تصاعدت وتيرة الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى المبارك في الآونة الأخيرة، وليس فقط من الجماعات والأحزاب اليهودية، وإنما أيضاً من السياسيين والمسؤولين وأعضاء يهود من الكنيست الصهيوني؛ مما يزيد الأمر خطورة وتعقيداً.
ولعل أخطر الانتهاكات الصهيونية في الأقصى ما حصل في الأيام الأخيرة من اقتحامات استفزازية بحماية شرطة الاحتلال بحجة الأعياد الصهيونية، وإقدام أحد اليهود الفرنسيين على رفع العلم الصهيوني في صحن الصخرة المشرفة؛ مما أدى إلى تصدي حراس الأقصى والمرابطين والمرابطات لهذا الأفَّاك، وينزعون العلم منه، وقامت شرطة الاحتلال بالاعتداء على حراس المسجد وعلى المصلين والمصليات بدلاً من اعتقال هذا اليهودي المعتدي وبدلاً من منعه من رفع العلم.
ويقول خطيب المسجد الأقصى المبارك، رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري: إن ما حصل نتيجة رفع العلم الصهيوني أن تدخلت القنصلية الفرنسية بالقدس، مدعية أن رفع العلم أمر عادي وطبيعي ولا يجوز منعه واعترضت على التصدي لهذا الأفَّاك، متسائلاً: لماذا هذا التدخل السافر من القنصلية الفرنسية؟ وأجاب: لأن هذا الأفَّاك يحمل الجنسية الفرنسية، داعياً القنصلية أن تحاسب هذا المعتدي إن كان من رعاياها.
ويشير الشيخ صبري إلى أنه لا يحق للقنصلية الفرنسية التدخل في شؤون المسجد الأقصى، وأن هذا التدخل يعد سابقة خطيرة ويتعارض مع الأعراف الدبلوماسية ومع العلاقات الدولية، ولم يسبق لأي دبلوماسي أن تدخل في شؤون الأقصى، وأنه يتوجب على القنصلية الفرنسية الاعتذار عن تدخلها السافر المرفوض.
قانون التقسيم
وفي إطار حربه على مدينة القدس المحتلة والمقدسيين، ينفذ الاحتلال الصهيوني العديد من القوانين، ولعل أخطرها قانون تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً وفرض السيادة الصهيونية عليه، والذي يهدف إلى تغيير الوضع الراهن للمسجد بالسماح لليهود بالصلاة فيه، وتخصيص مكان ومواعيد محددة لصلواتهم وأداء شعائرهم الدينية، هذا علاوة على قانون آخر يحظر وجود المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى، وهو قانون تعمل المؤسسات الأمنية الصهيونية على بلورته لملاحقة من يتواجدون في الأقصى لمنع اقتحامات المستوطنين.
وتدل إحصائية فلسطينية على أن عدد المتطرفين اليهود الذين اقتحموا المسجد الأقصى خلال شهر يونيو الماضي بلغ ما يقارب الـ727 متطرفاً، في حين بلغ عدد المرابطات اللواتي جرى اعتقالهن من المسجد الأقصى 19 سيدة، وقد تم استصدار قرار بالإبعاد عن المسجد الأقصى بحق 13 مرابطة، إضافة إلى صدور قرار بإبعاد سيدة واحدة عن البلدة القديمة بالقدس.
ومع قدوم حكومة يمينية صهيونية جديدة، طالبت الجماعات اليهودية المتطرفة هذه الحكومة بإغلاق المسجد الأقصى أمام المسلمين، وذلك فيما يسمى بـ «ذكرى خراب الهيكل» الذي صادف يوم 26/7/2015م، كما طالبوا بمنح اليهود المقتحمين حرية الصلاة الجهرية داخل المسجد الأقصى المبارك! ولم تقتصر أطماعهم العدوانية على ذلك، وإنما يطالبون بِحرية الدخول إلى الأقصى المسقوف ومسجد قبة الصخرة المشرفة والمصلى المرواني وغيرها من المصليات المسقوفة.
وتفيد الاستطلاعات الأخيرة بأن 63% من الشارع الصهيوني يطالبون ببناء الهيكل الخرافي المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك!
ولم يكتفِ الاحتلال باعتداءاته واستفزازاته، بل قام بترويج إشاعات أطلق عليها اتفاقات أو تفاهمات مع الحكومة الأردنية حول السماح لليهود بدخول المصليات المسقوفة.. كما روج إشاعات حول تشكيله إطاراً مشتركاً بينه وبين الحكومة الأردنية بالتنسيق مع سلطة الآثار الصهيونية للتنقيب عن آثار يهودية في المسجد.
الأقصى ينادينا
ورداً على تلك الإشاعات، أصدرت الهيئة الإسلامية العليا وثيقة المسجد الأقصى المبارك تحت عنوان «الأقصى ينادينا» من أجل تعميمها عالمياً ومحلياً.
ومما جاء في الوثيقة والتي حصلت «المجتمع» على نسخة منها: يروج الاحتلال في الآونة الأخيرة إشاعات يطلق عليها اتفاقات أو تفاهمات مع الحكومة الأردنية حول السماح لليهود بدخول المصليات المسقوفة، كما ويروج الاحتلال إشاعات حول تشكيله إطاراً مشتركاً بينه وبين الحكومة الأردنية بالتنسيق مع سلطة الآثار الصهيونية للتنقيب عن آثار يهودية في المسجد، ونحن نؤمن أن هذه الإشاعات مغرضة، وهي تكشف عن أطماع الاحتلال بحق المسجد الأقصى المبارك عبر مشاريع التقسيم الزماني ثم المكاني كإجراء محلي في بناء هيكلهم الخرافي على أنقاض المسجد الأقصى، وهكذا فإن أطماعهم العدوانية بحق الأقصى لم تتوقف عند حد معين.
وأكدت الوثيقة جملة من القضايا؛ وهي أن المسجد الأقصى المبارك – كل ما دار عليه السور – بكامل مساحته ومصلياته وساحاته، سواء أكانت تحت الأرض أم فوقها، هو مقدس إسلامي خالص وحصري ولا يوجد لليهود أو لأي طرف آخر حق ولو في ذرة تراب منه، وأن الوجود الصهيوني في القدس هو احتلال باطل وغير شرعي ولا يوجد له أي سيادة على المسجد الأقصى المبارك، وأن زوال الاحتلال عن القدس والمسجد الأقصى المبارك قادم بإذن الله تعالى، لإنهاء معاناة القدس، والمسجد الأقصى وشعبنا الفلسطيني.
وقالت الوثيقة: إنه لا يوجد لليهود أي حق للدخول إلى أي بقعة من المسجد الأقصى المبارك لا إلى مصلياته ولا إلى ساحاته، وأن مجرد الدخول يعتبر اقتحاماً واغتصاباً للحق الإسلامي العربي الفلسطيني، وهو اعتداء سافر على المسجد الأقصى المبارك وانتهاك لحرمته.
وجاء في الوثيقة أن أي اتفاق يدعيه الاحتلال مع أي طرف كان حول المسجد الأقصى المبارك هو ادعاء وهمي وباطل، ونأمل من الحكومة الأردنية إصدار بيان يدحض فيه إشاعات الاحتلال بشأن المسجد الأقصى المبارك.
وأكدت الوثيقة أن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك ستبقى العنصر الموحد والمجمع لمجتمعنا الفلسطيني بكل أطيافه الدينية والفصائلية، وستتصدى جميعها للاحتلال «الإسرائيلي» ولسياساته الخبيثة، وأنه مهما مارس الاحتلال من أساليب شريرة لقمع شعبنا فلن يكسر إرادتنا، وإن أمعن في قتلنا واعتقالنا وإبعادنا.
وأهابت الوثيقة بكل الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية والعالم العربي على صعيد الحكام والشعوب والعلماء الوقوف من وراء هذه الوثيقة والالتفاف صفاً واحداً لنصرة القدس والمسجد الأقصى المبارك، داعية وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والإسلامية الارتقاء إلى مستوى الحدث والعمل الجاد على فضح جرائم الاحتلال والتصدي لأباطيله وإشاعاته.
وختمت الوثيقة بالقول: أخيراً؛ فإننا نحيي أهلنا المقدسيين والمقدسيات، وندعو إلى دعم صمودهم في أرضهم وبيوتهم ومقدساتهم، وتوفير الحياة الكريمة لهم حتى يأذن الله تعالى بزوال الاحتلال «الإسرائيلي» عنهم، والذي سيكون قريباً بإذن الله تعالى زوالاً لا رجعة فيه وغير مأسوف عليه.
حملة إعلامية
وأطلق ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي حملة إعلامية تحت شعار «كلنا للأقصى حراس» تنديداً باعتداءات قوات الاحتلال المتواصلة على حراس المسجد الأقصى.
بدوره، قال الشيخ كمال خطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني: إن الوثيقة تشكل صرخة للعرب والمسلمين ليلتفتوا حول ما يدور في المسجد الأقصى مسرى النبي محمد عليه السلام، مؤكداً أن ما جرى من محاولة اليهودي الفرنسي رفع العلم «الإسرائيلي» بالأقصى هو جريمة.
واعتبر التصعيد الصهيوني في المسجد الأقصى أنه يؤكد أن الاحتلال يغتنم ما يعيشه الوطن العربي هذه الأيام وانشغاله بأوضاعه الداخلية، موجهاً التحية للحراس الأوفياء الذين يدافعون عن الأقصى بالنيابة عنا، رغم ما نالهم من اعتقال وضرب، وكذلك للمرابطين والمرابطات الذين يؤدون واجب الشرف كله دفاعاً عن الأقصى.
وأكد الشيخ خطيب أن إطلاق الإشاعات حول الأقصى تهدف إلى دق الأسافين، ونحن بانتظار الموقف الواضح الرافض لهذه الإشاعات، مؤكداً أن الأقصى حق خالص للمسلمين وحدهم، ولا حق لليهود فيه.
النواب العرب.. و«الكنيست»
بدوره، رفض النائب العربي في «الكنيست» الصهيوني أحمد الطيبي اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والتي ارتفعت وتيرتها خلال الأعوام الماضية، وقال: إن من يقف وراء هذه الاقتحامات هي حكومة الاحتلال، لافتاً إلى أن هناك محاولات لفرض أمر واقع جديد في الأقصى لتقسيمه زمانياً ومكانياً، وأكد أن الأقصى هو مكان للمسلمين فقط، مشيراً إلى وجود مخطط من لجنة الداخلية في «الكنيست» لتقسيم الأقصى وللسماح للمستوطنين بأداء طقوسهم الدينية أثناء الاقتحام، إلا أن أعضاء «الكنيست» العرب يُفشلون هذا المخطط ونقاشه باستمرار.
وأخيراً؛ فإن الحقيقة الماثلة أمامنا هي أنه لولا تصدي المرابطين والمرابطات لاقتحامات المستوطنين ولقوات الاحتلال لكان وضع المسجد مختلفاً الآن، رغم أن العشرات منهم يتعرضون للاعتقال شهرياً في المسجد الأقصى، دون توجيه أي تهم بحقهم.. وفي المقابل، ورغم تعرض العديد من المصلين للاعتداء من قبل المقتحمين اليهود وأتباع الهيكل، فإنهم بنظر سلطات الاحتلال أبرياء حتى تثبت إدانتهم، ولا يتم اعتقالهم إلا صورياً في بعض الأحيان.