– حمل فكرًا مسالمًا إصلاحيًّا نهضويًّا تربويًّا
– نموذج فريد في الصبر والتواضع والاحتساب أمام كل هذه المحن والفتن
– سبق إلى الله بالقرآن حفظاً وتلاوة وتخلقاً فكان نموذجاً فريداً بخُلُقه وسط الدعاة والساسة والمثقفين
عصام العريان الذي تتزاحم الحروف حين كتابة اسمه، ويتلعثم اللسان حينما ترى وجهه، علَمٌ من أعلام الفكر والمعرفة، ورجل قلَّما تجد مثله في زمن قلَّ فيه الرجال، فأحبه كل من تعامل معه ومن سمع عنه أو تابع أخباره.
رحل عصام العريان -بعد سبع سنوات من الظلم- الذي كان يحمل فكرًا مسالمًا إصلاحيًّا نهضويًّا تربويًّا، هو حقٌّ من حقوق البشر التي لا يختلف عليها عاقلان، لكنه بسبب هذا الفكر الذي يحمله بين خلايا ذاكرته وهَمِّ نشرِه المكنون بين خلجات قلبه وصدره أصبح المعتقل هو بيته الثاني الذي يذهب إليه رَغمًا عن إرادته ما بين الحين والحين، ومع ذلك فهو الصابر المحتسب.
رحلة رجل
عصام الدين محمد حسين محمد حسين العريان هذا هو اسمه، ولد في 28/ 4/ 1954م بقرية ناهيا مركز إمبابة بمحافظة الجيزة بمصر، وتخرج في كلية الطب جامعة القاهرة عام 1977م، حيث لم يكتف بذلك حيث دخل حلبة التنافس في العلم فحصل على ليسانس التاريخ عام 2000، وفي عام 1986 حصل على ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكية، وفي عام 1992 حصل على ليسانس الحقوق من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، كما حصل عام 1999 على الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر ثم إجازة التجويد في العام التالي.
كان العريان شعلة من النشاط وسط الناس، فكان أحد مؤسسي العمل الإسلامي بالجامعات في سبعينيات القرن العشرين، ثم كان عضواً بمجلس نقابة الأطباء منذ عام 1986م، ثم اختير أميناً مساعداً لها، ثم أصبح أصغر برلماني يدخل للبرلمان المصري عام 1987م وعمره 32 عاماً، ولنشاطه الدؤوب وصلته بالشباب والشيوخ أصبح أحد القيادات المحورية داخل جماعة الإخوان المسلمين حتى صار عضواً في مكتب الإرشاد عام 2010م قبل أن يُختار نائباً لحزب الحرية والعدالة بعد تأسيسه بعد ثورة يناير.
كان لنشاط العريان أن سلطت عليه أضواء السلطات، فكان نزيل السجون حتى قضى ما يزيد على 14 عاماً من عمره داخل أقبية المعتقلات منذ عام 1980م حتى وفاته في 13 أغسطس 2020م.
مواقف الرجال
كتب الله سبحانه على عباده البلاء ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فمنهم من يصدق ومنهم من يفتتن، وعصام العريان كان واحداً من الذين تعرضوا لمواقف كثيرة في مسيرة حياته، سواء من ظلم وجور على حقه، أو أضواء سلطت عليه وشهرة، أو تعذيب واعتقالات، إلا أنه كان نموذجاً فريداً في الصبر والتواضع والاحتساب أمام كل هذه المحن والفتن.
ومن المواقف التي علمها القاصي والداني موقفه الرائع الذي ستظل الأجيال تتكلم عنه حينما تعرض لفتنة التصعيد في مكتب الإرشاد عام 2009م بعد وفاة الأستاذ محمد هلال، حيث كان الحق للعريان في التصعيد وفق لوائح الجماعة، غير أن اللغط كثر في هذا الأمر، والتقفت السلطات هذه الفتنة وأوعزت لإعلامها بمحاولة ضرب الصف الإخواني بإشعال الحقد والكره بين الأطراف، وأخذت بعض الصحف تبكي على مظلومية العريان التي يتعرض لها، وأخرى فتحت أبوابها لكل طاعن في العريان وجماعته، والكل في انتظار أن يصرح العريان بتصريح يقذف بكرة اللهب على جماعته وقيادتها، غير أنه سطر بسطور من نور موقف الرجل الزاهد في المناصب الحريص على لحمة الصف، المترجم للقرآن في مواقفه، القدوة فيما نادى به منذ أن كان طالباً في الجامعة، ومرت الفتنة ونجح صاحبها أن يحفر اسمه بمداد من حب في قلوب الشيوخ والشباب الذين أكبروا حنكة تعامله مع الموقف والعمل في نيل رضا الله بحسن أخلاقه كسياسي وكداعية وكمثقف.
ثم يكتمل المشهد حينما ينتهي بهذه الابتسامة التي ظل ترتسم على وجه العريان في أحلك المواقف التي أكد أن تأثير القرآن الكريم عليه عظيم، وأنه لم يحفظه في عقله فحسب، لكن ترجمه عملياً في مواقف خلدت سيرته.
هذه الابتسامة التي صحبته في انتخابات رئيس حزب الحرية والعدالة –بعدما استقال د. محمد مرسي من رئاسته– وشهدت الانتخابات تنافساً على رئاسته بين د. العريان، ود. سعد الكتاتني، ورغم ما قيل فيها، حتى خرج منها د. العريان خسران المنصب، لكنه كسب بموقفه السمح والراضي بالنتيجة، بل والمؤكد وقوفه ودعمه لرئيس الحزب الجديد، كانت أفضل رسالة تلقفها الشباب أن السياسة أخلاق وليست صراعاً.
لقد كان عصام العريان –كما يصفه أحد رفقائه في الجامعة- له سبق العلم والعمل والدعوة والجهاد في سبيل الله، كما سبق إلى الله بالقرآن حفظاً وتلاوة وتخلقاً وحالاً مع الله، فكان نموذجاً فريداً وسط الدعاة، وكان متفرداً بخلقه وسط الساسة والمثقفين.