ينتمي هلال فجحان المطيري إلى قبيلة مطير، التي خضعت لسيطرة أشراف مكة منذ عام 1500م، ثم زحفت إلى الشمال الشرقي من مضاربها، واتفقت مع «شمر» في فترة حكم الدولة السعودية الأولى (1779م)، وتعرضت للكثير من الصعوبات الحياتية، لكن بسبب فترات القحط التي كان يعانيها غرب ووسط شبه الجزيرة، انتقلت القبيلة إلى شرقي شبه الجزيرة واستقرت بجوار قبيلة «حرب» بين «السمر»، وحتى الكويت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، إلى أن انقطعت الصلة بين مطير الشرق ومطير الغرب.
نسب «هلال» يعود إلى فرع الدياحين من مطير، حيث استقر هذا الفرع في عالية نجد، وتحديداً في منطقة «مهد الذهب» وفي هضبة الدياحين، وبمرور السنين وتقلب الأحوال السياسية والاقتصادية نزح هذا الفرع ليستقر في أرض الكويت.
وهلال كان من عشيرة «العكالا» الديحانية.
الولادة
ولد عام 1852م (أقرب تاريخ لولادته بحسب شهادة لطيفة رومي الفهد المطيري زوجة ابنه مشاري)، وفي بلدة «الجريبية» ببادية الحجاز، وتبعد نحو 250 كلم عن المدينة المنورة.
وإحدى الروايات تقول: إنه فقد والده، وهو في السابعة من عمره، ثم توفيت والدته، فبقي مع شقيقته حتى بلوغه الخامسة عشرة من العمر، حين غادر شرقاً نحو الكويت.
أول 5 سنوات
كانت الكويت اختيار هلال، ومعه شقيقته حيث تحمل مسؤوليتها بكل ثقة، وكان ذلك عام 1867م تقريباً، قاصداً بيت خاله (نقلاً عن رواية لطيفة رومي الفهد) الذي سبقه إليها ضمن هجرات (دياحين) المطير، بدأ بممارسة صيد الطيور، وهي مهنة أخذها من خاله، دون أن يطلب مساعدة من أحد، ثم عمل في جمع نوى التمر، وبيعه لأصحاب حظائر الماشية كعلف لحيواناتهم.
العلاقة مع البحر والغوص
تقول الروايات: إن أول علاقة نشأت بينه وبين البحر والغوص على اللؤلؤ كانت عن طريق النوخذة «خليفة بوربيع»، وهناك من يقول: إنه تعرف على النوخذة «سالم بوقماز» وحتى يؤمن هلال لشقيقته وضحة من يرعاها خلال رحلة الغوص الطويلة، التي تقارب الأربعة أشهر، فقد زوجها أحد أصدقائه.
بداية عمله على ظهر السفن كانت عام 1876م وقادته تلك المهنة إلى التعرف على النوخذة يعقوب النشيط، ليعمل في مهنة «سيب»، وكان مردودها المالي ضئيلاً جداً، فانتقل مساعداً لـ«الطواش» جاسم العصفور، وهنا اكتسب المعرفة والخبرة لعمليات البيع.
كان يشتري سحاتيت اللؤلؤ من كبار الطواويش، ويبيعها بسعر أعلى بقليل، وأخذ في التقرب من كبار الطواويش، بل شاركهم في العمل، وحصل على بعض الأرباح.
اللؤلؤ والاستقرار
مرت الأيام وشكلت الحياة ذاك المهاجر البدوي الصغير في رحلة البحث عن النجاح والأرباح التي قاربت عقوداً ثلاثة، وفي هذه الرحلة تزوج لأول مرة، وقد تعدى الأربعين من العمر، واستأجر بيتاً صغيراً متواضعاً في «فريج المطبة» بالحي الشرقي من مدينة الكويت، ثم نتيجة تعدد زوجاته وزيادة ثرائه قام بشراء أرض قريبة ليضمها إلى بيته في ذاك الحي، لكن الجيران تذمروا من البناء الجديد، ورفعوا الأمر إلى الحاكم الشيخ محمد بن صباح، الذي أناب شقيقيه مبارك، وجراح، لتولي أمر الخلاف، وأخبراه بعدم البناء للبيت الجديد.
هذا المنع دفعه للحديث إلى من يثق بهم، وهو إبراهيم المضف طالباً منه المشورة فأقنعه بالتوجه إلى يوسف آل إبراهيم والتوسط لدى الشيخ محمد بن صباح وأمره بمواصلة البناء وكان له ما أراد.
مكانته بين تجار اللؤلؤ
استأجر في البداية سفينة بطاقمها الكامل، فأصاب منها نجاحاً جيداً، ثم قرر الاستثمار بامتلاك سفينة، وطلب من حمود بن بدر أن يضع له سفينة خاصة من نوع «البوم» الغواص، تصلح للسفر داخل موانئ الخليج، وأطلق عليه اسم «مشهور»، وراح يشتري سفناً خاصة بالغوص من مختلف الأنواع، مثل: الشوعي، والسنبوك، والبتيل، وما أن حل عام 1914 حتى كان هلال يمتلك 28 سفينة، وهي موثقة في «دفتر قلاطة أهل الغوص وأصحاب السفن».
بلغت ضريبة «القلاطة» التي دفعها هلال في حينه 101173 روبية، فقد كان هذا المبلغ يكفي مصروفات فريج (حي) كامل مدة عام.
خزانة هلال
بعد اقتناء سفينته الخاصة «مشهور» ورحلات الطواشة لشراء اللؤلؤ من سفن الغوص وسط البحر وبيعه لتجار اللؤلؤ داخل وخارج الكويت، بدأت الثروة تنهال على هلال، ففكر أن يحفظها في منزله، فجهز خزانة خاصة به، عبارة عن غرفة في بيته ليس بها نوافذ، ولها باب واحد مصنوع من الحديد، ومفتاحها الوحيد في يد هلال نفسه، وكان يوجد بها آلاف الروبيات في أكياس متراكمة بعضها فوق بعض، لذلك أطلق على هذا المكان «خزنة هلال»، أما الخزائن الحديدية والمعروفة عند تجار اللؤلؤ باسم «تجوري» فقد اقتنى منها أكثر من واحدة فيما بعد.
ويذكر بندر بن هلال المطيري أن والده كان يملك ثلاث خزائن حديدية، واحدة بمنزله الموجود بـ«شرق» في غرفته الخاصة، والثانية في بيته بأراضي اللقطة بالبصرة والثالثة بالمعامر.
وحول ثرائه نسجت العديد من الأساطير والحكايات الشعبية التي تداولها عامة الناس.
العلاقة مع حكام الكويت
لكي تكتمل سيرة هذا الرجل لا بد من التوقف عند مرحلة مهمة جداً في حياته، تخطت حوالي الأربعين عاماً، وهي علاقاته مع السلطة السياسية بأعلى مستوياتها، فمنذ استقراره في الكويت حتى وفاته عاصر 6 حكام من آل صباح، وهم على التوالي: الشيخ عبدالله الثاني بن صباح آل صباح (1866 – 1892م)، ثم الشيخ محمد بن صباح آل صباح، والشيخ مبارك بن صباح آل صباح (مبارك الكبير)، والشيخ جابر بن مبارك آل صباح (جابر الثاني)، والشيخ سالم بن مبارك آل صباح، والشيخ أحمد الجابر بن مبارك آل صباح (1921 – 1950م).
نذكر هنا بعض الوقائع التي تنسب إلى هلال، حيث أسهم في موقعة «حمض» بعدد كبير من الجمال لنقل المؤن والرجال، وقام بتسليح وتجهيز 200 فارس من أبناء عمومته من «الدياحين»، وشارك في شراء الأخشاب والإسهام في صنع بوابات وأبراج السور في عهد الشيخ سالم الصباح عام 1920، وفي مجلس عام 1921م اختير عضواً كممثل لأعضاء الحي الشرقي.
وقد انتدبه الشيخ أحمد الجابر، الذي ربطته به علاقات خاصة ومميزة في مهمة سياسية عام 1929، ذات صلة بالصراع على الحدود الجنوبية والغربية.
يستدفئ بنار السياسة ولا يحترق
وصفه الإنجليز بدقة بأنه «كان يحمي تجارته وأمواله، ويستدفئ بنار السياسة ولا يحترق».
اتسمت حياته اليومية بأنها كانت ضمن حدود العقيدة الإسلامية السمحة، فضلاً عن تأثره بما اكتسبه في الحياة من سلوكيات الاعتدال بين الناس في عالم التجارة والتعامل بالخلق الحسن والمودة والصدق في الوعد والوفاء بالدين.
وقد أفرد الكتاب باباً خاصاً لعلاقة هلال ببعض حكام المنطقة، وهم: الملك عبدالعزيز، وحاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وبالأسرة الهاشمية في العراق، والتقدير المتبادل بينه وبين الشيخ خزعل حاكم المحمرة.
تحدث الكتاب عن موقع هلال من حركة «الإخوان» بعد ظهور فيصل بن الدويش في نجد عام 1912، وانعكاساتها عليه، وكذلك موقفه تجاه الإنجليز، فقد ذكرت بعض التقارير البريطانية أن هناك مزاعم انتشرت حول شعور الكويتيين بأنهم لا يحبون الإنجليز، ولكن لا توجد معارضة منظمة، ومنها ما كتب عن هلال في 2 مايو 1928، حيث يشير التقرير إلى أن عدداً كبيراً من المطران والنجادة يقيمون في الكويت، ومن أغنى المطران في المدينة، بل في الخليج كله، هو هلال المطيري، تاجر اللؤلؤ المليونير، وهو لا يحبنا كقومية إنجليزية، كما أنه يستطيع بكلمات قليلة منه أن يثير الناس ضدنا، لذا يجب عدم استثارته ضد الإنجليز الآن.
لقد جمعته علاقاته المالية مع عدد من تجار الكويت والهند على ضوء المنافع والمصالح المشتركة بين صفقات تجارة اللؤلؤ والاستثمار في الأراضي الزراعية.
الثروة والمكانة الاقتصادية
عند الحديث عن الثروة التي امتلكها هلال وحقيقتها، يمكن الركون إلى مركزه وأهميته كأحد أعمدة الدخل القومي، إذ سارع الشيخ مبارك الصباح إلى استرضائه أكثر من مرة بواسطة ابنه الشيخ سالم في عام 1910، ثم بعد سفره شخصياً إلى البحرين عام 1911، ولحسن الحظ تزامنت عودته إلى الكويت مع حدوث «سنة الطفحة» وهي السنة التي شهدت فيها البلاد الخير الوفير في محصول اللؤلؤ.
وحينما غادرت 1500 سفينة حملت حوالي 30 ألفاً من البحارة والغوّاصين، وتم ضخ مبالغ كبيرة في تمويل سفنهم من تجار اللؤلؤ، وأحدهم كان هلال، فكان خيراً عمّ الجميع، وبلغت أرباح هذا العام حوالي 6 ملايين روبية، ويذكر أن ثروته وصلت إلى مبلغ خيالي، وهو 8 ملايين روبية.
الأسرة والأصدقاء
أسكن جميع الزوجات اللاتي كن على ذمته في البيت، الذي كان يسكن فيه، مقابل نقعة هلال، قبالة سوق شرق حالياً، بجوار المستشفى الأميري.
أنجب ما بين 26 إلى 32 وليداً، ومع ذلك تعددت زيجاته طوال حياته التي تعدت الثمانين عاماً، وقد اقترن خلال الأربعين سنة الأخيرة من حياته بحوالي 12 امرأة، وأكبر أولاده، وهو مشاري كان عمره 26 سنة عندما توفي هلال عام 1938، وأصغرهم فجحان وكان عمره 6 سنوات.
ومن ذرية هلال، مشاري هلال المطيري، وبندر، وحمد، وفجحان، وفيصل، ومنيرة، وبزة، وشريفة.
أما أصهار هلال، فهم عبدالله ساير الساير، وخالد المخلد، والشيخ دعيج السلمان الحمود الصباح، ومساعد عبدالله الساير.
وأصدقاؤه المقربون هم شملان بن علي آل سيف، وإبراهيم المضف، وجاسم بن محمد الإبراهيم، ويوسف كانو، وحمد عبدالله الصقر، وعبيد محمد السمار.
ملامحه الشخصية
اتسمت شخصيته بالتواضع، إذ جالس البسطاء، ودفع بسخاء لمن كان محتاجاً، وأسهم في الذود عن الوطن وقت الحاجة، وعندما كان يسأله المحيطون به عن سر نجاحه وثرائه، فكان يقول: إنه الحظ ليس إلا.
وتصفه زهرة فريث بقولها: «طوال حياته كان أي فرد من الدياحين يواجه مشقة أو عسراً يستطيع أن يذهب إلى منزل هلال، فيحصل بلا شك على طلبه ومنحة تعينه على شظف الحياة».
وفي هذا الجانب يستعرض الكتاب شخصية التاجر الإنسان والذكاء والفطنة التي وهبها الله له، وتوجهاته الدينية وثقافته، وكذلك السيارة التي امتلكها من نوع «هدسن» حوالي عام 1928.
إسهامات خيرية
أسهم هلال في المجال التربوي في عدة نواح، منها مساهمته بالمدرسة المباركية، حيث تبرع بـ5 آلاف روبية، وعمل على ترميم المسجد المعروف بمسجد هلال عام 1916، وخصص لإمام المسجد مكاناً أوقفه من ماله الخاص كمدرسة دينية، وفي عام 1924 خصص لمدرسة السعادة (مدرسة الأيتام) مبلغ 4 آلاف روبية.
وأعاد بناء مسجد بمنطقة المرقاب عام 1907 وتوسعته بإضافة «الحوطة» المجاورة له، ثم جدد مسجد المناعي عام 1925، وبادر للتبرع لمسجد بالفحيحيل، وساهم كذلك في بناء مسجد سعد الناهض، وكذلك مسجد القردية عام 1915.
وفاة مليونير
أصيب هلال بعارض صحي عندما بلغ حوالي 86 عاماً، وهو مرض يطلق عليه بالكويت اسم «أبو الويدة»، وهو شلل يصيب جهة من الوجه، نتيجة لالتهاب العصب السادس، وهو ما ترك أثراً بالغاً على عينه، مما أدى إلى تغيير ملامح وجهه، وأياً كانت أسباب مرضه، فقد توقفت دقات القلب يوم 11 يوليو 1938 تاريخ مفارقة الروح للجسد صاعدة إلى بارئها.
دفن هلال، رحمه الله، في المقبرة التي أعدها لنفسه وللناس أيضاً، وسجل تاريخ الوفاة الوكيل السياسي البريطاني في الكويت الكابتن جيرالد دي جوري تحت عنوان «وفاة مليونير»، جاء فيها: «توفي الشيخ هلال المطيري الذي يبلغ من العمر حوالي ثمانين سنة، في الحادي عشر من يوليو 1938، بدأ حياته كبدوي، وامتهن عدة مهن بسيطة، تدرج في أعمال الغوص، وأصبح في النهاية يمتلك العديد من السفن، حتى سنة الأزمة المالية العالمية التي خرج منها سليماً، واشترى عقارات في بومبي والبحرين والبصرة، وتقدر ثروته بما يزيد على 120 لك روبية، ويبلغ ابنه الأكبر مشاري من العمر 25 عاماً»، أي أن تركته كانت تقدر بـ5 ملايين دولار أمريكي.
عطاءات وطنية
وفي عام 1914 شارك هلال مع 30 شخصية من تجار الكويت في تأسيس شركة لتقطير المياه المالحة، واشترى ألف سهم بسعر 10 روبيات، فكان إسهامه بالمشروع حوالي 10 آلاف روبية، وعرفت في حينه باسم «الكنديسة» تصحيفاً للاسم بالإنجليزية «Condenser» وإن جاءت النتائج مخيبة للآمال.
وفي بناء السور الثالث عام 1920م، تبرع بـ 15 ألف روبية من مجموع تبرعات جمعت في حينه وصلت إلى 200 ألف روبية، وكان في حينه تجاوز الخامسة والستين في العمر.
وبعد معركة الجهراء أقدم هلال في مطلع عام 1921 لكفالة أسر شهداء المعارك بمبلغ 16 ألف روبية.
هذا بخلاف أموال الزكاة التي غطت كل الكويت، وفاضت حتى وصلت إلى بعض فقراء المسلمين في الهند.
وفي سياق علاقته مع عشيرته «مطير» في شبه الجزيرة، تبرز حكايات منها أنه توجه في أحد مواسم الحج إلى مكة فاصطحب معه بعض أفراد عشيرته ليحجوا معه على نفقته، وفي طريقه إلى الحجاز عرج على «مهد الذهب» وهناك دعاهم «تعالوا إلى الكويت، فهي بلد خير وفير، وأنا لن أقصر معكم».
فريج هلال والمقبرة
حمل حي من أحياء منطقة المرقاب اسم «فريج هلال»، وكانت هناك مقبرة تدعى «مقبرة هلال» اشتراها وأوقفها لموتى المسلمين، بحسب رواية يعقوب الإبراهيم، أما السيد حمد هلال المطيري فيقول: إن الشيخ مبارك وهبه الأرض، وقام هلال ببناء السور حولها.
____________________________
1- جريدة الجريدة، بتاريخ 25/ 10/ 2020م.
2- كتاب «رجل من مهد الذهب هلال فجحان المطيري دراسة وثائقية».