في هذا المقال لن نعدو بيان عنوانه المتضمن لمعنيين؛ الأول: سعي البشر في صنع الآيات، والثاني: مآل ذلك من تحقق آيات الله سبحانه وتعالى، مستعرضين إحدى عجائب الدنيا السبع، وذلك بعين التفكر كما قال سبحانه وتعالى ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ (الروم: 9).
دائمًا ما سعى أقوياء البشر في صنع الآيات، والآية في اللغة تعني العلامة؛ أي علامة القدرة والقوة، كما يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قول هود عليه السلام لقومه: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ {128} وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ (الشعراء)، وقد بقيت تلك الآيات شاهدة على مقدار قدرة البشر كمساكن عاد والهرم الأكبر وغيرهما، ولنستعرض شيئًا بسيطًا من خصائص الهرم المذهلة التي صنع لها خصيصًا علم يسمى علم «الهرميات» (Pyramidology)، وهو يدرس في الجامعات الشرقية والغربية كفرع عن علم »المصريات» (Egyptology)، فنقول:
أولًا: لابد أن نعرف أنه لم تُعرف بعد الكيفية التي بُني بها هذا الهرم الذي اكتمل بناؤه عام 2560ق.م؛ أي قبل أكثر من 5500 سنة، واستغرق 20 عاماً خلال حكم الفرعون خوفو، فكل ما يجتهد فيه علماء اليوم هو تعيين بعض الملاحظات التي يقروا بها حيازة بناة الهرم لعلوم كثيرة وأكثرها لا نعرفها الآن.
فمنها أن عدد أحجار الهرم حوالي 2.8 مليون حجر، الحجر الواحد منها يبلغ وزنه ما بين 2 – 15 طنًا، الذي منها من أحجار الجرانيت في سقف حجرة الملك وزن الحجر منها 70 طنًا، ولا أحد يعرف حتى وقتنا هذا كيف رفعت إلى مواضعها مع ذلك الحجم المهول، وقد افترض البعض نظرية أنه قد كان لديهم حينئذ علم بشيء يُعطّل الجاذبية الأرضية في ذلك المكان، فإنه يستحيل رفع حجارة بهذا الكم وهذا الوزن.
ومنها أن ارتفاع الهرم يساوي أو يقارب واحداً على مليون من المسافة ما بين الأرض والشمس 149.4 مليون كيلومتر، وبالطبع فليس ذلك الأمر مصادفة، وإن عجبنا من معرفة بُناته للمسافة بين الأرض والشمس فالعجب الأشد من غرضهم بناء الهرم على هذا المقياس الذي لا نعرف مقصدهم به إلى وقتنا هذا.
ومنها ما وصفه عالم «المصريات» William Matthew Flinders Petrie من دقة تشكيل حجارة الغلاف فقال: إنها مساوية لدقة عمل صانع النظارات اليوم، لكن على قياس فدادين، وقال: وضع مثل هذه الحجارة في الموضع المحدد هو عمل دقيق، ولكن للقيام بذلك بدون إسمنت في المفاصل يبدو شبه مستحيل.
ومنها أن محيط الهرم مقسوم على ارتفاعه يساوي 3.14، وهذا الرقم الثابت المعروف في علم الرياضيات «pi» أو «ط»؛ وهو عدد متسامي غير جبري ولا يمكن كسره، وإن عجبنا كذلك من مراعاة بُناته في هذا البناء الضخم لهذا الثابت الرياضي، فالعجب الأشد من غرضهم بذلك الذي لا نعرفه!
ومنها أن جوانب قاعدته المربعة تُحاذي الجِهات الأصلِيّة الأربع للبوصلة على أساس الشمال الحقيقي لا الشمال المغناطيسي في دقة مذهلة جعلت العلماء يعدلون حساباتهم في القرن العشرين، والمدار الذي يمر بمركز الهرم يقسم القارات والمحيطات إلى نصفين متساويين تمامًا من حيث المساحة، وموضع الأهرام الثلاثة (خوفو وخفرع ومنكورع) يوازي 3 نجوم في السماء تسمى «حزام الجبار»، وممر الدخول يشير إلى نجم «القطب الشمالي»، والدهليز الداخلي يشير إلى نجم «الشعرة اليمانية».
وكل ما ذكرت لا يكاد يُذكر فيما علمه العلماء من خصائص هذا الهرم كنظام التهوية والطاقة الكهرومغناطيسية ودرجة حرارته وغير ذلك كثير من مظاهر حيرت العلماء، هذا فضلًا عن أن الاكتشافات التي ما زالت تظهر كما حدث في مارس من 2023 حينما أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية الكشف عن ممر بالوجه الشمالي للهرم بطول 9 أمتار وعرض مترين يُعتقد أن وراءه سراً لم يصلوا إليه بعد.
هذا عن آيات البشر، أما عن آيات الله تعالى فقد رزق عباده هذا العلم القليل في جنب علمه سبحانه وتعالى، فهو الذي خلق الكون والبشر وعقولهم وما أدركته من علوم، فكان كل ذلك من آياته علامة على قوته وبقائه مع ضعفهم في جنب الله وزوالهم، وقد أمرنا الله سبحانه بتدبر معنى عدم خلود هؤلاء رغم ما حصّلوا لندرك قدرة مالكهم وقيوميته، فقال عز من قائل: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (غافر: 82)، فمهما علا البشر وقووا وكثروا فلن يُعجزوا الله تعالى ولن يفوتهم الموت.
وهذا الدرس العظيم أولى ما يجب أن يستشعره المسلمون في ظل التقدم الحضاري والتكنولوجي الحاصل الآن، فرغم كل ما تُوُصل إليه من تطور فقد صدق ربنا سبحانه في أنهم أقل علومًا وأضعف قدرة مما كانت عليه بعض الأمم السابقة التي نرى آثارهم الآن باقية ولا نجد لها تفسيرًا في علومنا، فضلًا عن أن نصنع مثلها، فينبغي على تلك الحضارة القائمة أن تخضع لسلطان الله ولا تُغرّ في قوتها، فمصيرها الزوال والموت كما كان مصير من قبلها، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾ (غافر: 21).