د. حلمي محمد القاعود
“أبناء الأبالسة”، “أحفاد الشياطين”..
هكذا كان يكرّر ويردّد مذيع صلاة الفجر في إذاعة القرآن الكريم وإذاعات أخرى انضمت إليها قبل أيام.
كان واضحاً أنه يقصد جماهير الأمة الإسلامية وقيادتها الذين يرفضون انقلاب العسكر ودمويته وجرائمه في العصف باستقرار الوطن وأمنه وسلامته، وعدوانه على بيوت الله وإحراقها بمن فيها وقتل الآلاف من الأبرياء، وأسره لعشرات الألوف من خيرة أبنائها وأنقاهم وأعلمهم.
مذيع البيادة يدعو بمنتهى الفجور إلى قتل المعارضين وسفك دمائهم، ويستشهد باستشهاد في غير محله بما حدث للكافر عبد العزى بن خطل الذي حارب الإسلام وأصر على إجرامه حتى فتح مكة فأهدر النبي – صلى الله عاليه وسلم – دمه ولو تعلق بأستار الكعبة، وفي الوقت نفسه يمدح أتابك عسكر ويعدّد إنجازاته ويدعو له!
كنت أتصور أن مذيعاً ينسب إلى إذاعة القرآن الكريم وإذاعات الجمهورية المصرية سيمسك لسانه عن الطعن واللعن والفحش والبذاءة، ويتخلق بأخلاق الإسلام “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء”، و”المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، وأن يعيش مع الناس في هذا الوقت الطيب المبارك التي تتنزل فيه الرحمات على عباد الله، ويدعو ربه أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشداً، وأن يركز على مهنته الإعلامية في نقل الصلاة، ووصف ما حوله من عابدين راكعين ساجدين، وقارئ للقرآن الكريم، ومنشد مبتهل، ومسجد يضم عشرات المصلين..
ولكن مذيع البيادة أبى إلا أن يكون جنرالاً صغيراً يسب ويشتم ويلعن أطهر من أنجبتهم الأمة، وأنبل من عرفتهم أرضها تضحية وفداء لدينهم ووطنهم.
يظن فتى البيادة أن مغالاته في الفحش، وإفراطه في البذاءة سيقربه من قادة الانقلاب الدموي وسيرقى في مناصب إعلامية رفيعة، مع أنه لا يتعظ بما يجري حوله، وينسى أن الانقلابيين لا عزيز لديهم، ولو كان شريكاً لهم، وتقرّب بذبح الآلاف من الأبرياء والشرفاء والمدافعين عن الحرية والكرامة واستقلال الوطن.
هل أذكّر فتى البيادة المذيع بما فعله أتابك عسكر بما يسمى وزير داخلية الانقلاب حين خلعه وألقاه في غيابة النسيان والمجهول؟ لن أحدث الفتى المذيع الانقلابي عن الوزير المخلوع وما كان يتيه ويتفاخر من سطوة وجاه وإذلال لعباد الله وتدليس وتضليل واتهامات كاذبة لمن رفضوا الاستبداد والطغيان والمذابح والاعتقالات والتعذيب والتنكيل بعباد الله ومصادرة الأموال وتكميم الأفواه وإطلاق كلاب الحراسة لتنهش في الأحرار!
أخطر ما يتجاهله مذيع البيادة هو عداء الانقلاب للإسلام، وإصراره على استئصاله في القلوب والعقول، ومحاولته تفريغه من مضمونه تحت لا فتات: الثورة الدينية وتجديد الخطاب الديني ومحاربة الإرهاب (الإرهاب هو الاسم الكودي للإسلام لدى عصابة الحظيرة)، ومواجهة التطرف (أي الالتزام بالإسلام بالمفهوم العلماني)، ورفض الخلافة، وإلغاء فكرة تطبيق الشريعة.
المذيع الانقلابي عاشق البيادة، ومن أجلها يسب ويلعن المدافعين عن الإسلام والحرية، ويدافع عن إنجازات أتابك العسكر، جنرال الانقلاب، وسوف أضيف إليها بعض ما نسيه في غمرة سبابه وشتائمه لأشرف الناس وأنبلهم.
من إنجازات الجنرال رفض الهوية الإسلامية، وإعلانه في خطبه وتصريحاته بالمحافل الدولية أن انقلابه جاء ليمنع فرض (!) الهوية الإسلامية على الشعب المصري، وكأن تسعين مليون مصري مسلم لا يحق لهم أن يعلنوا عن إسلامهم وعقيدتهم، في الوقت الذي يتنادى فيه الأوغاد لبناء معبد بوذي وآخر بهائي وإعلان مصر فرعونية أو قبطية!
ومنها إعلان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حركة إرهابية، ورفض إعلان كيان العدو الصهيوني كياناً إرهابياً لعدم الاختصاص! ثم الانسحاب من على الحدود وتدمير مدينة رفح وتهجير أهلها قسراً، وتشديد الحصار على الأشقاء في غزة، وتسليط الأوغاد في الصحافة والإعلام لشيطنة الفلسطينيين وتهيئة الأذهان لتقبل قصفهم أو ضربهم عسكرياً، والعدو يتفرج ويبدي فرحه وبهجته، ويعلن على لسان حاخاماته وقادته أن الانقلاب معجزة إلهية من أجل اليهود الغزاة.
ويترافق مع ذلك تحويل سيناء إلى ميدان قتال بحجة مقاومة الإرهاب، وتخرج الصحف الانقلابية صبيحة كل يوم لتهلل لمقتل العشرات ممن تسميهم بالكفار أو الإرهابيين بعد قصفهم بـ”الأباتشي” أو المدفعية، وأغلبهم من الأهالي الفقراء البسطاء، بينما إثيوبيا تقرر إعدام مصر عطشاً دون أن تتوقع رداً من أتابك عسكر الذي روج لطائرات “رفال” الفرنسية كاسدة السوق!
ومنها قصف المدنيين في ليبيا للرد على ما قيل: إنه ذبْح عشرين من النصارى، لم نر لهم جثثاً، ولا نعرف أين قتلوا، ولكن أتابك عسكر يريد أن يثبت للمرشد الأعلى للانقلاب – أعني “تواضروس” – أن النصارى فوق المسلمين، وأنه لا مشكلة لديه لو دفع بالجيش إلى أتون جهنم لتحرق نارها آلاف الفلاحين الغلابة الذين لا يختلفون في التعاسة عن أكثر من مليون مصري يعملون لدى الليبيين!
أما إنجازات الجنرال في الداخل فهي بلا حصر، خذ عندك يا فتي البيادة المذيع:
توفير انقطاع الكهرباء يومياً في أرجاء البلاد، والمعجزة أن أحداً لا يشتمه ولا يسبه كما كانوا يسبّون الرئيس المسلم “محمد مرسي” – فك الله أسره – وينزلون عند انقطاعها إلى مولداتهم الكهربية لتشغيلها دون أن ينطقوا بكلمة.
اختفاء زيت التموين في جميع أنحاء الجمهورية دون معرفة الأسباب، ومن يريد استخدام الزيت ولا يجده، عليه أن يستخدم المسلى الصناعي في الفلافل والفول والسمك والسلطة وغيرها.
ارتفاع الأسعار بغير ضابط ولا رابط، وتزايد البطالة ومعها معدلات الانتحار بين الشباب بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر، وتستطيع أن ترى توحش أجهزة الأمن في مداهمتهم وقتلهم للأبرياء في بيوتهم.
اختفاء الحرية والديمقراطية والدستور والقانون وعلماء الإسلام الصالحين، وظهور القمع والقهر والكبت واللحى التايواني الشيطانية الخائنة.
وصول أنبوبة البوتاجاز إلى مائة جنيه، وفقاً لما تقوله صحف الانقلاب الموالية لأتابك عسكر، ولا يجدها الناس في أحيان كثيرة.. وهنا أتوقف عن تعداد إنجازات الجنرال، لأسأل مذيع البيادة: من هم أبناء الأبالسة، وأحفاد الشياطين؟
الله مولانا، اللهم فرّج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم.