مسلمو سريلانكا في مرمى الاستهداف مجدداً، فبدلاً من أن تتزين مساجدهم بالعبادة وصلاة التراويح خلال شهر رمضان، أصبحت ضحية التخريب والحرق من قبل عصابات بوذية متطرفة ومطامع وأجندات سياسية، حيث قتل مسلما على الأقل وتعرضت عشرات المساجد والممتلكات للتخريب هذا الأسبوع.
ماذا حدث؟
هذا الأسبوع، مجموعات متطرفة من البوذيين، اقتحمت نحو 30 قرية للمسلمين في محافظات “جروناجل – بوتالام”، فقتلوا مسلماً طعنا حتى الموت، واستهدفوا المساجد والمحلات التجارية للمسلمين بالتخريب والحرق، فتم تكسير محتويات وحرق أكثر من 10 مساجد، وخربوا مئات الممتلكات، فالآلاف من البوذيين المتعصبين يستقلون حافلات من مدن أخرى ويأتون للمشاركة في الاعتداء على المسلمين، بحسب شهود عيان مسلمين، والهجمات تتسع إلى مناطق أخرى.
ماذا فعلت الشرطة؟
يرى كثير من المسلمين أن السلطات لم تفعل ما يلزم لوقف هذه الاعتداءات، حتى –وفق مصادر في أوساط المسلمين تحفظت على الإشارة إليها خوفاً من إلحاق الضرر بها– أن الشرطة لم تستخدم أي من أدواتها لوقف اعتداءات على المسلمين، بل إنه في هذه الحالة يعتبر “حظر التجول الذي يمتد من الساعة 9 مساء حتى 4 صباحاً” الذي فرضته الشرطة الإثنين الماضي، يصب في صالح المتعصبين فهم لم يلتزموا بحظر التجول أو احترام حالة الطوارئ الموجودة، وبالتالي فالطريق كان مفتوحاً أمامهم للاعتداء على ممتلكات المسلمين العزل من أي شيء يدافعون به عن أنفسهم، والشرطة لم تتحرك لإيقافهم، فيما أعلنت الشرطة توقيف عدد من الأشخاص على خلفية استهداف المسلمين.
لماذا كل هذا العنف؟
يستغل بعض السياسيين والرهبان البوذيين المتطرفين إلى جانب عدد من وسائل الإعلام أي حادثة تمر بها البلاد في التحريض على الكراهية الدينية والعنف ضد المسلمين، بمزاعم ودعوات مزيفة، منها على سبيل المثال ما جرى الترويج له العام الماضي بأن المسلمين يستخدمون في مطاعمهم مادة تسبب “العقم” للبوذيين، وللأسف مثل هذه الدعوات العنصرية ينصاع لها الكثير من المغيبين، فنجد بين حين وآخر يتعرض المسلمون لأعمال عنف تستهدف مساجدهم ومنازلهم ومحالهم التجارية.
حركة “بودوبالاسينا”
“بودوبالاسينا” حركة بوذية متطرفة تعني “القوة الضاربة البوذية” وتعرف اختصاراً بـ”BBS”، ويشار إلى أن هذه الحركة تقف وراء العديد من أعمال العنف التي تستهدف المسلمين وتروج لشائعات عنهم لإثارة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين.
استغاثة عاجلة
وخوفاً من اتساع الاعتداءات ناشد مسلمو سريلانكا، ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي وبقية الدول العربية والإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بالسعي لوقف إراقة دماء المسلمين واستهداف ممتلكاتهم، بالتدخل لدى سلطات سريلانكا واستنكار هذه الاعتداءات من خلال سفراء هذه الدول للمطالبة باحترام حقوق المسلمين.
بالعودة إلى الوراء
في 21 إبريل الماضي، شهدت سريلانكا عدداً من التفجيرات الإرهابية استهدفت كنائس وفنادق في العاصمة كولمبو أثناء احتفالات المسيحيين بعيد الفصح، وأسفرت عن مقتل وإصابة المئات، تم لاحقاً توجيه الاتهام لجماعة التوحيد الوطنية المقربة من “داعش”، كما أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن هذه الهجمات الإرهابية.
متهم رغم الإدانة
يقول أحد قيادات مؤسسة إسلامية في سريلانكا” لـ”المجتمع”: منذ سنوات حذر المسلمون، السلطات المحلية من ظهور عناصر متطرفة على صلة بتنظيم الدولة، وقدموا قائمة بأسماء المتهمين والأدلة على أفكارهم وتوجهاتهم المتطرفة التي لا تمثل الدين الإسلامي بشيء.
وحتى بمجرد وقوع الهجمات الإرهابية التي استهدفت احتفالات المسيحيين بعيد الفصح، سارعت كل المؤسسات المسلمة بإدانة هذه الهجمات مثل “جمعية علماء المسلمين”، و”مجلس الشورى الوطني”، و”المجلس الإسلامي”، و”مؤسسة السلامة”، وأصدرت جميعها بيانات رسمية تندد بهذه الهجمات، وتؤكد التضامن والمساندة التامة من قبل المسلمين للمسيحيين، وشكلت وفدا التقى رئيس أساقفة العاصمة كولمبو الكاردينال مالكولم رانجيث، الذي بدوره أدان مؤخراً الاعتداءات التي استهدفت المسلمين في عدد من المناطق، ودعا جميع مكونات المجتمع إلى نبذ العنف وإعلاء قيمة التعايش المشترك، واعتبر أن استهداف المسلمين مؤخراً يتم لصالح أجندات سياسية.
كما أن وزير شؤون المسلمين سبق وأن دعا المسلمين إلى عدم إقامة صلاة الجمعة في المساجد عقب تفجيرات عيد الفصح حرصاً على الأمن ومراعاة لمشاعر المسلمين.
ورغم موقف المسلمين هذا الرافض تماماً للهجمات الإرهابية، فإنه منذ توجيه الاتهام لجماعة التوحيد الوطنية بقيادة زهران هاشم وتشن الشرطة عمليات تفتيش واسعة لمنازل المسلمين، واعتقالات عشوائية في صفوف المسلمين لمجرد الاشتباه حتى أن العثور على “سكين” في منزل المسلم يعد في نظر الشرطة –وفق شهادات مسلمين- موضع اتهام يساق صاحبه إلى الاعتقال،
صناعة الكراهية
قالت مصادر محلية لـ”المجتمع”: إن المشكلة الكبيرة أمام المسلمين في الإعلام المحلي الذي يحرف الأخبار، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي تتناقل العصابات الأخبار المزيفة من خلالها لنشر كراهية المسلمين، وبالتالي استهداف أرواحهم ومساجدهم وممتلكاتهم، والعمل على إضعافهم.
ولهذا كثيرا اً تلجأ سريلانكا إلى الحجب المؤقت لوسائل التواصل الاجتماعي، لمنع ترويج وإثارة دعوات العنف، ونقلت مؤخرا وكالة “رويترز” عن المدير العام لإدارة الإعلام الحكومية نالاكا كالويوا، أنه “جرى حجب وسائل التواصل الاجتماعي مجدداً كإجراء مؤقت لحفظ السلم في سريلانكا”.
وسبق أن استخدم المتطرفون البوذيون في سريلانكا موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” خلال فبراير ومارس 2018، في شن أعمال عنف واسعة ضد المسلمين في عدد من المدن شمال ووسط البلاد، مثل مدينتي “أمبارا” و”كاندي” والتي خلفت آنذاك حالة وفاة في صفوف المسلمين وإصابات متنوعة، و176 منزلاً ما بين حرق وتدمير جزئي، و26 مسجداً ما بين حرق وتحطيم نوافذ وأبواب، وأكثر من 160 محلاً تجارياً، وتحطيم 56 سيارة مملوكة لمسلمين.
المسلمون في سريلانكا
جزيرة سريلانكا تتكون من أغلبية سنهالية “بوذيين الديانة” يمثلون نحو 70% من السكان، إضافة إلى التاميل (هندوس الديانة” نحو 12%، وتعد اللغات “السنهالية والتاميلية والإنجليزية” لغات رسمية، إلى جانب المسيحيين حوالي 8%، والمسلمين 10%، وهم ينقسمون إلى 3 أعراق (مور، ملايو، هنود) ومنهم من أصول عربية من اليمن وأيضا من ماليزيا والهند قبل التقسيم، ويجاوز عددهم مليوني مسلم من إجمالي عدد السكان 22 مليون نسمة، يتركز حوالي 30% من المسلمين في الشرق، ويتوزع الثلثان الآخران في جميع أنحاء البلاد ومحافظاتها الـ25 محافظة ولديهم نحو ألفي مسجد.