رُوي أن لصّاً تسوَّر دار مالك بن دينار ليلاً لسرقته، وبينما كان مالك يصلي بحث اللص عن أي شيء من متاع الدنيا لأخذه، لكنه لم يجد شيئاً عند ذلك الزاهد العابد، وعندما هَمَّ بالرحيل كان مالك قد انتهى من صلاته؛ فنادى اللص: على رسلك يا هذا، على رسلك! فإني والله أستحيي أن تأتي إلى داري وترحل منها بلا شيء!
تعجب اللص من كلمات مالك وتوقف وقال له: كيف هذا؟! هل تخبئ كنزاً؟! فقد فتشت ولم أجد، فقال له مالك: بل عندي ما هو خير من ذلك.
أحضر له ماءً ودلواً وطلب منه الوضوء، ثم دعاه للصلاة ركعتين للملك الوهاب الغني الكريم، وهو الذي إن سألته أعطاك، وإن دعوته أجابك، وإن وقفت على بابه كفاك مسألتك.
تأثر اللص بكلمات مالك وصلى ركعتين، ثم لما فرغ منهما استأذن مالكاً أن يصلي ركعتين جديدتين، وهكذا حتى الفجر، وحينما طلع الصباح قال مالك للص: انصرف راشداً، فقال له اللص: لا والله، أنا ضيفك اليوم أيضاً فقد نويت الصيام.
ظل اللص عند مالك أياماً صائماً قائماً لا يفتر من العبادة، ولا يشبع قلبه من فيوضات الرحمة، حتى استأذن في الرحيل، ولزم المسجد، فكان كلما رآه أحد وسأله: ما صنع الله بك؟! قال: ذهبتُ لأسرق مالك بن دينار فسرقني!
وفي هذه القصة عدد لا بأس به من الفوائد، أهمها أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، فلا يدري أحدنا متى تكون الهداية ولا سببها ولا طريقها؛ فلا قنوط من الذنب، ولا اطمئنان لطاعة.
كذلك، فإنه مهما بلغ ذنب المسلم لا بد أن يكون وقَّافاً عند حدود الله سبحانه، فإن الله تعالى لم يخلقه شيطاناً من أهل النار، بل خلقه للطاعة، وأهَّله لها، فلا بد وأن يترك لنفسه باباً للرجوع والأوبة مهما استمرَّأ المعصية وخالط أهلها.
ثم إن الداعية إلى الله بحق لا بد وأن تستحكم الدعوة على لُبه وقلبه، فلا ينشغل بانتصار لنفس أو سعي لبطش، وإنما يرى في كل عاصٍ مشروعَ تائبٍ، وفي كل معصية بلاءً طارئاً، فالأصل في المسلم الخير، والمعصية والذنب حياله عرض يوشك أن يزول.