المستشرق الإنجليزي “مونتجمري وات” (1909 – 2006م) قسيس أنجليكاني، خدم في كنائس لندن وأدنبرا والقدس، وأمضى في دراسة الإسلام وتاريخه وحضارته أكثر من ثلث قرن، وأنجز دراساته العليا – الماجستير والدكتوراه – في الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام الإسلامي، وله العديد من المؤلفات التي ترجم بعضها إلى العربية، ومنها “عوامل انتشار الإسلام” عام 1955م، و”محمد في مكة” عام 1958م، و”محمد في المدينة” و”الإسلام والجماعة الموحدة” عام 1961م، و “محمد: النبي ورجل الدولة” و”الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر” عام 1969م.
ولم تقف علاقة “مونتجمري وات” بالإسلام فقط عند دراسة عقائد الإسلام وتاريخه – وهي الدراسات التي بدأت عام 1937م – وإنما عايش الواقع الإسلامي وخبر التدين الإسلامي والحياة الاجتماعية للمسلمين، ولقد جاء كتابه “الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر” شهادة لهذا المستشرق – القسيس ابن القسيس – على هذه التجربة – الفكرية والعملية – التي عاشها، والتي ملأت عليه عقله وحياته وإبداعاته الفكرية.
وفي هذا الكتاب، يقدم “مونتجمري وات” شهادة على القرآن والوحي القرآني تمثل شهادة شاهد من أهلها في الرد على الافتراءات التي تنهال الآن على الإسلام ضمن حمى الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية، بل والإسلامية أيضا!
وفي هذه الشهادة يقول هذا العالم الكبير: “إن القرآن هو وحي الله المباشر إلى محمد، إنه صادر عن الله، وبالتالي فهو وحي وليس كلام محمد بحال من الأحوال، ولا هو نتاج تفكيره، وإنما هو كلام الله وحده، قصد به مخاطبة محمد ومعاصريه، ومن هنا فإن محمدا ليس أكثر من رسول اختاره الله لحمل هذه الرسالة إلى أهل مكة أولا، ثم لكل العرب، ومن هنا فهو قرآن عربي مبين“.
وهناك إشارات إلى أن القرآن موجه للجنس البشري قاطبة، وقد تأكد ذلك عمليا بانتشار الإسلام في العالم كله، وقبوله من كل الأجناس تقريبا، وهو يحظى بقبول واسع بصرف النظر عن لغته، لأنه يتناول الإنسانية.
إننا نؤمن بصدق محمد وإخلاصه عندما يقول: إن كلمات القرآن ليست نتيجة أي تفكير واع منه، وعندما تحدى محمد أعداءه بأن يأتوا بسورة من مثل السور التي أوحيت إليه، كان من المفترض أنهم لن يستطيعوا مواجهة التحدي لأن السور التي تلاها محمد هي من عند الله، وما كان لبشر أن يتحدى الله، وعندما تمت كتابة هذا الوحي شكل النص القرآني الذي بين أيدينا، ولقد تكفل الله بجمع الآيات المتفرقة أو التي أوحي بها في أوقات مختلفة ليجعلها في سياق واحد {إن علينا جمعه وقرآنه} (القيامة 17).
وثمة ما يؤكد أن الإسلام كان بمثابة مستودع لدين إبراهيم في مرحلة نقائه الأولى، والقرآن يقرر لنا أن الإسلام هو دين مطابق لدين إبراهيم الخالص، وهو قول يستحق النظر إليه بجدية، ولو احتفظ يهود العصر ومسيحيوه بيهوديتهم ومسيحيتهم في حالة نقاء لاعترفوا بالرسالة التي ألقاها الله إليهم عن طريق محمد، تماما كما فعل “ورقة بن نوفل” (12 ق. هـ، 611م) الذي أفادت الروايات أن استجابته كانت إيجابية لمحمد“.
تلك كلمات من شهادة هذا القسيس الإنجليكاني الذي درس الإسلام، بعد دراسته اليهودية والمسيحية، وهي شهادة حبذا لو تمت الاستفادة منها في الحوار مع الذين يسيئون فهم الإسلام، والذين يسيئون إلى الإسلام.