لم يكن هيناً على الروائي الفلسطيني هاني السالمي أن يرصّ الكتب التي قضى عمره بين دفاتها يطالع ويقرأ ويكتب، في زاوية غرفة مظلمة، بعد أن لم تُفْده في الحصول مصدر رزق، ينفق فيه على أسرته.
السالمي (43 عاماً)، الذي ألف عدة روايات وقصص للأطفال، آمن أخيراً أن القلم داخل قطاع غزة المُحاصر صهيونياً للعام الـ15 على التوالي، الذي تزداد فيه نسبة البطالة فيه عن أكثر من 54%، لم يعد يُطعم خبزاً، كما قال.
كان الحل الوحيد للسالمي أن وضع بيديه عربة في وسط مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، لصنع المشروبات الساخنة والسريعة (خاصة القهوة) وبيعها على قارعة طريق بمبالغ زهيدة، لعلها توفر لعائلته ما يسدّ رمقها.
مراسل “المجتمع” في غزة التقى الكاتب السالمي ليتعرف عليه وعلى قصته.
قال السالمي، وهو أبٌ لـ5 فتيات، لـ “المجتمع”: إنه كاتب وروائي وقاص فلسطيني حصل على عضوية اتحاد الكتاب عام 2007م، وصدر له مجموعة روايات وقصص للأطفال.
وأضاف السالمي: كأي خريج في غزة، تخرجت عام 2002م في كلية العلوم تخصص مياه وأرض، ومنذ ذلك الوقت وأنا أبحث عن عمل ووظيفة، ولكني لم أجد باباً يخص شهاداتي.
وتابع السالمي: 17 عامًا أبحث عن وظيفة دون جدوى، وازداد الوضع الاقتصادي في غزة صعوبة، وأصبح جلب غذائك وشرابك يتم بشق الأنفس والتعب، فعملت كدهان ونجار وشيال ومدرب بالأدب إلى أن زاد السوء والاحتياج والطلب في الأسرة للمصاريف والقوت اليومي، ففكرت بفتح بسطة صغيرة لتكون مقهى يقرأ رواده القصص ويسمعون معلومة ثقافية، فجمعت أدوات من منزلي وقمت بفتح البسطة، وكان ذلك عام 2019.
وقال: منذ طفولتي أحببت الكتابة وكنت شغوفاً بها، وأحرص دائماً على القراءة، وصدر لي مجموعة أعمال في الرواية وأدب الأطفال داخل فلسطين والوطن العربي.
وقال السالمي: إنه حصل على جوائز وإنجازات خلال حياته وتوج عام 2007 بلقب أفضل رواية شابة من قبل مؤسسة عبدالمحسن القطان (مؤسسة غير ربحية، تعمل في تطوير الثقافة والتربية) كانت تحمل اسم “الندبة”، متفوقًا على أكثر من 400 رواية.
وفي عام 2011، حصد لقب أفضل رواية شابة عن رواية “هذا الرصاص أحبه”، وكرمته وزارة الثقافة كأفضل كاتب في أدب الأطفال عن روايتي “سر الرائحة وحين اختفى وجه هند”، وحصل على أفضل عمل روائي في أدب الأطفال على مستوى الوطن العربي من دار الشارقة.
وأصدر السالمي الروايات التالية: “حين اختفى وجه هند”، و”هذا الرصاص أحبه”، و”سر الرائحة”، و”الظل يرقص معي”، و”الماسة”، و”قلب طابو”، و”الأستاذ الذي خلع بنطاله”، و”الحافلة رقم 6″، و”الجنة الثانية”.
ووصف الكتابة في غزة بالأمر المرهق والمتعب والمُكلف الذي لا يثمر بأي ثمن مادي، لكن رغم ذلك فهي ستبقى أداة فعّالة في فضح الجرائم “الإسرائيلية”، كما قال.
وقبل حوالي 3 أعوام، دفعت الظروف الاقتصادية التي عاشتها عائلة السالمي به إلى التفكير بافتتاح هذه العربة الصغيرة لبيع القهوة والمشروبات الساخنة على إحدى رُصُف المدينة.
في بداية الأمر، شعر الروائي بالأسى الشديد، حيث لم تعتد يداه التي طبعت كتباً وروايات صناعة القهوة للمارّة.
لكنّه يوماً بعد آخر، نجح في كسر حاجز القهر الذي خلّفه الحصار “الإسرائيلي” في قلوب الفلسطينيين، وبات فخوراً بمهنته التي توفر له قوت يومه.
وأمام عربته، يرتّب السالمي بعض الكراسي التي وضعها هناك من أجل إعطاء فسحة صغيرة للراحة، لمن يرغب باحتساء مشروب ساخن.
الكثير من الأحاديث الأدبية يخوضها الزبائن مع السالمي، حتّى شعر أن هؤلاء يطمئنون، حينما يقدّم لهم “روائي” كوباً من القهوة، على حدّ وصفه.
ويعتقد السالمي أن هذه التجربة الجديدة قد تكون لاحقاً رواية من رواياته يكتبها بأنامله وتزيد من ملف معرفته بالحياة ومن حوله.
وأوضح السالمي أن الظروف الاقتصادية الصعبة لن تثنيه عن مواصلة كتاباته.
ويفرض الاحتلال حصارًا على سكان غزة، وهم أكثر من مليوني نسمة، منذ فوز حركة “حماس” في الانتخابات التشريعية، في يناير 2006م، وشدّدته في العام التالي، إثر سيطرة “حماس” على القطاع، ضمن خلافات مع حركة “فتح” ما تزال مستمرة.
وبفعل الحصار والانقسام، يعيش قرابة 80% من سكان غزة على المساعدات الإنسانية، وفقاً للأمم المتحدة.
وتخطت نسبة الفقر 80%، حسب كل من المركز الفلسطيني للإحصاء (حكومي)، واللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة (غير حكومية).
ووفقاً لتقرير أصدره برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، فإن نحو 70% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي.