دقت المخرجة الفرنسية من أصل مغربي، عواطف خلوقي، ناقوس الخطر الذي يحدق بمسلمي الروهنجيا في إقليم آراكان، غربي ميانمار.
نداء خلوق نابع من متابعتها الدقيقة لمسلسل الجرائم ضد الإنسانية الذي ترتكبه مليشيات قومية بوذية، وجيش ميانمار في إقليم آراكان، منذ سنوات بحق الأقلية المسلمة الروهنجية.
اهتمامها ظهر في فيلمها الوثائقي “الروهنجيا بدون وطن” الذي كان نتاج شهادة حية سجلتها خلال كسرها الحصار المفروض على الروهنجيا في يونيو 2012، مع إعلاميين وحقوقيين رصدوا الجرائم ضد الإنسانية داخل قرى ميانمار.
المخرجة المتخصصة في الأقليات عبر العالم، تعيد رسم مأساة مسلمي الروهنجيا، في مقابلة مع “الأناضول”، وترصد الأسباب التي يمكن أن تجعل احتمال إبادتهم وارداً إذا استمر الصمت الدولي، وغياب التحركات الحقيقية لإنقاذ أقلية حرمت الجنسية منذ عام 1982.
تعتيم إعلامي
ولا تخفي خلوقي صدمتها الشديدة من الصمت الدولي الطويل أمام ما آل إليه مصير الروهنجيين، بعد تجدد تعرضهم لهجمات متواصلة تشنها المليشيات البوذية، والجيش بإقليم آراكان، منذ صيف 2012.
وتقول: ظل المجتمع الدولي صامتاً أمام مسلسل الإبادة الذي يواجهه الروهنجيا، باستثناء تحركات تركيا وماليزيا سنة 2013، وبعدهما السعودية في مرحلة لاحقة.
وبحسب خلوفي، فإن مجازر وانتهاكات تلك السنة كانت بمثابة عمل انتقامي، حظي بتعتيم إعلامي كبير، ضد مسلمي ميانمار بعد تدمير طالبان تماثيل “بوذا” في أفغانستان.
كما أن رئيس بورما السابق ثين سين، أعلن وقتها حالة الطوارئ، وأصبحت منطقة قرى الروهنجيا مغلقة بشكل كامل، ولم يستطع أحد الوصول إليها؛ سواء المؤسسات غير حكومية أو المراقبين الدوليين، كما تقول.
وتضيف بصوت حزين: الانتهاكات الجسيمة ضد مسلمي الروهنجيا استمرت، بعيداً عن الكاميرات، ولم تهدأ، ولقد شهدت هذه الفترة مذبحة حقيقية.
توثيق بكاميرا مخفية
الفيلم الوثائقي اضطر خلوقي وزملائها؛ رفيعة بوبكر، ودافيد مورمان إلى استخدام تقنية التصوير بالكاميرا المخفية، بحكم قيام الجيش وقوات الأمن بميانمار بمنع الصحفيين والمصورين من العمل في المنطقة.
ويعرض الفيلم مأساة مسلمي الروهنجيا في المخيمات في الدول المجاورة لميانمار، من خلال شهادات لاجئين تعرضوا لهجمات المليشيات البوذية بدعم من الجيش الميانماري.
وأجرى فريق الفيلم حوارات مع مواطنين من قومية راخين (البوذية)، لتقديم أسباب قيامهم بالاعتداء على الروهنجيا، كما تناول وجهة نظر ممثل للروهنجيا في لندن، إلى جانب تحليل للأوضاع من طرف باحث فرنسي بمركز للأبحاث بباريس.
جذور النزاع
وترى المخرجة السينمائية أنه لا يمكن النظر إلى الروهنجيا كجزء يمثل 30% من تعداد سكان ميانمار، بل إن الخاصية الفارقة بين أقلية الروهنجيا وباقي الأقليات، يتمثل في تجريدهم من جنسياتهم سنة 1982.
“الأخطر من ذلك أن الراخين (البوذيين) القاطنين في إقليم آراكان يعتبرونهم مهدداً لوجودهم، وبنجاليين (مواطنو بنجلاديش) وغزاة يجب طردهم من البلاد، تضيف خلوقي.
وتكشف عن حديثها مع عدد من البوذيين خلال زيارتها إقليم آراكان سنة 2012، الذين حاولوا تبرير موقفهم وقتالهم للروهنجيا بالقول: إنهم “مسلمون إرهابيون”.
وتستطرد: الراخين لا يفرقون بين المسلمين والتنظيمات الأخرى، فهم يعتبرون الروهنجيا مسلمين كـ”تنظيم القاعدة”، وأن جميع المسلمين إرهابيون.
في المقابل، ترى خلوقي أن معاناة الروهنجيا وما أصابهم من تشريد 100 ألف شخص إلى بنجلاديش قسرياً صيف 2012، كان “نتيجة صمت متواطئ للمجتمع الدولي”.
وبنرة غاضبة تقول: حين ذهبنا إلى آراكان، التقينا العديد من الروهنجيا التائهين بين الغابات؛ لا يعرفون أين سيذهبون بعدما حُرقت قُراهم، ونجوا من مذابح رهيبة.. جميعهم كانوا مؤمنين أنهم تركوا ليواجهوا مصيرهم وحدهم.
ترجع خلوقي بالذاكرة وتقول: كنا ننتظر صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” (منظمة دولية حقوقية)، يتحدث عن مشاركة الجيش في تطهير عرقي ببورما سنة 2013، وصدرت فعلاً لكن دون أي قرار بالتدخل لإنقاذهم.
صمتٌ ومآسي لجوء
معاناة الروهنجيا، بحسب خلوقي، لم ترتبط فقط بالمجازر التي يتعرضون في آراكان، بل رافقتهم حتى بعد لجوئهم إلى الدول المجاورة لميانمار.
وتقول: نهاية صيف 2012 حين أقفلت بنجلاديش حدودها في وجه الآراكانيين، اضطروا للفرار إلى تايلاند، وهناك أصبحوا عرضة للسقوط في أيدي عصابات الاتجار بالبشر، التي تبيع النساء والأطفال وتجبرهم على ممارسة الجنس بالقوة.
أما بخصوص الصمت الدولي طوال السنوات الماضية، فترى خلوقي أن بعض الدول ربما كانت تنظر بعين الرضا إلى الانفتاح الاقتصادي و”الانتقال الديمقراطي” في ميانمار، خاصة بعد انتخاب المعارِضة، أونغ سان سوكي ، نائبة ومسؤولة مدنية بالسلطة.
لكن على الرغم من وصولها قيادة السلطة المدنية (بعد حكم عسكري) في ميانمار، لم تشجب سوكي أو تستنكر ما يتعرض له الروهنجيا من اضطهاد؛ بل على العكس من ذلك أنكرت وقللت من أهمية ما يحدث، هكذا تقول خلوقي.
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الأربعاء، أن عدد لاجئي آراكان إلى بنجلاديش هربًا من أعمال العنف التي اندلعت بميانمار، قارب 400 ألف شخص؛ بينهم 220 ألف طفل دون 18سنة.
ومنذ 25 أغسطس الماضي، يرتكب جيش ميانمار إبادة جماعية بحق المسلمين الروهنجيا في إقليم آراكان، أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، بحسب ناشطين آراكانيين.