في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا أداة شديدة التأثير على الأطفال والمراهقين والبالغين على السواء، وأصبح الولوج لمشاهدة كل شيء سهلاً وميسراً وبنقرة واحدة، وجدت تجارة الإباحية مساحة مفتوحة وشديدة الاتساع للانتشار، وتمكنت عبر أساليب ترويج ودعاية من نشر إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية في العالم بأسره، وبطريقة أصبحت تشكل خطراً على حيوات الشباب كما لم يحدث من قبل.
وتتمثل مشكلة تلك المواقع ليس فيما تعرضه من مواد مُحرمة دينياً وشاذة أخلاقياً، إنما في فكرة أنها تأتي إليك ولا تنتظر أن تذهب إليها، فالإعلانات الإباحية تظهر بشكل متكرر ومفاجئ أمام مستخدمي المواقع العادية دوناً عن إرادتهم لاصطياد الضحايا باستمرار، فتلك المواقع مُصممة كفخاخ تبحث يومياً عن إيقاع مدمنين جدد عبر الانتشار والإغراق لتظهر حتى لأولئك الذين لم يبحثوا عنها ولم يذهبوا إليها بإرادتهم في المقام الأول.
المواقع الإباحية تشغل مساحة تصل إلى ثُلث إجمالي محتوى الإنترنت
ظاهرة عالمية
وبينما يروج البعض بأن مشكلة إدمان المواقع الإباحية مشكلة عربية خاصة بالشعوب التي تتسم بمناخ عام محافظ جنسياً وغير مشجع على الحرية ويمنع الاختلاط بين الجنسين، تظهر فداحة المشكلة في الأرقام والإحصاءات الصادمة التي تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر مستهلك للمواد الإباحية على الإنترنت على مستوى العالم رغم الحرية الجنسية الكبيرة التي تتمتع بها، وذلك يوضح بجلاء أن إدمان المواد الإباحية يشكل خطراً عاماً على المراهقين والشباب حول العالم، وتتمكن تلك المواقع حتى في المجتمعات المتاح فيها ممارسة الجنس بحرية من اصطياد ضحاياها لإيقاعهم في فخ الإدمان وتدمير حياتهم الطبيعية.
وتشير الإحصاءات إلى خلاف حول الأرقام الحقيقية لما يشغله المحتوى الإباحي بالنسبة إلى إجمالي المحتوى المتاح على الإنترنت، وهي تتراوح في بعض الدراسات من 5% وتصل في أخرى إلى 30%؛ أي أن المواقع الإباحية تشغل مساحة تصل إلى ثُلث إجمالي محتوى الإنترنت بأسره، وهو رقم ضخم يشير إلى ما تحتله تجارة تلك المواد من مكانة عالمياً.
خطوة وقائية
وفي مضمار المواد الإباحية، تنتشر الدراسات والمقالات التي تبحث عن كيفية العلاج من إدمان تلك المواقع بشكل كبير، بينما يُفضل دوماً العمل على التوعية للوقاية من الوقوع ابتداءً في فخ الإباحية؛ لأن إدمانها يجعل الأمر أكثر صعوبة، لذلك يجب دائماً أخذ خطوة وقائية توعوية استباقية –خاصة لدى الآباء– للحيلولة دون احتكاك أبنائهم بتلك المواد ووضع شبكة حماية قوية من حولهم لخفض خطر تلك الفخاخ الإباحية إلى الحد الأدنى.
التربية السليمة والتوعية الناضجة شرطان للوقاية من المحرمات
يقول علي الوردي، في كتابه «وعاظ السلاطين»، عن إستراتيجية تقديم الوعظ والنصح لحل مشكلات خطيرة تعتري الطبيعة البشرية وفشل تلك الإستراتيجية: «إن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ المجرد وحده، فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة، ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جُبل عليه ذلك الشيء من صفات أصيلة».
فالانجذاب نحو تلك المواد يعبر عن غريزة لدى المراهقين والشباب؛ وبالتالي مجرد الوعظ الأخلاقي المثالي عن عدم جواز مشاهدة تلك المواد المحرمة وغير الأخلاقية يبدو أنه لم يحقق النتيجة المرجوة بإثناء الشباب عن زيارة تلك المواقع؛ لذلك يجب الوصول إلى طريقة علمية وعملية توضح أخطار تلك المواد وتأثيراتها بشكل متخصص دون الاكتفاء باستخدام أساليب الوعظ والترهيب.
نصائح تربوية
إن الخطوة الأولى لحماية الإنسان لنفسه من أي أخطار أخلاقية أو شبهات ومحرمات دينية هو الوازع الديني والأخلاقي القوي، الذي يتم بناؤه منذ السنوات الأولى عبر تنشئة وتربية إسلامية أخلاقية راسخة تنمي في الأبناء مراقبة الله والخوف من ارتكاب المُحرمات.
وفي مسألة الفخ الإباحي، فإن التربية الدينية السليمة وحدها لا تكفي من دون توعية جنسية حقيقية للمراهقين والنشء لإيضاح مساوئ تلك المواقع ومشاهداتها وتجنب الخجل والكتمان التي تعتري علاقة الآباء بالأبناء، فالتوعية والتثقيف المناسب هما السبيل الوحيد للحيلولة دون وقوع الأبناء فريسة لتلك المواقع بداعي الاستكشاف والفهم في ظل التعتيم والحرمان المعلوماتي من الأهل.
من الضروري الاستعانة ببرامج الحماية التي تدعم الإنترنت الآمن
هذه التوعية العائلية لكي تحقق مرادها في حماية الأبناء من الاستكشاف والبحث عن إجابات خارج إطار العائلة، تتطلب ابتداء توافر قدر كبير من الثقة والمصداقية بين الأهل والأبناء، فغياب جسر الثقة القوي بين الآباء والأبناء قد يُضعف من أثر التوعية، إذ قد لا يثق الأبناء بمعلومات الآباء أو لا يأخذون بنصائحهم على محمل الجد في حال عدم توافر تلك الثقة، لذلك فإن توطيد العلاقة مع الأبناء بشكل دائم ومُستمر منذ نعومة أظفارهم يجعل احتمالات وقوع الأبناء فريسة لأي طرف خارجي ضعيف، ويجعل المصارحة بين الأبناء والآباء أكثر متانة لمواجهة أي مشكلات تطرأ وإجابة أي تساؤلات تثور في ذهن الأبناء بشكل علمي.
إنترنت آمن
وتقنياً، يُقدم الخبراء النصيحة بأهمية الاستعانة ببرامج الحماية التي تدعم الإنترنت الآمن والخالي من الإباحية، وذلك عبر تحميل واستخدام برامج حماية على الهاتف الذكي والحاسب الآلي تحول دون ظهور تلك المواقع نهائياً، وتفعيل خاصية البحث الآمن عبر «جوجل»، والاطلاع على الطرق التكنولوجية المُحدثة باستمرار والمُتخصصة في حجب المواد الإباحية، وهي برامج يجب تطبيقها على سائر الأجهزة المُستخدمة كخطوة استباقية لمنع تلك المواقع من الظهور ولو بشكل عارض أمام الأبناء.
وبالإضافة إلى برامج الحماية وتفعيل البحث الآمن، فإن من أهم سُبل الوقاية من الوقوع في فخ الإباحية هو خفض عدد الساعات التي يقضيها الفرد على الإنترنت بشكل عام، إذ إن إدمان المواقع الإباحية إدمان فرعي لإدمان الإنترنت بشكل عام، فقضاء عدد ساعات أكبر على الإنترنت ترفع احتمالات الوقوع في فخ الإباحية نتيجة وقت الفراغ الكبير المتاح على الإنترنت، ومن ثم يجب دائماً تقنين عدد ساعات مُحدد ومنخفض لقضاء أوقات الفراغ على الإنترنت، والقيام بأنشطة حياتية مُختلفة وممارسة الرياضة وغيرها من الفعاليات التي تصرف الذهن عن الشاشات بشكل عام.