دأب الاحتلال البريطاني في شبه القارة الهندية على ترسيخ سياسة أن يكون الحاكم مختلفاً عن أغلبية شعبه في المعتقد، وهو ما فعله في كشمير من خلال بيع وادي كشمير ذي الأغلبية المسلمة للمهراجا الهندوسي جولاب سنغ بموجب معاهدة «أمريتسار»، فما بنود هذه المعاهدة؟ وكيف انعكست على واقع مسلمي كشمير؟
صفقة البيع
تم توقيع معاهدة «أمريتسار»، في 16 مارس 1846، بين الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية والمهراجا جولاب سنغ، زعيم قبيلة الدوغرا الهندوسية، نصت على بيع وادي كشمير بأغلبيته المسلمة للمهراجا، من خلال نقل ملكية هذه المنطقة له وورثته الذكور من بعده، مقابل أن يدفع 7.5 ملايين روبية للحكومة البريطانية.
بنود المعاهدة
شملت المعاهدة 10 بنود كانت كالآتي:
– تنقل الحكومة البريطانية ملكية جميع الأراضي الواقعة شرق نهر الإندوس وغرب نهر رافي -باستثناء لاهور- إلى المهراجا جولاب سنغ وورثته من الذكور.
– يقوم مفتشون مشتركون برسم حدود الأراضي المحولة لملكية المهراجا.
– يدفع المهراجا 7.5 ملايين روبية لبريطانيا مقابل تحويل ملكية هذه الأراضي.
– يشترط موافقة بريطانيا على أي تغيير في حدود أراضي جولاب سنغ.
– في حال حدوث أي خلاف بين المهراجا وولايات أخرى تتولى بريطانيا التحكيم ويلتزم المهراجا بقراراتها.
– يتعهد المهراجا وورثته بانضمام جميع قواته إلى القوات البريطانية لدعمها ومساندتها في حالة الحرب في الأراضي المجاورة لممتلكاته.
– لا يحق للمهراجا استخدام أي من الرعايا الغربيين دون موافقة بريطانية.
– يلتزم المهراجا باحترام بنود الاتفاقيات السابقة بخصوص الأراضي المحولة لملكيته.
– تتعهد بريطانيا بمساعدة المهراجا في حماية أراضيه ضد أي اعتداء خارجي.
– يقر المهراجا بالسيادة البريطانية، وتعبيراً عن هذا الإقرار يقدم هدية سنوية لبريطانيا تشمل: حصاناً و12 معزة جيدة السلالة، و3 أزواج من الشال الكشميري.
وبعد إبرام المعاهدة، ساعد البريطانيون جولاب سنغ في بسط سيطرته على “جامو وكشمير” ودعموه بقواتهم ضد حاكم الوادي.
أهداف المعاهدة
الأهداف الحقيقية للمعاهدة توضحها رسالة اللورد هاردنج إلى الملكة فيكتوريا بخصوص معاهدة «أمريتسار»، التي أوضح فيها أن هدف شركة الهند الشرقية من هذه المعاهدة كان إضعاف دولة السيخ وتفكيكها، ومكافأة جولاب سنغ الذي تحالف مع الإنجليز سراً وقدم خدمات جليلة لهم مكنتهم من هزيمة السيخ وانتزاع مساحات كبيرة من دولتهم.
كما أن منح كشمير ذات الأغلبية المسلمة لحاكم هندوسي يكشف بجلاء سياسة بريطانية متبعة بإسناد حكم العديد من الإمارات الهندية لحاكم من الأقلية يختلف عن أغلبية الشعب في المعتقد، وهذا يجعل الحاكم في حاجة مستمرة لدعم بريطانيا وأسيراً لمصالحها على حساب مصالح شعبه، ولن يكون هناك مجال لأن يلتقي مع مصالح أغلبية الشعب الذي يحكمه.
هذه السياسة أشار إليها الكاتب الهندي المعروف د. ظفر الإسلام خان بقوله: إن قضية كشمير في جوهرها مرتبطة بالدافع الذي تم تقسيم شبه القارة الهندية على أساسه، فالهند البريطانية كان بها 580 إمارة لها استقلال ذاتي يحكمها أمراء ومهراجات محليون بعد تقييدهم بقيود بريطانية، وكان منها مناطق ذات أغلبية هندوسية يحكمها مسلمون، ومناطق أغلبيتها مسلمون يحكمها هندوس.
كيف جنت على مسلمي كشمير؟
معاهدة «أمريتسار» فتحت الباب أمام المهراجا الهندوسي جولاب سنغ كي يفرض سيطرته على جامو وكشمير ومناطق لاداخ وبلتستان وجلجات، وأسس نظام حكم لعائلة «دوغرا» الهندوسية التي حكمت كشمير حتى عام 1947، إذ أعقبه ثلاثة حكام، هم: رانبير سنغ (1858)، وبارتاب سنغ (1885)، وهاري سنغ (1925) الذي حكم كشمير حتى التقسيم عام 1947.
سياسة اختلاف العقيدة بين الحاكم وأغلبية من يحكم أوجد فجوة واسعة بين رغبات الحاكم ومصلحة الشعب، فقد انتهجت عائلة الدوغرا الهندوسية سياسة إقطاعية في الزراعة ساهمت في زيادة المديونية على المزارعين، بل كانت كل أراضي كشمير ملكاً للمهراجا، وكانت الضرائب المفروضة على المزارعين تعادل نحو 3 أضعاف مثيلتها في البنجاب الغربية.
وللسبب نفسه، بقيت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الصالحة دون استغلال؛ إذ أحجم الفلاحون عن استثمارها خشية الضرائب التي ستحول دون أن يحققوا أي مردود من الربح أو الاحتفاظ بجزء مناسب من المحصول.
خضعت التجارة والصناعة لضرائب باهظة وصلت إلى ما نسبته 85% من قيمة البضاعة، مثل الضرائب التي فرضت على صناعة النسيج والقيود على تجارة الحرير والورق والأقمشة وخاصة صناعة الشال الكشميري.
بل بلغ الأمر أنه كان يتم فرض ضرائب على نوافذ المنازل المطلة على الطريق باعتبار أن هذه النوافذ من مظاهر الترف.
وفي كل مناحي الحياة، كان هناك تمييز ضد الأغلبية المسلمة وتطبيق التشريعات المصممة بوضوح لصالح الهندوس، فقد كتب البانديت الهندوسي بريم ناث بزاز عن هذا التميز في كتابه الذي جاء بعنوان «Inside Kashmir» ما نصه: «لم يكن حكم الدوغرا سوى تحكم هندوسي لم يعامل المسلمين معاملة عادلة، وأقصد بالمعاملة العادلة المساواة مع الهندوس، ويجب أن نعترف أن المسلمين عوملوا معاملة سيئة جداً لمجرد كونهم مسلمين، ويمكن القول: إن 28 رئيساً للوزارة تناوبوا على حكم كشمير خلال قرن من حكم الدوغرا لم يكن أي منهم مسلماً، وكانت تتم مصادرة ممتلكات أي هندوسي يعتنق الإسلام، ولا ينطبق هذا عند ارتداد المسلمين عن دينهم».
واقع المسلمين أيضاً عبر عنه رئيس الديوان الكشميري آنذاك Albion Bannerji الذي شرح أسباب استقالته عام 1929 بقوله: «إنه من غير الممكن بقاؤه مع مساوئ حكم المهراجا، فولاية جامو كشمير فيها جمهور مسلم كبير أمي تماماً يعمل في ظل الفقر والظروف الاقتصادية المتدنية، وإنهم محكومون عملياً كقطيع من الماشية.
وفي مجال التعليم، كان تأخر المسلمين واضحاً ومقصوداً، إذ إن المدارس أقيمت بالقرب من تجمعات الهندوس، بعيدة عن أماكن سكن المسلمين، فلم يتمكن المسلمون من إرسال أولادهم إلى المدارس، وكانت كل الخدمات الحكومية ممنوعة عليهم رغم كونهم الأغلبية في الولاية.
____________________
1- كتاب «المسلمون في الهند.. بين تضييق الواقع وتحديات المستقبل»، مجلة «المجتمع».
2- كتاب «كشمير دراسة في التاريخ السياسي للصراع الهندي الباكستاني»، كاظم هيلان محسن.
3- كتاب «سياحة في كشمير»، محمد بن ناصر العبودي.
4- كتاب «كشمير: ميراث متنازع عليه» (1846 – 1990)، ألاستر لامب.
5- كتاب «قضية كشمير»، أبو الأعلى المودودي.