بات وباء “كوفيد 19″، لا “أوبك+” وقرارات الخفض القياسي، هو الذي يحدد توجهات الطلب العالمي وأسعار النفط. إذ على الرغم من الخفض التاريخي الذي أقرّته منظمة أوبك وحلفاؤها نهاية الأسبوع، واصلت أسعار النفط تراجعها الكبير، حيث تراجعت أسعار النفط في التعاملات الصباحية بلندن إلى أدنى مستوى لها في 18 عاماً، إلى تحت 20 دولاراً بالنسبة إلى خام القياس الأميركي، غربيّ تكساس، وإلى أقل من 29 دولاراً لخام برنت.
وقالت تقارير أميركية، إن الشركات الأميركية تسابق الزمن لبيع انتاجها من النفط في السوق الأجلة وأن بعض الشركات باعت عقودها بنصف الثمن خوفاً من عدم وجود خزانات لنفطها بعد نهاية الشهر الجاري.
في هذا الشأن، قال الرئيس التنفيذي لشركة “بايونير ناتشرال ريسورسس” للنفط الصخري، سكوت شيفيلد: “نحن بحاجة إلى سعر 30 دولاراً لخام غرب تكساس لإنقاذ الصناعة النفطية”. وأضاف في تعليقات نقلتها قناة “بلومبيرغ”، أن العديد من الشركات تبيع صفقات نفطها المستقبلية بنصف الثمن، لأنها لن تجد خزانات بعد نهاية الشهر الجاري. وكانت شركات مكسيكية قد عرضت خام بأقل من 10 دولارات في السوق الأميركي في بداية الشهر الجاري.
وبعد فشل جهود الرئيس ترامب في إنقاذ صناعة النفط الأميركية عبر الضغط على روسيا والسعودية وتخفيض الانتاج، تسعى الحكومة الأميركية لتوفير خزانات لانتاج الشركات الأميركية من الخامات. وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، يوم الثلاثاء، إن وزارة الطاقة تتفاوض مع 9 شركات نفط أميركية على منحها سعة تخزين 23 مليون برميل في خزاناتها الاستراتيجية للخامات النفطية. لكن هذه الكميات قليلة جداً مقارنةً بحجم الإنتاج الأميركي المقدَّر بأكثر من 12 مليون برميل يومياً.
وكانت الإدارة الأميركية قد عرضت الشهر الماضي خطة لإنقاذ صناعة النفط عبر شراء 77 مليون برميل من إنتاج الشركات، لكن الخطة لم تحظَ بالموافقة على التمويل ضمن حزمة الإنقاذ الأخيرة التي أقرها الكونغرس بـ 2.2 ترليون دولار.
وحسب رويترز، توقعت وكالة الطاقة الدولية الأربعاء، أن ينخفض الطلب العالمي على النفط بمقدار 29 مليون برميل يومياً على أساس سنوي في إبريل/ نيسان الجاري ليسجل مستويات لم يشهدها منذ 25 عاماً، وحذرت من أي خفض للإنتاج من جانب منتجين لن يعوّض بالكامل خسائر الطلب في السوق في الأجل القريب. وتوقعت الوكالة في تقريرها، أن ينخفض الطلب على النفط في 2020 بمعدل 9.3 ملايين برميل يومياً، رغم ما وصفته ببداية قوية من جانب المنتجين عقب اتفاق قياسي لخفض الإمدادات استجابة لفيروس كورونا.
وذكرت في تقريرها الشهري أنه “ما من اتفاق مجدٍ يمكن أن يخفض الإمدادات على نحو كافٍ لتعويض مثل هذه الخسارة للطلب على المدى القصير، ولكن إنجازات الأسبوع الماضي بداية قوية”. وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، إن الشهر الجاري قد يكون أسوأ شهر على الإطلاق تشهده صناعة النفط. وحذرت الوكالة في تقريرها من أن الدول المنتجة للنفط قد تكون دون طاقة تخزين لإنتاجها النفطي بحلول يونيو/ حزيران المقبل.
ويرى محللون أن الخزانات التجارية والحاويات النفطية العائمة في البحار وأنابيب النفط قد تكون مليئة تماماً بالخامات النفطية خلال الشهور المقبلة، وستجد الدول المنتجة صعوبة في مواصلة ضخ النفط. وبالتالي، فالمسألة بالنسبة إلى توجهات الطلب النفطي العالمي خلال العام الجاري ستتوقف على السيطرة على فيروس “كوفيد 19” وإنهاء حالة إغلاق الاقتصادات الكبرى المستهلكة للنفط أكثر من قضية خفض الإنتاج.
وتسعى دول نفطية كبرى إلى التعامل مع أزمة الطلب التي خلقها الوباء عبر منح المصافي فترة إعفاء من التسديد حتى تتمكن من تصريف إنتاجها. في هذا الشأن، قالت مصادر لرويترز، الأربعاء، إن أرامكو السعودية عرضت على مصافٍ في آسيا وأوروبا خيار تأجيل مدفوعات مقابل تسليم شحنات خام لمدة تصل إلى 90 يوماً، في الوقت الذي تعاني فيه المصافي مع انكماش الطلب.
وقالت المصادر إن شروط الائتمان الجديدة لأرامكو، التي عُرضت عبر بنوك سعودية لم تسمِّها في الأسابيع الأخيرة، تعتبر أيضاً ضمن الجهود الحالية للمملكة لزيادة حصتها في السوق. وقال مصدر من مصفاة في آسيا إن أرامكو “تطلب منا تعديل الاتفاق الحالي ليتضمن كمبيالة تسمح لنا بصفة أساسية بفرصة السداد من طريق بنك خلال 90 يوماً”.
وواصلت أرامكو منح تنزيلات في خاماتها لآسيا ضمن خطة إغراء الشركات الآسيوية بشراء نفطها. لكن يرى محللون أن الشركات الآسيوية وتجار النفط قد ينتظرون إلى نهاية الشهر الجاري لمعرفة مستويات هبوط الطلب العالمي، وبالتالي مستويات تدهور الأسعار.