أثار قرار رئيس الحكومة هشام مشيشي إعفاء 5 وزراء ممن يصنفون بوزراء الرئيس (كمرحلة أولى يليها إعفاء 6 وزراء آخرين) ردود فعل من داخل الحزام السياسي لحكومته ومن المعارضة، وذلك بعد تعطّل إجراءات التحوير الوزاري الذي نال بمقتضاه الوزراء الجدد ثقة مجلس نواب الشعب، في 26 يناير الماضي.
وقد تم في الخطوة الأولى، الإثنين 15 فبراير، إعفاء كل من وزير العدل محمّد بوستّة، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغيّر، ووزير الشباب والرياضة كمال دقيش، ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، ووزيرة الفلاحة والموارد المائية عاقصة البحري (قامت من قبل بإخراج محسوبين على حركة النهضة من الوزارة)، إعفاؤهم من مهامهم وتكليف وزراء آخرين بتسيير الوزارات المذكورة، وهم: حسناء بن سليما بوزارة العدل، ومحمد سعيد في وزارة الصناعة والمناجم، وأحمد عظّوم بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، ومحمد الفاضل كريّم بوزارة الفلاحة والصيد البحري، وسهام العيادي بوزارة الشباب والرياضة والإدماج المهني.
الغنوشي: الجهة المؤهَّلة لتأويل الدستور المحكمة الدستورية
حل مؤقت
وفي أول تعليق له على إعفاء الوزراء المذكورين، قال رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، أمس الإثنين، للصحفيين بفناء البرلمان: نأمل ألا يتواصل التعطيل في موضوع التحوير الوزاري ونحن في المجلس (البرلمان) نعالج سبباً ليس مباشراً لهذا التعطل.
وبيّن أن ذلك يعني العمل على تركيز المحكمة الدستورية أي جزء من الخلاف يمثل وجود أكثر من تأويل للدستور، في حين أن الجهة المؤهَّلة لتأويله هي المحكمة الدستورية، ونحن نعمل على حل هذا المشكل بتركيز المحكمة.
وحول إعفاء المشيشي 5 وزراء، ذكر الغنوشي أنه حل مؤقت وليس دائماً، والحل في بناء المحكمة الدستورية، وإلى أن يتم ذلك يجب على كل الأطراف التعامل بمرونة حتى لا تتعطل الدولة ومصالح المجتمع.
البحيري: رئيس الحكومة مارس صلاحياته التي خولها له الدستور
وأشار الغنوشي إلى أن المشيشي حاول التوفيق بين النص الدستوري والمصلحة الوطنية؛ “هذا حل جزئي بالتوفيق بين رعاية الجانب الدستوري ورعاية المصلحة وهو (المشيشي) يتحرك في إطار الدستور ليس متجهاً إلى فرض إرادته”.
وشدّد رئيس مجلس نواب الشعب على أنّ غياب المحكمة الدستورية مثّل معضلة، ونحن عاملون على تسريح هذه العطالة، وهناك مساع لبناء المحكمة الدستورية التي هي مخولة لحلّ هذا الخلاف.
حق دستوري
بدوره، قال وزير العدل الأسبق النائب بالبرلمان نور الدين البحيري، لوكالة “تونس أفريقيا للأنباء”: إن رئيس الحكومة مارس صلاحياته التي خوَّلها له الدستور.
وأن ذلك يندرج في إطار حق رئيس الحكومة في إعفاء وتعيين الوزراء، لإنجاح عمل الحكومة.
ودعا البحيري إلى ضرورة أن تحترم جميع الأطراف مقتضيات الدستور، وإلى احترام مؤسسات الدولة، من أجل إنجاح المسار الديمقراطي الذي تعيشه البلاد.
نزع فتيل الأزمة
بن مسعود: احتكار الرئيس للتأويل فيه خطر لأنه سيفعل ذلك لفائدة توسيع صلاحياته
إلى ذلك، اعتبر رئيس الهيئة السياسية لحزب أمل أحمد نجيب الشابي أن رئيس الحكومة هشام المشيشي نزع فتيل الأزمة الحكومية، وقام بخطوة إلى الوراء، فأعفى عدداً من الوزراء وكلف بعض الوزراء بالنيابة لتولي وزارات أخرى، وهذا حل وقتي لأزمة لم نكن في حاجة إليها.
وتابع الشابي، في تصريح لـ”الإذاعة التونسية” الرسمية، أن هذه الخطوة قد تؤجج الأزمة؛ لأن رئيس الجمهورية قيس سيعد لن يبقى مكتوف الأيدي، وسيجد طريقة لرد الفعل؛ لأنّ المشيشي وجد طريقة لتجاوز العقبة التي وضعها سعيّد.
وأكد الشابي أن هذه الخطوة مهمة، والمحكمة الدستورية ضرورة، وحان الوقت لإرساء مؤسسة متفق عليها.
واعتبر أن الإشكال الحقيقي يتمثل في النظام السياسي الذي مكَّن السلطة التشريعية من استقلاليتها، وقسم السلطة التنفيذية إلى نصفين، وكأنه يشير إلى ما طالب به رئيس البرلمان راشد الغنوشي سابقاً وهو إقامة نظام برلماني كامل، على غرار النموذج الإيطالي.
نتيجة مشاورات
الشابي: الإشكال الحقيقي يتمثل في النظام السياسي
وكشف أستاذ القانون الدستوري كمال بن مسعود عن أن ما قام به رئيس الحكومة كان نتيجة مشاورات مع ثلة من أساتذة القانون الدستوري للاستنارة بآرائهم فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية في علاقة بالتحوير الوزاري، وهل له الحق في المعارضة أو أنه مجبور على قبول أداء اليمين.
وقال بن مسعود، في تصريح لإذاعة “شمس إف إم” الخاصة: إن هناك شبه إجماع على أن الحلول القانونية ستكون مبنية على تأويل، فالبعض اقترح على رئيس الحكومة المواصلة بالوزراء الحاليين وعدم الاعتماد على الوزراء الجدد، وذلك من خلال دمج بعض الوزارات.
وتابع: هناك إجماع على أن رأي المحكمة الإدارية (بعدم الاختصاص) وهيئة مراقبة دستورية القوانين غير ملزِم، ولا يجب الدخول في سياسة لي الذراع، وتم الاتفاق على أن الحل الأمثل هو الحوار بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لمحاولة فض الإشكال، على اعتبار أن الرجلين في السلطة التنفيذية، ويجب التشاور بينهما وتجنب العمل بمنطق القطيعة والصراع.
وأوضح بأن 99% من أساتذة القانون الدستوري في تونس أجمعوا على أن رئيس الجمهورية عليه واجب قبول أداء اليمين للوزراء، وأنه في حالة اختصاص مقيد.
وأكد أن المحكمة الدستورية بإمكانها النظر في هذا الملف، وهي الوحيدة المختصة في تأويل الدستور، وليس من حق الرئيس تأويل الدستور في غياب المحكمة كما يظن.
وأشار إلى أنه لا يمكن لأي شخص تأويل الدستور تأويلاً يحتد به على غيره، بل بإمكانه التأويل فقط عندما يمارس اختصاصه، فاحتكار الرئيس للتأويل فيه خطر على الدولة؛ لأنه سيفعل ذلك لفائدته؛ أي لفائدة توسيع صلاحياته.
وحذّر أستاذ القانون الدستوري من استقالة المشيشي؛ لأن استقالته تمهيد لعرف دستوري وهو أن رئيس الجمهورية بإمكانه معارضة التحوير الوزاري ومن لا يوافق على ذلك ينسحب، وكذلك لأن البلاد لا تحتمل فراغاً حكومياً.