يلف الغموض مسألة إدخال اللقاحات المضادة لفيروس كورونا إلى قطاع غزة، وخصوصًا في ظل تعالي الأصوات “الإسرائيلية” المطالبة بمساومة حركة “حماس” على الإفراج عن 4 “إسرائيليين”.
فرغم أن “إسرائيل” لم تعلن صراحة موقفها من دخول اللقاح إلى القطاع، فإنها منعت، أمس الإثنين، إدخال شحنة أرسلتها وزارة الصحة في الضفة الغربية إلى قطاع غزة.
وأشارت وزارة الصحة، في بيان صحفي، إلى أنها نقلت 2000 جرعة من لقاح “سبوتنيك V” الروسي إلى غزة، كانت مخصصة للطواقم الطبية، إلا أن سلطات الاحتلال منعت إدخالها.
وشهدت لجنة الأمن والخارجية في الكنيست (البرلمان)، الإثنين، سجالاً واسعاً حول نقل اللقاح إلى غزة؛ وعارض رئيس اللجنة تسفي هاوزر، والنائبة ميخال كوتلر وينش (من حزب أزرق- أبيض) الاستجابة للطلب الفلسطيني، بدعوى أن اللقاحات ستصل إلى قادة حركة “حماس” وليس الطاقم الطبي.
الاحتلال منع إدخال شحنة لقاحات للطواقم الطبية في قطاع غزة
كذلك، تعالت في “إسرائيل” الأصوات المطالبة بمساومة قطاع غزة على تلقي اللقاح، مقابل إفراج حركة “حماس” عن 4 “إسرائيليين” تحتجزهم في القطاع.
وكان يوعاز هيندل، وزير الاتصالات السابق، قد طالب بعدم إدخال لقاح كورونا إلى غزة، بعد انطلاق عملية التطعيم في الضفة الغربية.
وقال في تغريدة على “تويتر”، في الرابع من فبراير الجاري: “لا ألف ولا عشرة آلاف (يقصد كمية اللقاحات المنوي نقلها)، طالما لا توجد بادرة إنسانية من جانب “حماس” لإعادة الأسرى والقتلى.. اللقاحات ليست غذاء وماء”.
وتحتجز “كتائب القسام” (الجناح المسلح لحركة “حماس”) أربعة “إسرائيليين”، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014، في حين دخل الاثنان الآخران غزة في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية.
من جانبه، كشف موقع “واللا” العبري أن المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية في “إسرائيل”)، تنظر هذه الأيام في التماس مقدم من أسرة الجندي هدار غولدين (أحد الجنود المختطفين بالقطاع الذي لا يزال مصيره غامضاً)، تطالب فيه بعدم الموافقة على نقل اللقاح إلى غزة، حتى عودة جثث الجنود والمفقودين المحتجزين.
لكن الموقع يرى أنه من المتوقع أن يصادق رئيس الأركان أفيف كوخافي، ووزير الدفاع بيني غانتس على الطلب الفلسطيني بنقل اللقاحات إلى غزة خلال الأيام المقبلة.
وفي الوقت الذي تعرقل فيه “إسرائيل” وصول اللقاح إلى قطاع غزة، فإنها تتقدم دول العالم في تطعيم مواطنيها، حيث وصل عدد متلقي اللقاح، حتى أمس الإثنين، 3 ملايين و907 آلاف، بينهم ما يزيد على مليونين ونصف مليون، تلقوا الجرعة الثانية من اللقاح، بحسب “هيئة البث” الرسمية.
ويعاني القطاع الصحي بغزة، وفق منظمات حقوقية، من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية جراء الحصار المفروض منذ 15 عاماً، ما يقوّض فرص مواجهة خطر تفشّي الفيروس بشكل أكبر.
دعوات في “إسرائيل” للمطالبة بمساومة “حماس” على إدخال اللقاح مقابل الإفراج عن 4 “إسرائيليين”
ومن المرجّح أن تصل كمية من اللقاحات إلى أراضي السلطة الفلسطينية (قطاع غزة والضفة الغربية) في فبراير الجاري، ضمن برنامج “كوفاكس”، بحسب عبد الناصر صبح، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية بغزة.
و”كوفاكس” برنامج يعمل في إطار منظمة الصحة العالمية، لتطعيم السكان في البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل التي لا تمتلك القدرة على توقيع اتفاقيات ثنائية للشراء المسبق للقاح.
وقال صبح، في حديث خاص لوكالة “الأناضول”: إن دولة فلسطين مشتركة في برنامج كوفاكس، الذي بدوره سيوفر نحو 20% من حاجة الدول التي لا تستطيع شراء اللقاح أو الحصول عليه.
وبحسب تصريح سابق لوزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، فإن فلسطين تنتظر وصول 37 ألف جرعة من لقاح كورونا، ضمن مبادرة “كوفاكس”.
ورقة ضغط
ويقول تيسير محيسن، المحلل السياسي الفلسطيني: إن ملف كورونا تحوّل إلى ورقة سياسية في يد “إسرائيل”، تحاول من خلالها الضغط على حركة “حماس”، التي تدير غزة، للحصول على تنازلات أو تراجعات في بعض الملفات.
وأفاد في حديثه لـ”الأناضول” أن “إسرائيل” ترغب في إجبار حركة “حماس” على دفع ثمن، مقابل حصولها على امتيازات، مشيراً إلى أن من بين تلك الملفات ملف الجنود “الإسرائيليين” الأسرى لدى الحركة.
وشكك محيسن في إمكانية خفض “حماس” لسقف مطالبها في أي من الملفات مقابل إدخال اللقاح.
وأضاف أنه في حال صدر قرار سياسي “إسرائيلي” رسمي ونهائي، لرفض إدخال اللقاح إلى غزة، وفشلت المساعي الدبلوماسية والسياسية للدول الوسيطة بين الحركة و”إسرائيل” بإدخاله، قد يتسبب ذلك باندلاع تصعيد.
مدير “الصحة” العالمية بغزة: من المرجح أن تصل كمية إلى أراضي الفلسطينية في فبراير الجاري
ويتابع الجيش الصهيوني الحالة الوبائية في القطاع، خشية أن يؤدي تفشي الوباء ووقوف “تل أبيب” أمام نقل اللقاح إلى تصعيد أمني يشمل بما في ذلك إطلاق زخات من الصواريخ تجاه “إسرائيل”، وفق ما نقله موقع “واللا” عن مسؤولين عسكريين لم يسمهم.
وسبق أن طالب كريم جبران، المتحدث باسم منظمة “بتسيلم” الحقوقية “الإسرائيلية”، في حوار مع “الأناضول”، “إسرائيل” بعدم استخدام لقاح كورونا كأداة ابتزاز سياسي ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة لتحقيق أهداف سياسية.
تخوفات وآمال
الفلسطيني وضّاح الوحيدي (69 عاماً)، أعرب عن تخوفه من تأخر دخول اللقاح إلى غزة، لفترة تمتد إلى أشهر أخرى، الأمر الذي قد يؤدي، وفق قوله، إلى تفشٍّ أكبر للفيروس.
وقال، في حديثه لـ”الأناضول”: المرض فتّاك وإمكانياتنا في قطاع غزة ضعيفة، لا تمكّننا من شراء هذا اللقاح.
وتابع: لا يُخفى على أحد أن الحصار ممتد للعام الـ15 على التوالي، فيما تَسبّب كورونا منذ نحو عام ونصف عام، في شلل الحياة كما فعل بالدول المتقدمة.
وطالب المؤسسات الحقوقية الدولية بـ”العمل على توفير اللقاح لسكان غزة”، مبديًا قلقه من حدوث تداعيات صحية سلبية جرّاء حالة التأخر.
من جانبه، قال كمال فلفل (54 عاماً)، وهو بائع متجوّل: إن تأخر دخول اللقاح إلى غزة يعد مؤشراً على أن “القطاع يقبع تحت وطأة الحصار السياسي والاقتصادي والمعنوي والصحي”.
محلل سياسي: “إسرائيل” تستعمل اللقاح ورقة ضغط لنزع تنازلات من “حماس”
وأعرب عن قلقه من تأخر دخول اللقاح، والعواقب السلبية لذلك على الصحة العامة، خاصة لكبار السن والمصابين بالفيروس.
وقال: إن استمرار الجائحة، وغياب مناعة السكان، يعني مواصلة إجراءات الإغلاق، التي تؤثر سلباً على القطاع الاقتصادي، وقطاع العمل بغزة.
بدوره، قلل هاشم منصور (48 عاماً)، الصيدلاني والمحاضر في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، من حدة التخوفات إزاء تأخر دخول اللقاح إلى غزة.
وأضاف أن الدول المتقدمة ذات القوة الشرائية المرتفعة أدخلت اللقاح منذ شهر أو شهرين.
وذكر أن التخوفات قد تبدأ في حال تأخر دخول اللقاح عن شهر فبراير، وترافق مع ظهور سلالة جديدة من الفيروس بغزة.
وبيّن أن اللقاح من شأنه أن يخفف من انتشار الفيروس، ويقلل من أعداد الوفيات، كما أنه يساعد في عودة الحياة للقطاعات التي أوقفتها إجراءات مكافحة كورونا.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، زاد عدد الإصابات بفيروس كورونا في غزة، منذ مارس الماضي عن 53 ألف إصابة، بينهم 537 حالة وفاة.