مع ازدياد التهافت والمنافسة المحتدمة بين عمالقة التكنولوجيا عالمياً حول الاستثمار وتطوير تقنية “ميتافيرس”، بجانب حديث كثير من تلك الشركات عن عزمها على إطلاق خدمات ومنصات تقدّم تلك التقنية الجديدة للبشرية خلال بضعة أعوام، تصاعدت تزامناً مع ذلك مخاوف لدى خبراء بشأن الصحة العقلية لمستخدمي تلك التقنية الّتي كثيراً ما توصف بـ”الثورة” في عالم التواصل الافتراضي.
وتجمع كلمة “ميتافيرس” بين كلمتَيْ “ميتا” و”يونيفرس” بالإنجليزية، أي “الكون الفوقي”، وتشكّل نوعاً من البديل الرقمي للعالَم المادّي يمكن الوصول إليه عبر الإنترنت، ومن المفترض أن تُتيح تقنية “ميتافيرس” زيادة التفاعلات البشرية عبر الإنترنت من خلال تحريرها من القيود المادية بفضل تقنيتَي الواقع الافتراضي والواقع المعزّز.
وعقب دخول عملاق وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، الذي غيّر اسمه رسميّاً إلى “ميتا” في أكتوبر الماضي، إلى عالم “الميتافيرس” أو العالم الرقمي، أعطى دفعة ضخمة لهذا العالم، ولا سيّما للصفقات العقارية الافتراضية التي تختص ببيع وشراء وتأجير عقارات وأراضٍ على هذا العالم الموازي الموجود بالفعل منذ سنوات داخل ألعاب الفيديو.
ورغم انتشار التحذيرات المتعدّدة من خطورة “ميتافيرس”، فإن بعض خبراء التكنولوجيا والصحة العقلية يذهبون إلى أنّه مع ظهور أيّ تقنية جديدة عبر التاريخ، بدءاً من الراديو إلى التلفزيون والهاتف وألعاب الفيديو، أُثيرَت مخاوف لدى مختصّين من كونها ستشكّل تحدياً لعزلها المستخدمين عن الواقع، فيما يعتبر هؤلاء المخاوف الحالية المتعلّقة بـ”ميتافيرس” مبالغاً فيها وغير دقيقة إلى حدّ كبير، ويقولون: إنها مسألة وقت فقط قبل إدماج تلك التقنية في حياتنا اليومية.
ضبابية عالم “ميتافيرس”
يُشير بنج إدواردز، الكاتب الصحفي المتخصص في مجال التكنولوجيا المستقبلية، إلى أنّه حتّى نتمكّن من فهم أبعاد تقنية “ميتافيرس”، وما إذا كانت تجلب خيراً أم شراً للبشرية، فعلينا فهم المصطلح وتعريفه على نحو واضح.
ويرى إدواردز أنّ مصطلح “ميتافيرس” يحمل كثيراً من الغموض، لأنّه ببساطة وبادئ ذي بدء لم يدخل الخدمة بعد، و”انتشر حوله كثير من التكهّنات مما زاد الطبيعة الضبابية” لذلك المصطلح، حسب تعبير الكاتب.
ويوضح إدواردز في مقال له، نُشِرَ الأسبوع الماضي بمجلة “How-To Geek” التقنية بعنوان “لا يوجد ميتافيرس بعد”، أنّ المصطلح رأى النور أوّل مرة في رواية “سنو كراش” للكاتب نيل ستيفنسون الّتي صدرت طبعتها الأولى عام 1992، فيما “لم يجذب المصطلح منذ حينها أيّ اهتمام يُذكر إلا في الأشهر الأخيرة بعد تبنّي عمالقة التكنولوجيا مشاريع استثمارية تجارية ضخمة في هذا العالم الغامض”.
سلوك عنيف وتحرّش جنسي
وانتشرت تحذيرات من مستخدِمات لألعاب وتطبيقات تعتمد على نحو أساسي على تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزّز، تقول: إنّهن تعرضن لسلوك مهين وعنيف وحالات تحرُّش عبر ذلك العالم الافتراضي.
وتقول التحذيرات: إنّه بالنظر إلى ما أطلقه روّاد ومطوّرو تقنية “ميتافيرس”، من كونها نسخة مطوَّرة من تكنولوجيا الواقع الافتراضي والمعزّز تهدف إلى مزيد من التفاعل البشري الافتراضي المحرّر من القيود المادية، فإنّ ذلك سيجلب معه مزيداً من حالات “التحرّش الجسدي والجنسي والسلوك الفظّ والعنصرية المقيتة والتعليقات المعادية للأقليات”، وذلك لتحرّر المستخدمين من القيود وأخلاقيات التعامل المطبّقة نسبياً على أرض الواقع.
ويطالب هؤلاء عمالقة التكنولوجيا بأخذ تلك التحذيرات بعين الاعتبار والعمل على سلامة المستخدمين وتجنُّب التركيز على الأرباح والمكاسب التجارية على حساب الأخلاقيات وتوفير البيئة الافتراضية الملائمة والآمنة لجميع الأعمار ومختلف الأجناس والأعراق.
عالم مثالي
أجرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية حديثاً مع بعض الخبراء حول ما يحمله عالم “ميتافيرس” من مخاطر وميزات لمستخدميه.
ويشدّد نيك ألين، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة أوريغون، في حديث للصحيفة، على أهمية “السياق” في الحكم على التقنية الناشئة، ويرى أنّ “القواعد الأساسية للصحة العقلية تشمل العلاقات الإيجابية، والدعم الاجتماعي، والنوم الصحي، والنشاط البدني”، وعلينا النظر أوّلاً إلى مدى التأثير الّذي قد تتعرّض له تلك القواعد مع دخول “ميتافيرس” إلى عالمنا.
ويضيف ألين أنّه من الضروري قياس ذلك، ليس مع النظر إلى “مقدار الوقت الذي يقضيه المستخدمون بتلك التقنية”، ولكن التساؤل حول كون “طريقة الاستخدام ستعزّز أهداف الصحة العقلية أم ستثبطها”.
من جهته، يقول جيريمي بيلنسون، المدير المؤسس لمختبر التفاعل البشري الافتراضي بجامعة ستانفورد: إنّ “قضاء وقت طويل في عالم يكون فيه الجميع مثاليين يمثّل تحدياً كبيراً”، ويتساءل بيلنسون: “كيف سيؤثّر هذا في احترام الشخص لذاته؟”، مُشيراً إلى عقد المستخدمين مقارنات على مستوى اللاوعي بين واقعهم الحقيقي وواقع تلك التقنية الافتراضية.
ويسلّط بيتر إيتشل، أستاذ علم النفس والتواصل العلمي بجامعة “باث سبا”، الضوء على “عدم إضاعة الفرصة الهائلة” وخسارة البشرية مثل تلك التكنولوجيا لمجرّد انتشار مخاوف حولها، إذ يرى أن الشاشات والتكنولوجيا الرقمية يمكن أن تجلب “قوة هائلة من أجل الخير”، مُشيراً إلى أهمية أن “تتبع شركات التقنية نهجاً مدروساً وأخلاقياً في تطويرها للتقنية الجديدة”.
______________________
المصدر: موقع “تي آر تي”.