تسجيلات صوتية مجهولة عبر مجموعات التواصل الاجتماعي بمصر، حول خطف مواطنين بغية سرقة أعضائهم عن طريق “شك بدبوس مخدر”، دفعت لتصاعد القلق في الساعات الأخيرة حول ظهور جديد لمافيا تجارة الأعضاء البشرية، بالتزامن مع نفي منصات إعلامية مقربة من السلطات المصرية الأمر برمته.
القصة وما فيها
من جانبه، يرى أستاذ الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر د. فتحي قناوي، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن الكلام عن “دبوس مخدر” لسرقة الأعضاء بعد الخطف يدخل في نطاق عدم المعقولية ويتجافى مع العلم، مشيراً إلى أن أي نقل لأي عضو من إنسان لآخر يحتاج إلى مراكز طبية وكوادر ووقت للتحليل ومعرفة السمات المطلوبة قبل التبرع؛ وبالتالي فقصة الخطف لسرقة الأعضاء التي تتكرر بين الحين والآخر هدفها مسموم لهز الثقة في الوضع الداخلي المصري، وفق تعبيره.
“التسجيلات المجهولة” تتحدث عن سرقة أعضاء بعد خطف بـ”دبوس مخدر”
ويضيف أن هناك بالفعل مافيا لسرقة الأعضاء، وتم الإبلاغ عن بعضها وإلقاء القبض عليها، وكان من بينهم أطباء وهياكل طبية وسماسرة، ولكن إجراءاتها تتم بأسلوب مافيا مختلف عما يشاع حول خطف إنسان من وسيلة مواصلات أو في الطريق لسرقة أي عضو من أعضائه دون سابق معرفة، ودون إجراء تحاليل طبية عليه مسبقاً أو التأكد من توافر السمات الطبية فيه التي تجعله مناسباً للتبرع بعضوه وفق الإجراءات المتبعة في النطاق القانوني العادي.
ويشير قناوي إلى أن فكرة السرقة من الشارع ووضع العضو في الثلاجة فكرة مضحكة، وتصب في سيل الإشاعات، مؤكداً أنه لا بد من الوعي لمواجهة الإشاعات أو جرائم سرقة الأعضاء على السواء.
ويوضح أن هناك عقبة في ملاحقة مافيا الأعضاء البشرية، وهي عدم الإبلاغ عنها، فالأمر يدور في نطاق السرية واستغلال العوز، وهو ما يتطلب توعية المواطنين بأن الأعضاء أمانة، وأن هناك قانوناً يقنن أي تبرع، حتى يتم القضاء على تلك المافيا.
حملة إشاعات
رسمياً، اتفقت تقارير إعلامية مقربة من السلطات على نفي الأمر واعتبرته جزءاً من حملة إشاعات، وفق وصفها.
قناوي: واقعة غير معقولة والأفضل تقوية الوعي لضبط الأمر
وفي تقرير نشره موقع “القاهرة 24″، أمس الأربعاء، أكد وجود رسالة منتشرة على “الجروبات”، أنه توجد طريقة جديدة للخطف، عن طريق الشك بالدبوس، الذي يتسبب في حالة من الإغماء الفوري سواء للفتاة أو الشاب، وتقوم العصابة باصطحابه بمركبة أخرى في انتظارهم.
الموقع الإخباري المقرب من السلطات أكد أن هذا موضوع عار تماماً عن الصحة، وما هو إلا محاولة لنشر الشائعات ونشر الرعب في نفوس المواطنين، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية لم تعلن عن تلقيها أي بلاغات بهذا الشأن.
بالتزامن مع ذلك، اتهم الكاتب بموقع “اليوم السابع” أحمد التايب من وصفهم بـ”الذباب الإلكتروني” بالوقوف وراء القصة، في مقال له اليوم بالموقع المقرب من السلطات.
ويرى التايب أن هذه الرسائل تستهدف فئة معينة من المجتمع خاصة في الأرياف والمناطق الشعبية، خاصة أن “الفويس” (الرسالة الصوتية) معد إعداداً درامياً محبوكاً لدرجة أنك تعتقد أن الرسالة موجهة إليك من قريب أو شخص أن تعرفه بالفعل، وبلغة شعبية بسيطة تتلاعب بالأعصاب، غير أن المتحدث في الرسالة يدعي أن حالة خطف حدثت بالفعل ذاكراً اسم الطريق، واسم الضحية، ويستشهد كذباً بجثة شاب عثر عليها بطريق آخر، بل إنه يستخدم القسم المتكرر بالله بأنهم وجدوا جثة في مكان منزوعة الكلية أو قرنية العين، وفق مقاله.
ونقلت تقارير إعلامية متواترة عن أطباء عدم منطقية الأمر.
وأكد أستاذ التخدير والرعاية المركزة بكلية الطب جامعة عين شمس د. أيمن ثروت أن ما تردد عن إمكانية استخدام “شك دبوس” تحت الجلد لتخدير إنسان أو أن يتسبب في غيابه عن الوعي أو النوم غير علمي وغير منطقي.
تقارير إعلامية حكومية تنفي وقعة “الدبوس المخدر” وتعتبرها إشاعة
وأوضح، في تصريحات صحفية، أنه لكي يتم تخدير إنسان يجب وضع المادة المخدرة داخل الوريد، ولن يكون ذلك بشكل بسريع، بل يستغرق الأمر فترة من 20 – 30 ثانية، كما أن التخدير أو نوم إنسان يحتاج إلى عقاقير معينة منومة تحقن داخل الوريد وليس تحت الجلد، ولا يمكن لشخص أن يقوم بتنويم شخص آخر في مدة ثانية، فضلاً عن أن استخدام أدوية منومة عن طريق الفم أو التنفس يحتاج لوقت أيضاً على الأقل ساعة إذا شرب أي إنسان أي مشروب حتى يغيب عن الوعي، كما أن كتم النفس لفترة حتى يغيب عن الوعي يحتاج لـ4 دقائق.
مافيا تجارة الأعضاء
“لا يوجد دخان من غير نار”، هكذا يقول المثل المصري الرائج، وبعيداً عن الواقعة المذكورة، فإن مصر من الدول التي تعاني من مافيا تجارة الأعضاء البشرية.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة المعلنة، فإن مصر تندرج ضمن الدول العشر الأولى ذات الرواج الأكثر لتجارة الأعضاء ولا سيما الكلى والكبد، حيث تحتل في تصنيف عام 2010 المركز الخامس عالمياً، مرجعة ذلك إلى الفقر والديون.
وذكر تقرير للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في عام 2012 إلى أن الكثير من المهاجرين الأفارقة يقتلون في صحراء سيناء شرقي مصر لتُسرق أعضاؤهم.
ووثق برنامج “بانوراما بي بي سي” الأزمة، في تحقيق استقصائي في العام 2020، تحدث فيه مع أحد تجار الأعضاء في مصر الذي قال: إن عصابته تجري ما بين 20 – 30 عملية غير قانونية لزراعة الكلى في الأسبوع، مضيفاً أن معظم الضحايا من المهاجرين واللاجئين الأفارقة الذين يحاولون جمع المال للجوء إلى أوروبا.
ومن أبرز القضايا التي أثيرت حول الأزمة، ما ظهر في نوفمبر 2021، حيث كشفت التحقيقات الأولية في قضية الاتجار بالأعضاء البشرية بالقاهرة، عن عصابة يتزعمها أطباء، وكوادر بمستشفيات وكليات العاصمة، التي حصل بسببها المتهمون على أحكام رادعة في وقت لاحق بالسجن المشدد بمدد متفاوتة.
مصر تحتل المركز الخامس عالمياً لمافيا تجارة الأعضاء البشرية
وأفادت صحيفة “الأهرام” المصرية بأن المتهمين هم: رئيس قسم الكلى بأحد المستشفيات بالقاهرة، وأستاذ مسالك بولية بإحدى كليات الطب، وأستاذ تخدير بإحدى كليات الطب، ومدير إدارة بإحدى معامل التحاليل الطبية الخاصة، وموظفة بمعهد الكلى، وممرض بأحد المستشفيات، و4 أشخاص آخرون، تخصصوا في تجارة الأعضاء البشرية، خاصة في مجال زراعة الكلى خارج الإطار القانون.
ووفق التحقيقات، عمل المتهمون على استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض البسطاء، وبينهم بعض المرضى ممن لديهم مشكلات صحية تحتاج لعمليات جراحية، وحالتهم المادية لا تمكنهم من تسديد أجور العمليات، مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 20 – 30 ألف جنيه، وعلى الجانب الآخر يقوم أفراد التشكيل العصابي بالحصول على مبالغ مالية كبيرة تبدأ من 250 ألف جنيه من متلقي التبرع.
ولكن وفق القانون، تجرى عمليات زراعة الأعضاء في مصر في إطار مقنن في المستشفيات المرخص لها بذلك فقط، وبعد تسجيل “المتبرع” لعقد تنازل رسمي في الشهر العقاري للتأكد من عدم وجود شبهة للاتجار.
وبحسب قانون تنظيم زراعة الأعضاء البشرية الصادر برقم (142) لسنة 2017، الذي صدق عليه مجلس النواب، تتراوح عقوبة الاتجار بالأعضاء البشرية ما بين السجن المشدد وغرامة 500 ألف جنيه، والسجن المؤبد والغرامة مليون جنيه، فضلًا عن العقوبات الإدارية التي توقع على المستشفيات والأطباء.