يترقب السودانيون جلسة مفاوضات جديدة، اليوم الثلاثاء، بين كل من المجلس العسكري الانتقالي الحاكم و”قوى إعلان الحرية والتغيير”، قائدة الاحتجاجات الشعبية.
كان مقررًا أن يصادق الطرفان، السبت، على مسودة اتفاق بشأن إدارة المرحلة الانتقالية، برعاية الوساطة المشتركة من الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا.
لكن قوى التغيير أعلنت تحفظها على نقاط في مسودة الاتفاق وصفتها بـ”الجوهرية”، وطلبت تأجيل الجلسة إلى الأحد، ثم الثلاثاء، لمزيد من التشاور بين مكونات قوى التغيير، التي تطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين.
ويتولى المجلس العسكري الحكم منذ أن عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل الماضي، عمر البشير من الرئاسة (1989 – 2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية، بدأت أواخر العام الماضي، تنديدًا بتردي الأوضاع الاقتصادية.
تسريب المسودة
لم تُطلع قوى التغيير السودانيين على مسودة وثيقة الاتفاق، لكن تم تسريب نسخة تفيد العلامة المائية، التي وضعتها الوساطة عليها، بأنها تخص “تحالف قوى الإجماع الوطني”، أحد مكونات قوى التغيير.
وأثار محتوى المسودة غضبًا شعبيًا، ودفع سودانيين إلى المطالبة، خلال احتجاجات في عدة مدن الأحد، بالتصعيد حتى إسقاط المجلس العسكري.
يبلغ عدد التنظيمات السياسية والمدنية الموقعة على “إعلان الحرية والتغيير”، الإطار الجامع للحراك الشعبي، 84 تنظيمًا وكيانًا.
لكن المكونات التي تقود التفاوض، ولها حق التعديل في مسودة الاتفاق، هي تلك التي أسست للإعلان، وقادت الاحتجاجات الشعبية.
وتلك المكونات هي: “تجمع المهنيين السودانيين”، “التجمع الاتحادي المعارض”، “تحالف قوى الإجماع الوطني”، “تحالف نداء السودان” و”تجمع منظمات المجتمع المدني”.
أغراض التسريب
المتتبع لمسار التفاوض بين قوى التغيير والمجلس العسكري يلاحظ جنوح بعض مكونات قوى التغيير إلى التصعيد والضغط على المجلس.
بينما تتخذ مكونات أخرى مواقف سياسية تتماشى مع التغيرات في مواقف الطرف الآخر، وهو المجلس العسكري.
ولم يكن التداول الإعلامي للمسودة المسربة من باب الصدفة، فتسريبها كان لأغراض سياسية تخدم رؤية الأطراف الجانحة إلى التصعيد والضغط على المجلس العسكري، عبر احتجاجات شعبية تطالب بإسقاطه.
ويتضح ذلك من خلال تطرق المعالجة الإعلامية للوثيقة إلى نقاط محددة، ودعمها ببيانات صادرة عن “الحزب الشيوعي”، أحد أبرز مكونات “تحالف قوى الإجماع الوطني”، الذي تعود إليه الوثيقة المسربة.
ومنذ تسريب الوثيقة تم التعامل معها وكأنها النسخة التي ستوقع عليها قوى التغيير، بينما هي نسخة أولية قابلة للتنقيح والتعديل.
وركز النقد الموجه إلى الوثيقة على جانب واحد فقط، وهو الحصانات القانونية، التي سيتمتع بها أعضاء مجلس السيادة، وهو أحد أجهزة السلطة في المرحلة الانتقالية، ويتألف من خمسة عسكريين وستة مدنيين.
ويقول المنتقدون: إن الحصانات ستوفر حماية لشخصيات عسكرية يتهمها الشارع بارتكاب انتهاكات وعمليات قتل خلال الاحتجاجات.
أعلن الحزب الشيوعي، في بيان، الجمعة، رفضه مشاركة الأعضاء الحاليين للمجلس العسكري في أي مستوى من مستويات الحكم خلال الفترة الانتقالية.
وعلل رفضه بـأنهم “يتحملون كامل المسؤولية عما حدث من مجازر وجرائم ضد الإنسانية، وخاصة فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، في 3 يونيو الماضي (حيث سقط عشرات القتلى)”.
إغفال نقاط مهمة
بالمقابل، تجاهلت الحملة الإعلامية الرافضة لمسودة الاتفاق إسقاط المسودة نقاطًا مهمة كانت قوى التغيير كسبتها في مفاوضاتها مع العسكريين، قبل فض الاعتصام.
من تلك النقاط: أحقية قوى التغيير في تعيين رئيس الوزراء، وتسمية أعضاء حكومته، وشغل 67% من مقاعد المجلس التشريعي خلال مرحلة انتقالية تقود إلى انتخابات.
ولا يعتبر إغفال لجنة صياغة المسودة لهاتين النقطتين خصمًا من مكتسبات قوى التغيير فحسب، بل أيضًا مخالفة لقرار اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي، في 6 يونيو الماضي، الذي نص على عودة الطرفين إلى المفاوضات، بناءً على الاتفاقات المسبقة.
واعتبر “تحالف قوى الإجماع الوطني”، في بيان الأحد، أن “وثيقة الاتفاق والإعلان الدستوري لا تتناسب مع التأسيس لسلطة مدنية انتقالية حقيقية، وتجهض فكرة مشروع قوى إعلان الحرية والتغيير لإدارة المرحلة الانتقالية”.
خيارات عديدة
في ظل الملابسات الراهنة، فإن جولة تفاوض الثلاثاء مفتوحة أمام خيارات متعددة.
وتتراوح الخيارات بين التوافق حول المسودة، وطرحها للمصادقة النهائية، أو العودة إلى مربع التفاوض الأول، لتثبيت أحقية قوى التغيير في صياغة هياكل الحكم، خلال الفترة الانتقالية، وتسمية المرشحين للمناصب التنفيذية، وتعيين رئيس الوزراء، وشغل 67% من مقاعد البرلمان.
وتعد الوثيقة المسربة أقرب إلى وضع نظام رئاسي للحكم، عبر مشاركة مجلس السيادة السلطة التنفيذية في مهام عديدة، وتعيين السلطة القضائية والنائب العام، بينما تطالب قوى التغيير بنظام برلماني.
وثمة مخاوف من أن ترفع قوى التغيير سقف مطالبها، بما يتجاوز الاتفاقات السابقة، ما قد يدفع العسكريين إلى رفضها، ما يعني انهيار المفاوضات.
وأعرب المجلس العسكري مرارًا عن اعتزامه تسليم السلطة إلى المدنيين، لكن لدى قوى التغيير مخاوف متصاعدة من احتمال التفاف الجيش على مطالب الحراك الشعبي للاحتفاظ بالسلطة، كما حدث في دول عربية أخرى.