شكلّت محطة توليد الكهرباء بقطاع غزة، حالةً من التندر بين الفلسطينيين، بعدما تحولت من نعمةٍ إلى نقمة بالنسبة لهم، بدافع توقفها شبه المتكرر على مدار العام الواحد، بفعل الأزمات السياسية والخلافات الناتجة عن عدم شراء الوقود بـ”الضرائب” التي تفرضها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
منذ عام 1976، كان الاحتلال الإسرائيلي يغذي قطاع غزة بـ12 خطًا للكهرباء، قدرة كل منها 12 ميغاوات، بمجموع 120 ميغاوات، وكانت بإدارة البلديات، في وقت كانت الكمية تكفي احتياج المدينة من الطاقة بالكامل، إلا أن قدوم السلطة الفلسطينية إلى غزة في عام 1994 دفعها للتفكير بالاستقلال الاقتصادي.
مباشرةً، تم تأسيس سلطة الطاقة الفلسطينية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1994، بهدف تحسين النظام الكهربائي حينها، وفي عام 1995 أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قرارًا رسميًا بإنشاء سلطة الطاقة، بموجب القرار رقم (12)، لبناء قطاع الطاقة الخاص والمستقل عن الاحتلال.
وبدأ المشروع بمخطط لإنشاء محطة توليد الكهرباء والسعي لتوفير مصادر دائمة وتوفير قاعدة بيانات ونظام جباية قائم على الربحية بمعدل يصل إلى 80%، من كل مصادر الطاقة التي تصل إلى المواطن الفلسطيني، ناهيك عن إتمام الربط الإقليمي مع إسرائيل ومصر، وذلك كنظام حماية لمحطة توليد كهرباء غزة.
وفي عام 1998، تأسست شركة كهرباء غزة لتوزيع الطاقة الكهربائية بموجب قرار رئاسي، بالتعاون مع البلديات والمجالس المحلية، على أن تكون حكومية وملكاً لسلطة الطاقة الفلسطينية، وتقع في مخيم النصيرات، وسط القطاع.
تأسيس الشركة وقتها، جاء باتفاق بين سبع شركات محلية وأجنبية، برأس مال قدره 11 مليون دولار، وهم: “شركة اتحاد المقاولين لوائل خوري”، و”البنك العربي”، “شركة فلسطين للتنمية والاستثمار (باديكو) لمنيب المصري”، و”الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية لمحمد رشيد”، و”شركة العقاد للتنمية الفلسطينية المساهمة الخصوصية لطارق العقاد”، و”الشركة العربية للاستثمار القابضة لظريف البرادعي”، و”شركة السعيد المحدودة لسمير الشوا”.
بعدها بعام واحد، حصلت شركة توليد الكهرباء بغزة على اتفاقية لشراء الطاقة وحقوقها من سلطة الطاقة الفلسطينية، وكانت مدة الاتفاقية تبدأ من يونيو 1999 لمدة 20 عامًا، على أن يكون لسلطة الطاقة الحق في أن تقرر تمديد اتفاقية شراء الطاقة لفترتين إضافيتين مدة كل واحدة منهما 5 سنوات.
واشترط العقد الموقع بين شركة غزة وسلطة الطاقة، بأن تقوم الأخيرة بشراء الطاقة مرة أخرى من الشركة، وتقوم هي بجباية الفاتورة بهامش ربحي من المواطنين، وتكون قد حصلت على ثمن الفاتورة مرتين.
المرة الأولى كانت بمبلغ إجمالي مدفوع من الاتحاد الأوروبي وفق اتفاقية توصلت إليها السلطة مع الاتحاد حيث يتكفل الأخير بدفع تكلفة السولار اللازم لتشغيل محطة كهرباء غزة (بواقع 2.2 مليون لتر من السولار الصناعي)، والمرة الثانية من الفواتير المحصلة من المواطن الفلسطيني.
بعد تنفيذ مشروع المحطة بغزة، أصبحت مصادر الكهرباء في القطاع ثلاثة، الأول من الجانب الإسرائيلي يغذي القطاع بـ 120ميغاوات، والثاني الجانب المصري بـ23 ميغاوات، بينما محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة تغذي القطاع بنحو 80 ميغاوات.
بداية أزمة شُح كهرباء غزة، حدثت في أعقاب قصف الاحتلال الإسرائيلي لمحطة التوليد الوحيدة بالقطاع، في الـ28 من يونيو 2006، بدافع الانتقام من خطف جنديها جلعاد شاليط، حيث دمرت طائراتها المحولات الستة لمحطة الكهرباء في المدينة.
غير أن الانقسام الفلسطيني الذي تبع قصف محطة التوليد، والخلاف بين حركتي “فتح” و”حماس”، كان سببًا في توقف الاتحاد الأوروبي عن دعم قطاع الكهرباء في غزة وشراء الوقود اللازم لتشغيلها، بطلب من رئيس وزراء حكومة رام الله، في ذلك الوقت سلام فياض.
بعدها بدأت الحكومة في رام الله بفرض ضريبة “البلو” على شراء الوقود لمحطة التوليد بقطاع غزة، وتصل إلى 30 مليون شيكل شهرياً (الدولار يساوي 3.6 شيكل)، في حين تحتاج محطة توليد الكهرباء في غزة إلى نحو 600 ألف لتر من السولار يومياً لتشغيل المحطة وإمداد الكهرباء للسكان.
وتعتبر “البلو” ضريبة مفروضة على المحروقات في الأراضي الفلسطينية، ويبلغ متوسط قيمتها قرابة 3 شواكل على كل لتر من الوقود، ويجري تحصيلها من قبل وزارة المالية والهيئة العامة للبترول في مؤسسات السلطة الفلسطينية.