لا شك أن الدول تنعم بالاستقرار عندما يكون هناك ضمان اجتماعي؛ لذا نرى كثيراً من الدول تضمِّن في دساتيرها الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وكلما كانت هذه المضامين مصانة يزيد الإنتاج وتكثر الإنجازات، وتبتعد الدول عن التوترات السياسية، وبكل تأكيد هذه المفاهيم والضمانات والحقوق هي أساس رقي المجتمعات وازدهارها.
وقد ضمن الدستور الكويتي في عدد من مواده هذه الحقوق، ففي المادة (8): «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين»، وفي المادة (10): «ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي»، وفي المادة (11): «تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية».
فهذه المواد وغيرها من القوانين التي تكفل حرية المواطن جعلت من الشعب الكويتي مجتمعاً متراصاً في وجه العواصف التي مرت به، وكان أشدها الغزو العراقي الغاشم الذي لم يجد كويتياً واحداً يضع يده بيده.
ولم تكتفِ القيادة بكفالة وحفظ هذه الضمانات للشعب، ولكن وعلى مدار تاريخه، لم تُهضم حقوق المواطن، بل وإن أخطأ المواطن أو حدث خلاف سياسي لا تمس هذه الحقوق، ويتخلق حُكام الكويت على مدى 350 عاماً بخلق كريم؛ ألا وهو «العفو»، ففي الأيام الوطنية يتكرم سمو الأمير بمكرمة العفو عن المسجونين في قضايا جنائية ما لم تمس حقوق أحد من المواطنين.
وخلق العفو متأصل في المجتمع الكويتي، ملتزمين بكتاب الله تعالى، وسُنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران: 159)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، (رواه مسلم).
وفي تاريخ الكويت الكثير من نماذج العفو، ففي عهد الشيخ مبارك الكبير، رحمه الله تعالى، حدثت بعض الأمور التي أدت إلى هجرة بعض التجار إلى البحرين، وما كان من الشيخ مبارك إلا أن طلب من التجار العودة والمساهمة في بناء الدولة، وكذلك في عهد الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله تعالى، وقعت أحداث خطيرة ومؤسفة، حيث قامت احتجاجات قتل فيها مواطنان واعتقل عدد آخر، ومرت هذه الأحداث وتم العفو والصفح، وكذلك في عهد الشيخ صباح السالم، رحمه الله تعالى، عام 1969م، حيث قام بعض السياسيين بعمليات تفجيرية في البلاد، وقبض عليهم، ولكن في النهاية تم العفو عنهم، وفي عهد الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله تعالى، بالثمانينيات، كانت هناك موجة ما سمي بـ»تفجيرات المقاهي»، وقد خرج أصحابها أثناء الغزو العراقي من السجن، ولم يُطالَبوا بالعودة إليه مرة أخرى بعد التحرير، وفي عهد المغفور له الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله تعالى، عفا عن بعض السياسيين بقضية «دخول المجلس» عام 2011م.
وها نحن في عهد الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، أصدر عفواً عن المدانين في قضايا سياسية، وعاد المهجَّرون إلى حضن بلدهم.
العفو خلق لا يصدر إلا من إنسان قريب من الله تعالى؛ لأن جزاء العفو عظيم عند الله سبحانه؛ (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى: 40)، والعفو شيمة الأقوياء، وخُلُق الكرماء، وديدن العظماء، ومن نتائجه تكوين علاقة وطيدة بين الحاكم والمحكوم، والحفاظ على وحدة الدولة وقت الشدائد.
بتحقيق هذا العفو الكريم تضع الكويت أساساً عظيماً في طريقة الإدارة والحكم الرشيد، وهي تجربة جديرة بالاحترام والتقدير، ونموذج رائع لمن أراد أن يستفيد.