في ظل ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة، صار الزواج بمصر أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً لبعض الشباب، خاصة في ظل المغالاة الشديدة في المهور وتكاليف الزواج؛ الأمر الذي يضر بالمجتمع ويحرم الأبناء من تكوين أسرة سعيدة بتكاليف بسيطة، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة بمصر طبقاً للإحصاءات الرسمية بمعدلات مثيرة للقلق.
وفي هذه الأجواء، أطلقت عدة مبادرات للتخفيف من أعباء الزواج وتخفيض أعداد العنوسة.
من هذه المبادرات “بلاها شبكة” التي تهدف للحد من تكاليف الزواج، عبر تقليل تكاليف الشبكة وشراء عدد جرامات محدود من الذهب لا يتجاوز 10 آلاف أو 20 ألف جنيه، بدلاً من 100 ألف أو يزيد.
كما دشن الأزهر، مؤخراً، مبادرة لتيسير الزواج تهدف إلى القضاء على العادات السيئة والحد من نسب العنوسة المتفشية في مصر، وجاءت تحت عنوان “لتسكنوا إليها”.
وأكد بيان للأزهر أنه سيتولى نشرها وعاظ وواعظات بالمحافظات، وتهدف إلى التقليل من الهدايا المتبادلة لتكون رمزاً للمودة لا المفاخرة، وعدم تحويل فترة الخطوبة بشكل يؤدي لوقوع مشكلات، والاتفاق على كل مصروفات وتكاليف الزواج.
إبراهيم: تفعيل المبادرات لتلافي الكوارث الناجمة عن المغالاة في نفقات الزواج
كما تهدف المبادرة إلى تأجيل ما يمكن تأجيله من أثاث، والاقتصار على الضرورية، ونقل جهاز العروسة على سيارة واحدة فقط، وإلغاء عادات تكاليف الضيافة الباهظة أثناء الفرح.
بالإضافة إلى مبادرة أخرى تحت عنوان “بنك الزواج” طرحها الصحفي حسن محمود، على غرار “بنك الطعام” وبعض البنوك الأخرى، حسب قوله، لدعم الشباب ومنحهم القروض الميسرة التي تساعدهم على تكاليف الزواج.
لا بد من التفعيل لتجنب الكوارث
وفي سياق تعليقه، رحب الداعية والباحث الشرعي مصطفى إبراهيم بتلك المبادرات، ودعا إلى تفعيلها وتنشيطها والإكثار منها، وذلك لتلافي الكوارث الناجمة عن المغالاة في المهر والشبكة ونفقات الزواج، التي تحولت إلى كارثة في حالات كثيرة بدلاً من كونها سبباً للسعادة والسرور، مؤكداً أن تقليل وتخفيف المؤونة يغرس البركة في الزواج، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً”، وفي لفظ آخر: “إنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً”، والمؤونة هنا تشمل المهر والشبكة والأثاث، وتجهيز الزوجة.
ولفت إبراهيم، في حديثه لـ”المجتمع”، إلى أن المغالاة في المهور ونفقات الزواج أصبحت سبباً في سجن النساء الغارمات وهن أمهات أو ذوات الفتيات، وذلك لانتشار عادات الإكثار من الملابس والأجهزة والكماليات للعروس عند تزويجها، فيضطر أهلها للاستدانة والتوقيع على إيصالات أمانة وشيكات على بياض لشراء مستلزمات الزواج بالتقسيط، وكثيراً ما يعجز الأهل، وخاصة النساء الأرامل سواء كانت أم العروس أو أختها الكبرى، فيكون ذلك سبباً في سجنها بسبب عجزها عن سداد الأقساط، بعدما يشكوها التاجر ويقدم الشيكات أو الإيصالات لجهات التقاضي.
وأعرب عن استنكاره الشديد للعادات التي انتشرت هذه الأيام مثل شراء مائة عباءة للعروس، وأجهزة للأطفال الذين لم يولدوا بعد، وانتشار شراء الكماليات بصورة مبالغ فيها، وهو ما يصعب أمر الزواج، ويرفع معدلات العنوسة، وهو ينافي أمر الله بتجنب ظلم النفس وذلك في قوله تعالى: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (التوبة: 36)، مؤكداً أن هذا ظلم للشاب المقبل على الزواج، وكذلك للفتاة وأهلها.
خضر: الزواج صار سلعة قابلة للتسعير وحساب المكسب والخسارة
ودعا الداعية المصري أهل العروس إلى الحرص على اختيار الزوج الصالح والتقي والمناسب لابنتهم، والعمل على تيسير الزواج وليس التنافس في شراء الكماليات، وابتداع بدع جديدة كل فترة تزيد من صعوبة الزواج، ورفع معدلات العنوسة.
مبادرات تحافظ على كيان المجتمع
من جانبها، قالت المستشارة الأسرية منال خضر: إن هذه المبادرات تأتي في ظل صعوبة إيجاد عمل يحفظ كرامة الشاب ويدر دخلاً يستطيع من خلاله تقبل فكرة بناء أسرة وتحمل واجباتها والقيام بمسؤولياته تجاه أسرته، فضلاً عن الغلاء الفاحش الذي أصبح من المستحيل معه إيجاد شقة ولو بالإيجار وتجهيز أساسيات المنزل وشراء الأجهزة الكهربائية الأساسية.
وأكدت المستشارة الأسرية لـ”المجتمع” أن الزواج من أصل تكوينه وهو السكن والمودة والرحمة، إلا أنه صار سلعة قابلة للتسعير وحساب المكسب والخسارة منها، مضيفة أن الأصل في الدين والشرع التيسير والتخفيف لمساعدة الزوجين على أن يعيشوا حياة سعيدة فرشها المودة والرحمة.