؟”، لمناقشة ما بات يعرف بـ”الحرب الباردة الثانية”، بمشاركة عضوة البرلمان الأوروبي من لاتفيا “تاتيانا زدانوكا” المتهمة بالعمالة المؤثرة والتجسس لصالح روسيا.
عقد خلال هذا الشهر مؤتمر حمل عنوان “هل هي حرب باردة ثانية تطبخ على نار باردة؟”، لمناقشة ما بات يعرف بـ”الحرب الباردة الثانية”، بمشاركة عضوة البرلمان الأوروبي من لاتفيا “تاتيانا زدانوكا” المتهمة بالعمالة المؤثرة والتجسس لصالح روسيا.
وتصر “زدانوكا”، التي تمثل رئيس تحالف الناطقين بالروسية بالاتحاد الأوروبي، أنه لا صحة لهذه الادعاءات، وأن هذا الاتهام كان جزءاً من عملية “التلاعب القذرة” ضدها من قبل المعارضين المحليين، وأنه “تكتيك مألوف من أيام الحرب الباردة”.
وقد أغلق التحقيق الجنائي ضدها في لاتفيا، في ظل مزاعم حديثة تشير إلى تجدد أو إحياء لعبة التجسس الروسي داخل أوروبا، حيث تكثف وكالات الاستخبارات ألاعيبها في كل مكان، وتكرس بالتعاون مع الوكالات الغربية جهوداً استثنائية لجمع البيانات.
وأما بالنسبة لجهود الغرب، فأهميتها تتضاءل مقارنة مع الجهود الروسية، حيث أعلن مكتب ألمانيا لحماية تقارير الدستور عن تزايد حالات التجسس الروسية، فيما قال متحدث باسم وكالة استخبارات جهاز الأمن السويدي أن روسيا كثفت من أنشطة وكالات استخباراتها في السويد منذ بداية الأزمة الأوكرانية، كما يقدر مسؤول استخباراتي أوروبي بارز أن موظفي وكالة الاستخبارات يشكلون الآن ثلث دبلوماسيي روسيا.
وبطبيعة الحال، لم تتوقف الأنشطة التجسسية بشكل تام بعد الحرب الباردة، ففي الشهر الماضي، أطلق سراح “هايدرون أنشلاج” الجاسوسة الروسية التي وصلت إلى ألمانيا برفقة زوجها في عام 1988م، بعد قضاء عقوبة بالسجن لمدة سنة، وبعد أن تجسست على ألمانيا لأكثر من 20 عاماً.
وقد نجحت روسيا، في إعادة الممارسات السوفييتية من قبيل ما يسمى “عمليات النفوذ”، والتي تتميز باستخدام الغربيين والروس الوافدين لصالح موسكو، حيث يقول الخبير الأمني في مركز دراسات الشرق (OSW) “بيوتر زوكوسكي”: “في الوقت الراهن، هدف روسيا هو أن توجه انتقادات تلمّح للأنشطة الغربية في أوكرانيا وتصارع لإلغاء العقوبات الاقتصادية المسلطة عليها.. ولكن هذا ليس إلا جزءاً واحداً فقط من هدفها الإستراتيجي واسع النطاق الذي يتمثل في إقناع الغرب بالاعتراف بحق روسيا في تشكيل الوضع السياسي في دول الاتحاد السوفييتي سابقاً”.
وشملت قائمة المتكلمين في المؤتمر “تاتيانا زدانوكا” جنباً إلى جنب مع أعضاء البرلمان الأوروبي المتنوعين والبيروقراطيين، ونائب وزير الشؤون الخارجية الروسية، والممثل الأوروبي لــ”مؤسسة روسكي مير”، ونائب مدير صندوق حماية القوانين والدعم للاتحاد الروسي للمواطنين المقيمين بالخارج.
وقد أنشأت الحكومة الروسية “مؤسسة روسكي مير” في عام 2007م لتعزيز اللغة والثقافة الروسية في الخارج، حيث تعطي المنح وتنظم المؤتمرات والمناسبات، غير أن وكالات الاستخبارات المركزية الأوروبية تزعم أن صندوق حماية القوانين والدعم الروسي للمواطنين المقيمين بالخارج لديه مهمة أكثر دقة تتمثل في دعم وتمويل المنظمات غير الحكومية الأجنبية الصديقة لروسيا.
وعمليات النفوذ ليست سوى خدعة جديدة، حيث يقول “بول لاشمار”، المتخصص في العلاقة بين وكالات الاستخبارات ووسائل الإعلام: “في الخمسينيات، وضع السوفييت موارد ضخمة في الصحف ووكالات الأنباء وللاتصال مع الأكاديميين في الغرب، وردّ البريطانيون والأمريكيون بالمثل.. هذه الممارسات لم تتلاشَ حتى السبعينيات، ومنذ مطلع الألفية الجديدة إلى الآن عادت وكالات الاستخبارات الروسية مرة أخرى إلى نفس اللعبة، بنفس تقنياتهم السوفييتية السابقة”.
خلال الحرب الباردة، جند الاتحاد السوفييتي الشيوعيين الغربيين كوكلاء النفوذ: فئة صغيرة دون شعبية خاصة تتفاعل على أنها ناطق غير رسمي باسم المخابرات لوسائل الإعلام ضمن التزام أيديولوجي معين.. ويقول بعض المراقبين: إن الروس يستعملون عوامل تأثير مختلفة في أوقات مختلفة، وإنه في السنوات الخمس الماضية زادت عمليات النفوذ الروسي في السويد – على سبيل المثال – بشكل ملحوظ.
في حين يقول صانعو القرار في ليتوانيا: إنها تحاول تقليل اعتمادها على الطاقة الروسية، ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الليتواني ووزير الدفاع السابق “راسا جوكنوفيشيان”: عندما كنا بصدد اتخاذ قرار بشأن بناء محطة للطاقة في عام 2012م، حاولوا تحويل الرأي العام ضد هذا المشروع.. ونفس الشيء يحدث الآن مع شركائنا في محطة الغاز الطبيعي؛ إنهم يحاولون إقناع الناس أنها ستكون مكلفة فوق اللزوم.
وكما هي الحال في بلدان أوروبية أخرى، تنحاز الجماعات المتطرفة في ليتوانيا غالباً إلى روسيا، وكثيراً ما وقفت روسيا إلى جانب الجماعات المدافعة عن البيئة في لاتفيا وخارجها، الأمر الذي يعلق عليه “جوكنوفيشيان” قائلاً: ليست كل جماعة متطرفة في ليتوانيا على اتصال مع أجهزة الاستخبارات الروسية، ولكن الروس يستفيدون منها جميعاً.
ومن أشهر الحالات، “إدغار سافيسار”، عمدة بلدية تالين، الذي خسر في خريف هذا العام دعوى قضائية ضد إحدى الصحف الأستونية التي أشارت إليه كعميل للنفوذ الروسي، و”يوهان باكمان”، عالم الاجتماع الفنلندي المثير للجدل، الذي ينحاز بقوة للجانب الروسي، والذي يشير حسابه الشخصي على “الفيسبوك” إلى أن وظيفته الحالية هي ممثل في جمهورية دونيتسك الشعبية المنفصلة مؤخراً على أوكرانيا.
وينتمي عديد المشاركين في مؤتمر حرب “تاتيانا زدانوكا” الباردة إلى مجموعة أخرى تزعم وكالات الاستخبارات في منطقة البلطيق أنها منظمة “عالم بلا نازية” الروسية، التي تأسست قبل أربع سنوات من قبل المنتمي للأليجرشية الروسية “بوريس شبيجل”.
ولكن نائب رئيس منظمة “عالم بلا نازية”، “فاليري إنجل”، وهو مواطن روسي – “إسرائيلي” يعيش في لاتفيا، يقول: إن هذا الادعاء هو مجرد محاولة لتشويه سمعة حملة حقوقية ضد الفاشيين الجدد؛ لأنها تذكر الناس بالسجل البائس لدول البلطيق التي دعمت النازيين خلال الحرب.
وقد حققت منظمة “عالم بلا نازية” بعض النجاح في نشر رسالتها، ووفقاً للمنظمة، فهي تعتبر كلاً من وزارة الخارجية الأمريكية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا من بين شركائها، ويقول “إنجل”: إن “شبيجل” وحدها تموّل منظمة “عالم بلا نازية” على الرغم من أن المجموعة تلقت منحة من منظمة غير حكومية روسية العام الماضي.
وستبذل أي وكالة استخبارات جهوداً خاصة في البلدان ذات الأهمية الإستراتيجية، بالنسبة لروسيا، وخاصة جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق الغربية التي تحوي الأقليات الروسية الكبيرة، حيث يقول “لاشمار”: من الطبيعي أن روسيا تحاول التأثير على الرأي العام في الجمهوريات السوفييتية السابقة، فلقد مزج الكرملين بدقة حقوق الإنسان مع الجغرافيا السياسية في الدفاع عن مجتمعات الشتات الروسية.
ويبقى السؤال المطروح الآن هو: ما إذا كانت الجهود الروسية ستكافأ بنفوذ في ذات القيمة المبذولة؟ وعما إذا كانت روسيا تمتلك القدرة على توجيه الرأي العام العالمي عبر هذه الآليات لجعلها تنحاز إلى صفها؟
http://www.newsweek.com/2014/12/19/spies-are-back-espionage-booming-new-cold-war-290686.html