يحتاج الناجون من كارثة الزلازل لمساعدات نفسية، بنفس أهمية وضرورة المعونات المادية والإنسانية والطبية، لتخفيف المعاناة من مشكلات الاكتئاب المصاحبة لتلك الكوارث، هذا ما أكده علماء نفس لـ«المجتمع».
في البداية، قال أستاذ علم النفس في جامعة الكويت د. خضر البارون: إن الكوابيس واسترجاع الذكريات والقلق الشديد تعد من أكثر علامات الصدمة شيوعاً لدى المتأثرين من الزلزال، فيما تعد أعراض البكاء والارتعاش أو الهدوء المخيف بمثابة مؤشرات خطر في عيون مقدمي المساعدات النفسية.
وأضاف البارون، في تصريح لـ«المجتمع»: تتعدد المخلفات النفسية التي قد تصيب الناجين من الزلزال، وتختلف من حالة إلى أخرى، حسب شدتها وطبيعة أعراضها.
وتابع البارون: ليس كل من يتعرض لزلزال سيصاب بمشكلة صحية أو نفسية، وأولئك الذين يتعرضون لها قد يعانون من أعراض وشدة مختلفة، ويعد طلب المساعدة المتخصصة من اختصاصي أو طبيب نفسي أمراً مهماً إذا استمرت الأعراض وتداخلت مع الأداء اليومي.
وأشار البارون إلى أن الناجين من الكارثة قد يصابون بحالات الاكتئاب التي تعد إحدى المشكلات النفسية الشائعة بعد حدث مؤلم مثل الزلزال، وتتمثل أعراضه في الشعور المستمر بالحزن واليأس وفقدان الاهتمام بالأنشطة وتغيرات في الشهية وأنماط النوم.
وأردف البارون: من بين أبرز الاضطرابات أيضاً هو اضطراب نفسي يمكن أن يتطور بعد تعرض الشخص لحدث صادم، ويمكن أن تشمل تجنب التذكير بالحدث، والشعور بالخدر أو الانفصال عن الآخرين، والشعور بالقلق الشديد.
وأكد البارون أن الناجين بعد ظهور هذه الأعراض يحتاجون إلى الرعاية الصحية اللازمة، بداية بالإسعافات الأولية النفسية ومساعدة الأفراد على الشعور بالأمان من خلال خلق بيئة هادئة وداعمة، مؤكداً ضرورة التشجيع على المواجهة الإيجابية والمرونة في التعامل مع الصدمات.
فيما قال أستاذ علم النفس في جامعة الكويت د. سعود الغانم: إن الآثار النفسية للمصابين في الزلازل وخاصة الأطفال يرجع تأثيره أن الأطفال يسمون الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع ومنها النساء وأصحاب الهمم والذين يعانون من إعاقات ذهنية أو جسدية، مشيراً إلى أن الأطفال عادة يصابون بما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة.
وأوضح الغانم، في تصريح لـ«المجتمع»، أنه من الصعب الوقوف على مدى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة إلا بعد مرور شهر كامل من الحادث، وذلك من خلال رصد أعراض مثل الخوف، وكبت المشاعر، وعدم القدرة على التعبير، والكوابيس، وتجنب الأشخاص والأماكن المرتبطة بالحدث، واضطرابات في رد الفعل.
وبيَّن الغانم أن الطفل قد تحدث له ذكريات سلبية خاصة، وأن الأمور التي كان يفعلها سابقاً يبدأ التخوف من فعلها فيبدأ لديه ارتفاع الخوف من الأحداث العادية التي كان يمارسها بدون مشكلات، فلذلك نقول: إننا نحتاج اهتماماً كبيراً وفرقاً متخصصة للعناية بالأطفال بعد هذه الأزمات الكبيرة؛ لأن منهم من مصيبته عظيمة، ومنها فقد الأعزاء، فهذا سيضاعف المشكلة، فالمرحلة الأصعب هي الفقدان.
وأوضح الغانم أن الآثار قد تصيب الأطفال بارتفاع انفعال الخوف وعدم التوافق والقلق والرهبة، وأيضاً يحدث اضطراب في النوم مخافة من تكرار الحدث، والأمر الأخير هو فقدان الممتلكات المادية، فآخر مرحلة من مراحل الإصابات هي فقدان ما يتعلقون به من أمور مادية سواء أكان المنزل أو السرير الخاص أو ما يتعلق به الطفل على حسب عمره.
واختتم الغانم: فدخول الأطفال إلى بيئة جديدة قد يؤثر عليهم نفسياً، وهي أماكن لم يتعود عليها قد تكون مخيمات مؤقتة وغيرها من الأماكن التي تحاول أن تستضيف المتضررين، وهذا قد يؤدي بالطفل إلى عدم التوافق في النهاية، نحتاج إلى متخصصين في العلاج النفسي وتربويين يمهدون إلى بيئات إيجابية حتى يستطيع الأطفال التأقلم معها.
وكانت «يونيسيف» قد أعربت، في بيان لها، عن قلقها حيال العدد الكبير للأطفال المتضررين من الزلازل جنوبي تركيا وشمالي غرب سورية، وكشفت المنظمة عن أن الحصيلة الأولية تشير إلى نحو 7 ملايين طفل فقدوا، إلى حد الآن، ذويهم.
قالت الأمم المتحدة: إن أكثر من 7 ملايين طفل تضرروا جراء الزلزال المدمر جنوبي تركيا وشمالي غربي سورية، معربة عن مخاوفها حيال مقتل عدة آلاف آخرين.
وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، للصحفيين في جنيف: في تركيا، بلغ إجمالي عدد الأطفال المتضررين في المقاطعات العشر التي ضربها الزلزالان 4.6 ملايين طفل، وفي سورية، تضرر 2.5 مليون طفل.
وأضاف إلدر: تخشى «يونيسف» مقتل عدة آلاف من الأطفال، محذراً من أنه حتى بدون التحقق من الأرقام، فمن الواضح بشكل مأساوي أن الأعداد ستستمر في الازدياد.
وقال: إنه يخشى أن تكون الحصيلة النهائية محيرة للعقل.
وبالنظر إلى عدد القتلى الكارثي والمتزايد باستمرار، نوه إلدر إلى أنه من الواضح أن العديد من الأطفال سيفقدون آباءهم في هذه الزلازل المدمرة.
وفي 6 فبراير الجاري، ضرب زلزال جنوبي تركيا وشمالي سورية بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلّف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.