رغم الحملة الشرسة التي شنها اليمين البريطاني واللوبي الصهيوني ضد زيارة الشيخ د. يوسف القرضاوي إلى العاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي، فإن الزيارة في مجملها حققت نجاحاً للعلاَّمة القرضاوي، ولمسلمي بريطانيا معاً.
فحملة التشهير بدأت ضد القرضاوي بمجرد وصوله لندن، لافتتاح الدورة الثالثة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعدد من الأنشطة الدعوية الأخرى.
حيث وصفت عضوة البرلمان عن حزب العمال “لويس إلمان” زيارته بأنها مثيرة للغضب، وقالت “إلمان”، وهي عضوة في جماعة أصدقاء “إسرائيل العماليين”: إنها –أي الزيارة– ستسبب عدة مشكلات أمنية.
كما قام رئيس مجلس أمناء اليهود البريطانيين “هنري جرونوالد” بتسليم الشرطة البريطانية ملفاً يضم تعليقات للقرضاوي زعم أنها تحث على الكراهية والعنف، وهي الدعوى التي رفضها الادعاء البريطاني واعتبرها غير كافية لإدانة الشيخ.
كما طالب رئيس حزب المحافظين “مايكل هوارد” بمعرفة السبب وراء عدم رفض دخول القرضاوي إلى بريطانيا.
خلفيات الهجوم
الهجوم على القرضاوي لم يكن بسبب تصريحاته أو أفكاره، فهي معروفة في العالم أجمع، ولبريطانيا ذاتها التي زارها الشيخ عشرات المرات، بل يرى البعض أن سببها الرئيس هو التحولات الإيجابية من الحكومة البريطانية وعلى رأسها “بلير” –أياً كانت الأسباب أو الأهداف– تجاه الجالية الإسلامية في بريطانيا التي يصل عددها إلى 3 ملايين مسلم على الأقل؛ حيث حذر “بلير” من تعميم الاتهام للجالية المسلمة في بريطانيا بالتطرف أو الإرهاب، وقال: “أعرف من خلال مناقشاتي مع زعماء الجالية المسلمة أنهم متأكدون من أنه إذا خرج أحد (المسيحيين) البروتستانت في شوارع إيرلندا الشمالية وقتل آخر كاثوليكياً، فإن ذلك لن ينعكس على المذهب البروتستانتي ككل”.
وتابع رئيس الوزراء البريطاني: “بينما هم (المسلمون) يشعرون في الوقت نفسه بأنه إذا ألقي القبض على متطرف أو إرهابي مسلم، فإن ذلك سينظر إليه بشكل أو بآخر على أنه إدانة للجالية المسلمة ككل”.
أرقام وزارة الداخلية البريطانية كانت قد كشفت أن نحو 35 ألف مسلم بريطاني تم توقيفهم وتفتيشهم عام 2003م من دون أسباب محددة، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وأن أقل من 50 منهم فقط وجهت إليهم تهم رسمية.
هذا التحسن الواضح في خطاب “بلير” لم يكن في مصلحة اللوبي اليهودي البريطاني الذي يرى أن من مصلحته إيجاد توتر في علاقة مسلمي بريطانيا بالحكومة واستمراره ووضعهم في قفص الاتهام، خاصة في ظل دور الجالية الرائد والمناهض للاحتلال الصهيوني في فلسطين.
مكاسب محققة
بعض المراقبين من المجتمع المسلم في بريطانيا اعتبروا أن الضجة التي ثارت على زيارة القرضاوي لبريطانيا لا تخلو من إيجابيات كثيرة –طبقاً لـ “قدس برس”– للوجود الإسلامي، فالعديد من الصحف نشرت صوراً كبيرة للشيخ القرضاوي على صدر صفحتها الأولى، وتناولت بالتحليل مواقفه، وتسربت في ثناياها مواقف كثيرة معتدلة للشيخ القرضاوي، حتى وإن تعمدت بعض وسائل الإعلام التركيز على قضية العمليات الاستشهادية.
كما أتاحت الزيارة فرصة لظهور العديد من وجوه المجتمع المسلم في وسائل الإعلام في مناظرات تلفزيونية أو إذاعية مع معارضين للزيارة، وأدلى مسلمون ومسلمات بآرائهم التي نشرت ضمن تقارير إعلامية وصحفية بخصوص الزيارة وموضوع العمليات الاستشهادية ومواقف الشيخ القرضاوي المعتدلة وقبول الإسلام بالرأي الآخر، واعترافه بالديانات السماوية، رغم عدم اعترافها به.
ويضيف المراقبون أن إسماع الشيخ القرضاوي دفاعاً قوياً عن المقاومة الفلسطينية للرأي العام البريطاني، وهو ما لم يألف البريطانيون سماعه من قبل، وتوضيحه لاعتدال الإسلام، وقبوله بالآخر، وانفتاحه على العالمين، مع رفض الظلم والاحتلال، من شأنه أن يُكسب القضايا العربية والإسلامية، وخاصة القضية الفلسطينية، تفهماً في أوساط الرأي العام البريطاني، الذي تعود على سماع صوت واحد نسبياً، هو الصوت الموالي للكيان الصهيوني والمعادي للمقاومة.
المكسب الآخر هو الموقف الكبير والنزيه لعمدة لندن “كين ليفينجستون” وإصراره على المشاركة في المؤتمرات التي يحضرها القرضاوي جنباً إلى جنب، رغم الهجمة الصهيونية واليمينية عليه؛ مما يعني أن الجالية المسلمة في بريطانيا استطاعت أن تكسب أصدقاء لها من داخل النظام ذاته تؤيد مواقفها.
____________________
العدد (1610)،/ 29 جمادى الأولى 1425هـ / 17 يوليو2004م، ص37