لا تجد مَعْلماً من معالم المسجد الأقصى المبارك إلا ويعلم المرابطة المقدسية خديجة خويص، فكل جزء فيه كان جزءاً منها، حيث كانت خطوات طفولتها الأولى منه إلى أن ترعرعت فيه وتزوجت وأنجبت أبناء أورثتهم حب «الأقصى» والدفاع عنه.
وقد علمتهم ذلك حينما كانت لهم قدوة بصمودها في الدفاع عنه بثبات، وصلابة من الصعب أن تجد لها نظيراً رغم كل المعاناة الكبيرة من الضرب والتعذيب والاعتقال الانفرادي في زنازين الاحتلال.
فهي تخط بقلبها عن حبها لـ«الأقصى» قبل أن تخطها على أوراقها بقولها: «الأقصى.. المزروع في قلوبنا حين كان النظر إليه خير من الدنيا وما فيها، فما حال السعي لنصرته والجد لإسراج قناديله؟!».
وأخذت عهداً عليها لله تعالى ولصاحب المسرى صلى الله عليه وسلم وللمسرى ألا تبرح حتى تبلغ تحريره ونصره بكل ما أوتيت من قوة، فهي تدرك حجم الخطر الذي يحدق بالمسجد الأقصى المبارك عبر محاولات الاحتلال من تكريس مُخطط التقسيم الزماني والمكاني من خلال تكثيف اقتحامات المستوطنين.
أخذت عهداً ألا تبرح مسرى رسول الله حتى تبلغ تحريره ونصره بكل ما أوتيت من قوة
وهذا الوعي الكبير لم يأتِ من فراغ؛ بل من عقيدة صحيحة راسخة في قلبها وعقلها، خاصة أنها بدأت في مرحلة طفولتها بحفظ القرآن الكريم، وقراءة كُتب السُّنة، والعديد من الكتب الإسلامية التي تسترشد من خلالها رسم طريق منهجها الصحيح.
وزاد الأمر بعد التحاقها بثانوية الأقصى الشرعية حيث درست فيها العلوم الشرعية من القرآن، والتفسير، والعقيدة، والحديث، وغيرهم الكثير.
والأمر أخذ في الازدياد حينما تبعت ذلك دراسة الشريعة الإسلامية في الجامعة، وتبعتها في الحصول على درجة الماجستير في التفسير وأصول الدين، لتعتلي بعد ذلك في دراسة الدكتوراة على أعتاب المرحلة الأخيرة من نيل درجتها العلمية، هذا كله جعلها صاحبة وعي كبير في فهم قضيتها وواجبها في حماية «الأقصى» والرباط فيه والدفاع عنه.
اقتلوهن وأولادهن
ثبات المرابطة خديجة وأخواتها المرابطات في حماية «الأقصى» يُقلق الاحتلال، الأمر الذي يجعلهن هدفاً له من خلال التضييق عليهن، ومنعهن من دخوله، وقرارات الإبعاد المتتالية، وإطلاق الرصاص عليهن، ورش الفلفل في عيونهن، وإلقاء قنابل الغاز عليهن، وأكثرها خطورة على حياتهن تكمن في محاولة قتلهن وقتل أولادهن، فكثير ما يردد جنود الاحتلال ذلك في قوله: «هدول المرابطات لازم يُقتلن هن وأولادهن»؛ لتمرير مخططاته في استهداف المسجد الأقصى المبارك.
زنزانة الحمام!
ومن المواقف الصعبة التي مرت بها المرابطة المقدسية خديجة حينما تم اعتقالها في زنزانة معزولة عن البشر، وتم نزع حجابها وجلبابها من قبل السجانة رغماً عنها، فهذا الأمر جعل الدموع تنهمر رغماً عنها بحرقة لساعات متواصلة جعلت من قواها تنهار، هذا الأمر جعلها تصلي بدون حجاب، ولا حتى السجود على الأرض.
وعندما دخل سجانو الاحتلال، لتفتيش الزنزانة؛ انفجرت باكية، وحاولت إقناعهم بأن حجابها وجلبابها هما جزء منها، وانتزاعهما هو بمثابة انتزاع جلدها وسلخه، ولا تصح صلاتها بدونه، ولا يجوز أن يراها الرجال بدونه، لكن كل ذلك كان دون جدوى، فهو عدو يحاول بأي وسيلة أن ينال من عزيمة المرابطات.
رغم صلابتها في مواجهة المحتل فإنها ذاتها الزوجة الحنون والأم الرؤوم والطالبة المجتهدة
وكانت في الزنزانة التي سُجنت فيها عبارة عن مترين بمترين، ومياه المرحاض تسيل على أرضيتها، وتحتوي على فرشة أسفل منها الصدأ والماء وصراصير ميتة، والمرحاض يمتلئ بالفضلات والأوساخ ومناديل ورقيه، وكامرتان ترصدان مكان النوم والمرحاض، وباب الحمام زجاجي شفاف منخفض يصف ما خلفه، والزنزانة مقابل غرفة السجانة.
وحينما جاء اليوم التالي وصلت للمحكمة وهي منهكة، فكانت ملامح الحزن واضحة عليها شاحبة الوجه تكتسيها ملامح الاكتئاب على غير العادة، حاولت الحديث لمحاميها عن نزع حجابها؛ الأمر الذي جعله يستصدر قراراً رغماً عن الاحتلال بإعادة حجابها وجلبابها.
حاول السجان التحايل على هذا القرار، لكن خديجة أخذت بالتكبير لأكثر من أربع ساعات؛ لتطبيق قرار إعادة حجابها الأمر الذي أرغم السجان على تنفيذ القرار.
صبر وثبات
كل هذا الظلم الواقع على المرابطات؛ من أجل أن يثنيهم الاحتلال عن الرباط في حماية المسجد الأقصى المبارك، فهن يُمثلن خط الدفاع الأول له، ويشكلن خطراً على الاحتلال في تنفيذ قرار التقسيم، لكن رغم كافة جهود الاحتلال الكبيرة في ذلك فإنها دوماً تنتهي بالفشل، خاصة أن المرابطة تعلم يقيناً أن «الأقصى» عقيدة لديها، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التنازل عنه، والدفاع عنه هو الدفاع عن عقيدتها، وإسلامها، ووطنها وبيتها وأولادها.
ورغم صلابة المرابطة خديجة في مواجهة المحتل، فإنها ذاتها الزوجة الحنون في بيتها، والأم الرؤوم لأبنائها، وهي ذاتها الطالبة المجتهدة في الدراسات العليا.