نؤمن -نحن المسلمين-ـ بأن الله تعالى أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهناك صلّى إماماً بجميع الرسل الذين أرسلهم الله إلى أقوامهم منذ عهد آدم! ثم جاء البراق وصعد عليه الرسول الكريم وعُرج به إلى السماء، حيث فتح الله له المستقبل ورأى أحوال الناس في النار وغيرها، ووصل إلى سدرة المنتهى، حيث «رأى من آيات ربه الكبرى»، ثم عاد إلى بيته في مكة، كل ذلك تم في ليلة واحدة!
المسلم يؤمن بذلك، والكافر والملحد يريان هذه من المستحيلات، لأنهما لا يؤمنان بالغيبيات، وإنما يؤمنان بالمحسوسات والماديات، وهذا الفرق بين الإيمان والكفر! وللعلم، كل الديانات السماوية مؤسسة على الإيمان بالغيبيات مثل وجود الله ووجود البعث والحساب في اليوم الآخر، والجنة والنار.
اليوم.. نعيش زمن ردة، قد لا تصل إلى الإلحاد والكفر، لكنها تمهد لهما، زمن رفض الواجبات الشرعية والفرائض السماوية، وقد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اقتراب هذا الزمان عندما قال: «يأتي زمان يصبح المعروف فيه منكراً والمنكر معروفاً»! واليوم سمعنا ومازلنا نسمع من يؤيد ويبارك ظاهرة «الفاشينستات»، وفي نفس الوقت يستنكر ويرفض الدعاية للحجاب الشرعي والستر والدعوة إلى العفة! والأغرب أننا نجد بعض وسائل الإعلام تساهم في ركوب هذه الموجة الغريبة وتبارك إنكار المعروف وترسيخ المنكر، بل إن نائبة مجلس الأمة التي باركت وأيّدت ظاهرة «الفاشينستات» ها هي تستنكر وجود دعاية تدعو إلى لبس الحجاب وستر المرأة وتسميها ظاهرة غريبة! ضاربة عرض الحائط بكل معاني الحرية واحترام الرأي الآخر وخصوصيات الناس!
كل هذا متوقع في مثل هذه الأجواء، لكن ما لم نكن نتوقعه أن يستجيب وزير الأوقاف الشاب المجتهد والمؤهل والمتمكن إلى هذه الضغوط ويقرر وقف حملة «حجابي به تحلو حياتي»! ونتمنى ألا يكون ما وصل إلينا صحيحاً.
ما حدث بالأسبوع الماضي من حملة على الحجاب وقبله طرد لجماعة التبليغ من دخول المساجد وقبل كل ذلك حرب على موضوع خطبة الجمعة المتعلق بانتقاد ظاهرة السفور وما سيتبع ذلك من أحداث ستأتي مستقبلاً كل ذلك يؤكد ما ذهبنا إليه من أنها بداية للحرب الإعلامية والنفسية على الإسلام وظاهرة التدين ومظاهره، لتحقيق أهداف مخفية لا ننتبه لها نحن اليوم ولا ندركها، أهداف أكبر من أن نتخيلها، أهداف الماسونية العالمية التي تدعو إلى إلغاء تأثير الوازع الديني من النفوس، وبأيدي أبناء الإسلام مع الأسف الذين يركبون الموجة من دون أن ينتبهوا إلى ما يخطط لهم خصوم الأمة!
اليوم أصبح واضحاً أن الهدف مما يجري في الساحة العربية والإسلامية من شيطنة للجماعات الإسلامية المعتدلة ومن تقييد حرية وحركة الدعاة والمشايخ المعتدلين ومن تلفيق التهم الجاهزة والمعلبة للكفاءات والنشطاء وزجهم بالسجون، كل ذلك من أجل تحجيم دور الدين وتأثيره في النفوس، حتى تبدأ حملة الفساد والإفساد ولا تجد من يقف في وجهها، عند ذلك لا يجد خصوم الأمة معوّقاً في تحقيق أهدافهم الإستراتيجية، بعد أن تتحوّل دول العرب والمسلمين إلى كيانات ضعيفة لا تملك من أمرها شيئاً، ولا يشغلها إلا البحث عن وناستها، وكيف تضيع وقتها في التافه من الأمور، نتمنى أن ينتبه المفكرون وأصحاب الرأي إلى أن ما يجري ليس تحجيماً لخصومهم السياسيين من الإسلاميين بقدر ما هو ضياع لهوية الأمة واندثار لتاريخها المجيد، فهل من مدرك هذه الحقيقة؟!
* ينشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية