لم تكن تعرف أن معاناتها مع النسيان أثناء دراستها سترسم لها طريقاً مغايراً يقودها نحو النجاح والشهرة، ويعِدها بمستقبل ليس أقل إشراقاً من لحظات تتويجها بالمراكز الأولى وطنياً وعربياً، إنها مريم يزة، بطلة الجزائر والعرب في الذاكرة، التي احتفت بها مدينتها الصغيرة تكوت بولاية باتنة (شرقي الجزائر)، وأصبحت تراقب خطواتها في المسابقات العربية والعالمية للذاكرة.
«المجتمع» التقت يزة على هامش الملتقى الدولي للمرأة العربية لتأهيل القيادات النسائية الذي انعقد في الجزائر، حيث صالت معها وجالت في مشوارها الناجح الذي لم يتعدَّ أربع سنوات، ولكنه منحها لقب بطلة الجزائر والعرب في الذاكرة.
* كيف اكتشفت أنك تتمتعين بذاكرة قوية؟
– لم يكن في طفولتي ما يشي أنني سأتمتع بذاكرة قوية في المستقبل، بل بالعكس، كنت كثيرة النسيان في المواد التي تتطلب الحفظ مثل التاريخ والجغرافيا، مع أنني كنت متفوقة في كل مراحلي الدراسية، إلى أن بلغت الجامعة ودرست الهندسة الزراعية لمدة خمس سنوات، ولكن في أعماق نفسي كان مجال العقل يستهويني كثيراً؛ لأنه مجال كبير وشامل، وكنت حينها مولعة ومتأثرة إلى حد كبير بالبرامج والدروس التي كان يقدمها رائد التنمية البشرية إبراهيم الفقي، يرحمه الله تعالى، بشكل خاص، والتنمية البشرية بشكل عام، ولكن لم أكن أعرف طريقة الانخراط في هذا المجال، إلى أن تخرّجت في الجامعة وبدأت أطّلع على الكتب والمواقع الإلكترونية التي تعنى بهذا الميدان الرحب.
ولم أتأخر في المشاركة في الدورات التدريبية في كل التخصصات مثل التخطيط الإستراتيجي الشخصي، وعلم الريكي (العلاج بالطاقة) والاسترخاء، وفي إحدى الدورات تعرفت على الأستاذ رياض بن صوشة الذي حدثني عن فكرة البطولة في الذاكرة، تحمست كثيراً للفكرة مع ضرورة تنمية قدراتي، وبعدها خضعت للدورة وقررت حينها المشاركة في النسخة الأولى من البطولة العربية التي أقيمت في الجزائر العاصمة، وحصلت على المركز الثاني عربياً مع أنني كنت في آخر دفعة مشاركة.
* هل هناك أحد في أسرتك يتمتع بذاكرة قوية؟
– نعم، جدتي المعمّرة التي ناهزت 100 سنة تتمتع بذاكرة قوية جداً، وتتذكر تفاصيل دقيقة عن الأشخاص الذين تشاهدهم.
* ما طبيعة المسابقات التي شاركت فيها ضمن بطولات الذاكرة؟
– هي عبارة عن اختبارات للتذكر في عدة مجالات أساسية في حياة الإنسان، وهي الكلمات أو النصوص بشكل عام، وسلاسل طويلة من الأرقام، ومجال الأسماء والوجوه والصور، وأخيراً الأوراق التي تشبه أوراق اللعب، ولكن بنسخة إسلامية.
* إحرازك المركز الثاني في البطولة العربية للذاكرة التي أقيمت بالجزائر، هل كان حافزاً لك لمواصلة المشاركة في هذه البطولات؟
– نعم بالتأكيد، بعد هذا الإنجاز قرّرت أن أواصل رحلة البطولات، ففي عام 2013م توجت بالمركز الأول جزائرياً، ثم شاركت في النسخة 23 لبطولة العالم في الذاكرة بلندن، وحصلت على المركز الثامن عالمياً صنف إناث.
* هل تختلف معايير البطولات العالمية عن البطولات المحلية والعربية؟
– نعم، تختلف المعايير من حيث الوقت الذي يمنح للمتسابق، ففي البطولات المحلية مثلاً اختبار الأرقام العشوائية يتم في 15 دقيقة، بينما في البطولات العالمية يتم اختبار الأرقام خلال ساعة من الزمن، وخلال هذه الساعة يستطيع المتسابق أن يبرز قدرات فائقة في التذكر.
* بعد بطولة لندن، أين شاركت؟
– شاركت في البطولة العربية الثانية للذاكرة التي أقيمت في مدينة الحمّامات التونسية، حيث حصلت على المركز الأول عربياً، وشاركت في بطولة العرب للذاكرة في شرم الشيخ بمصر وحصلت على المركز الأول، وبعدها مباشرة شاركت في بطولة العالم للذاكرة عام 2014م التي أقيمت في الصين، حيث نلت المركز الثامن عالمياً، وكنت العربية الوحيدة التي حصلت على «الماستر» العالمي.
* هل تلاحظين أن ذاكرتك أصبحت أقوى من السابق نتيجة المشاركة في هذه المسابقات؟
– نعم، ذاكرتي تزداد قوة كلما شاركت في هذه البطولات بدليل أن مجموع النقاط التي حصلت عليها ترتفع من بطولة إلى أخرى، ففي البطولة العالمية مثلاً حصلت على المرتبة الثامنة لكوني جديدة على هذه البطولات التي انطلقت عام 1991م على يد البريطاني «توني بوزن»، وهو أبو الذاكرة ومؤسس كل أعمدتها.
* إذن أنت تتوقعين أن تحرزي مراتب متقدمة في البطولات المقبلة؟
– بإذن الله تعالى، أنا أطمح إلى المرتبة الأولى عالمياً، وأسعى إلى تقديم تقنيات جديدة في الذاكرة من ابتكاري، وأن أكون مدربة عالمية في مجال الذاكرة، وأقصى ما أتمناه أن أكون المحفز والدافع لبنات جنسي لإحراز نجاحات في هذا الميدان، باعتبار أن مجتمعاتنا العربية مجتمعات ذكورية تتوقع النجاح من الرجل ولا تتوقعه من المرأة.
* هل تلقيت الدعم والتحفيز من أسرتك، خاصة أنك تنتمين إلى منطقة محافظة في ولاية باتنة؟
– أولاً دعيني أقول لك: إن الحافز يأتي من الداخل، فأنا من أردت أن أسلك هذا الطريق، ومع أن أسرتي كانت متخوفة في البداية من هذا المجال؛ لأنه جديد وغير واضح المعالم، لكنها بعد أن رأت حماسي واجتهادي، فتحت لي كل الأبواب، ولم تبخل عليَّ بأي دعم، وهذا ما ساعدني على إحراز هذه النجاحات، فأمي التي لا تعرف القراءة والكتابة كانت تحفزني بطريقتها الخاصة، ولطالما قالت لي: أريدك أن تحققي ما لم أحققه أنا، أما أبي فلم يقيدني بأي شروط، بل وضع ثقته الكاملة فيّ وأنا كنت في مستوى هذه الثقة.
* قوة الذاكرة لديك، هل جعلتك تفكرين في حفظ القرآن الكريم؟
– أكيد، وبدأت فعلاً أحفظه منذ عام 2013م، والحمد لله حققت نتائج رائعة في الحفظ العادي، لأنه مع ممارسة إستراتيجية التذكر، تتحسن الذاكرة ويرتفع مستواها.
* ما المجال الذي خدمتك فيه الذاكرة بالإضافة إلى بطولات التذكر؟
– الذاكرة فتحت لي آفاقاً واسعة، جعلتني أتعلم اللغة الإنجليزية التي لم أكن أجيدها قبل المشاركة في البطولات العالمية، وجعلتني أتواصل مع المشاركين بشكل سلس، وعرفتني الذاكرة على أشخاص من مختلف دول العالم، وأتاحت لي فرصة التدريب في الجزائر وتونس، والمجال ما زال مفتوحاً أمامي.
* بعد حصولك على «الماستر» الدولي في الذاكرة، دعا نشطاء على «فيسبوك» إلى استقبالك في المطار استقبال الأبطال، هل وجدت هذا الاستقبال؟
– بالنسبة للحكومة، لم أجد أي مسؤول في انتظاري بالمطار، مع أن الوزير الأول استقبل متسابقة جزائرية في برنامج «ستار أكاديمي»، ولكني سعدت باستقبال عدد من الجزائريين في المطار وبعض الأشخاص الذين كانوا متواجدين هناك، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الجزائرية التي كانت حاضرة بقوة، وعندما عدت إلى باتنة وجدت والدي رفقة عدد كبير من مواطني دائرة تكوت في انتظاري.
* دعيت للمشاركة في الملتقى الدولي للمرأة العربية، ما الذي سيضيفه لك هذا الملتقى؟
– لا شك أنني سأستفيد من كل ما يقدم في هذا الملتقى من دورات تدريبية في تأهيل القيادات النسائية، ويهمني كثيراً أن أطور قدراتي في كل المجالات وليس في الذاكرة فقط.