بالرغم من ترسانة القوانين والمواثيق المحلية والدولية التي تؤكد ضرورة حماية الطفل والحفاظ على حقوقه، فإن الفترة الأخيرة، في فرنسا، قد شهدت نشاطاً متزايداً للشبكات الإجرامية والعصابات التي تستخدم الأطفال بشكل غير قانوني وغير إنساني، باعتبارهم الفئة الاجتماعية الأضعف في مجتمعاتهم، التي يمكن استدراجها واستغلالها.
وقد أطلقت مؤخراً منظمات حقوقية فرنسية، صيحات فزع، حول الأرقام التي كشفت عنها الدوائر الرسمية حول الاستغلال القسري للأطفال والقصر في أعمال “الدعارة،” داعية السلطات والأجهزة الأمنية لإيقاف هذا الانتهاك الجسيم لحقوق الطفل، وهذا الشكل الخطير من أشكال الاتجار بالبشر، ومحاسبة المتورطين فيه.
آلاف من الأطفال الضحايا
كشف تقرير صادم صدر عن الجمعية المناهضة لدعارة الأطفال في فرنسا (ACPE) بأن ما بين 10 آلاف و15 ألف قاصر، يمارسون “الدعارة” في جميع أنحاء فرنسا خلال السنة الماضية (2021)، لتسجل بذلك ارتفاعاً مفزعاً مقارنة بالسنوات الماضية.
وتعليقاً على هذه الأرقام، قال جان مارك دروغيه، مدير المكتب المركزي لقمع الاتجار بالبشر (OCRTEH): لقد شهدت هذه الظاهرة ارتفاعاً مقلقاً منذ عام 2015، مؤثرة بشكل خاص على الفتيات.
وأوضح دروغيه بأنه في الغالب يجري تجنيد الفتيات الصغيرات جداً اللاتي تتراوح سنهن بين 15 و17 سنة، عبر الشبكات الاجتماعية، كشبكة “إنستجرام” و”تيك توك” و”سناب شات” وغيرها، ويستجيب بالتالي العملاء للإعلانات على مواقع الإنترنت، ويجري الحصول بعدها على التصاريح في شقق “Airbnb” أو في الفنادق ذات الميزانية المحدودة.
ووفق تقرير سابق لوزارة شؤون الطفل والعائلات، فإن عصابات الاتجار بالبشر، تستهدف الأطفال والقصّر وتحديداً الإناث، من جميع الخلفيات الاجتماعية، وبخاصة الذين يكونون في حالة من حالات الضعف، كالشعور بالهشاشة النفسية، أو القصور العاطفي أو التعليمي، ومن يعانون من تفكك أسري، أو يعايشون حالات من العنف داخل الأسرة، أو أولئك الذين تعرضوا للتحرش أو الاعتداء الجنسي ولم يتمكنوا من الإبلاغ عنه.
وتعتبر الفئة الأكثر استهدافاً في الاستغلال الجنسي القسري، الأطفال غير المصحوبين بذويهم، ومن بينهم أطفال مخيمات شمال فرنسا، حيث أظهرت نتائج دراسة سابقة لمكتبي “يونيسف” في المملكة المتحدة وفرنسا، بأن المهربين يجبرون الفتيات في المخيمات على طول ساحل المانش، على “الدعارة القسرية” مقابل تسهيل سفرهن إلى المملكة المتحدة أو الإسراع في إجراء رحلتهن.
ولفتت العديد من التقارير الإعلامية والأمنية إلى أن عصابات الاتجار بالبشر التي تستغل القصّر في “الدعارة” هم في الغالب مجموعة من الرجال ذوي السجل الإجرامي، وقد أصبحت هذه التجارة غير المشروعة تستقطب مؤخراً الكثيرين، وذلك بسبب الأرباح الطائلة التي توفرها وتصل إلى 150 يورو في اليوم.
تشديد وإجراءات قانونية
على ضوء الانتشار المخيف بظاهرة التشغيل القسري للقصّر في “الدعارة”، قدمت الحكومة الفرنسية، يوم 15 نوفمبر الماضي، خطة مشتركة بين الوزارات لمحاربة هذه الآفة، ورصدت لها ميزانية مالية قدرت بنحو 14 مليون يورو.
وتستند الخطة، حسب ما أوضح وزير الدولة لشؤون الطفل والعائلات، أدريات تاكيه، على عدة ركائز، يتمثل أهمها في التوعية، وتعزيز الإجراءات القانونية ضد المشغلين والمستغلين، ودعم القصر الذين استغلوا في هذه الجريمة، والذين يعتبرون وفق القانون الصادر عام 2002، مجرد ضحايا.
وتشدد في الأثناء الجمعيات والمنظمات الحقوقية على ضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات القانونية للتصدي لهذه الظاهرة.
________________________
المصدر: موقع “تي آر تي عربي”.