قسم النبي صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير بين المهاجرين وثلاثة فقط من الأنصار، هم: سهل بن حنيف، وأبو دجانة، والحارث بن الصمة، وقد يتعجب البعض كيف يكون ذلك، والأنصار آووا ونصروا، وضحوا بالغالي والنفيس حتى ذكرهم القرآن الكريم بخصالهم الحميدة إلى يوم الدين من حبهم للمهاجرين، وإيثارهم إيثاراً لم نجد له مثيلاً في السابقين واللاحقين؟!
ولكن المتدبر للواقعة اقتصادياً يجد قمة العدالة الاقتصادية في هذا التوزيع العادل الذي يسهم في تحقيق التوازن المجتمعي، فالمهاجرون حينما قدموا المدينة، قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: “اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا”.
فالنبي لم يوافق على منح الأنصار أصول أموالهم مشاركة لإخوانهم، واكتفى بأن يتشاركوا في ناتج تلك الأصول، بأن يعمل المهاجرون في بساتين إخوانهم الأنصار، وما فيها من نخيل وعنب ونحوه بسقيها والقيام عليها ومقابل ذلك يتشاركون في الثمر، وهو ما يعرف بالمغارسة.
وحينما جاءت أموال بني النضير قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: “إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم، وإن شئتم أعطيناها للمهاجرين دونكم، وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم”، فقالوا: بل تعطيهم دوننا، ونمسك ثمارنا، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجرين، فتحقق لكل طرف استقلاليته الاقتصادية، واستغنى عن غيره اقتصادياً، أما الثلاثة الذين تم التوزيع عليهم من الأنصار فقد شكوا حاجة.
وفي هذا الموقف الاقتصادي بيان لقيمة الإيثار الاقتصادي من الأنصار الذي قابله تعفف اقتصادي من المهاجرين، فضلاً عن بيان قيمة العدالة النبوية في مراعاة الحاجة وتحقيق التوازن والاستقلال الاقتصادي وما يحققه من استقرار مجتمعي.