في الوقت الذي نشهد تراجعًا ملحوظًا في الهجرة إلى الكيان الصهيوني على خلفية تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والأزمات الداخلية في الكيان، إضافة إلى ارتفاع مؤشرات التوتر الأمني بمرور الوقت.
تشير إحصائيات وزارة الهجرة والاستيعاب الصهيونية إلى تراجع الهجرة إلى الكيان بنسب تتخطى 20%، وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري، خاصة القادمين من القارتين الأمريكية الجنوبية والأوروبية، وهو ما لم يشهده الكيان خلال عقود طويلة ماضية.
الانتفاضات تسبب تراجعًا في استقدام اليهود
التجارب السابقة في الكيان تثبت أن الحروب أو الانتفاضات الفلسطينية تتسبب في تراجع هجرة اليهود إلى «تل أبيب» بشكل واضح، وصلت في بعض فتراتها إلى حد تعليق الرحلات الجوية، خاصة إبان الحرب الصهيونية الثانية على لبنان عام 2006م، التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الهجرة العكسية، خاصة إلى اليونان وقبرص وجزيرة كريت في البحر المتوسط.
تراجع الهجرة إلى الكيان الصهيوني بنسب تتخطى 20% خلال النصف الأول من عام 2023م
وطوال العقود السبعة الماضية، تباهت الوكالة اليهودية في جلب اليهود من حول العالم إلى الكيان الصهيوني، إلا أنها لم تتمكن من إقناع اليهود في الوقت الحالي، باستقدامهم نتيجة للظروف الطارئة التي تعيشها «تل أبيب»؛ بسبب الاحتجاجات والمظاهرات المستمرة ضد خطة الإصلاح القضائي في البلاد، التي يخرج على إثرها مئات الآلاف من الصهاينة أسبوعيًّا، وتراجع الثقة في الجيش.
تعنت نتنياهو مؤشر على تزايد الهجرة العكسية
وساهم تعنت نتنياهو وحكومته حيال استمرارهم في خطة الإصلاح القضائي، والتقليل من شأن المحكمة العليا وأطر الديمقراطية في البلاد، في تفكير الصهاينة الجدي للانتقال إلى تجربة الحياة خارج الكيان، خاصة مع ارتفاع مؤشرات اليمين الصهيوني المتطرف وتزايد أعداد الأحزاب الحريدية والمؤسسات الدينية اليمينية في البلاد؛ ما يدفع بالعلمانيين من الصهاينة إلى تجربة المعيشة خارج الكيان الصهيوني، حيث تتزايد أعدادهم بمرور الوقت.
ولا يمكن إنكار أن الكيان قائم بدوره على «بوتقة» صهر، بين العلمانيين والمتدينين من جانب، والقادمين من الشرق أو الغرب أو أصحاب البلد الأصليين من جانب آخر، لكنه فشل في «صهر» هؤلاء معًا، إذ نرى كلما اشتدت قوة المقاومة الفلسطينية في الداخل وتزايدت العمليات الفدائية؛ نشهد هجرة عكسية مرتفعة، وكلما خفتت تلك المقاومة؛ تدفقت موجات الهجرة إلى الكيان من بعض الدول بعينها، روسيا وفرنسا وأمريكا الجنوبية.
متغيرات جديدة ستعجل بانهيار الكيان
مع مطلع العام الجاري، فكر واحد من كل أربعة صهاينة في مغادرة البلاد، وفي ظل استمرار المظاهرات المناهضة لخطة التعديلات القضائية ارتفع عدد الراغبين في مغادرة الكيان إلى واحد من كل ثلاثة؛ وهي متغيرات جديدة ستعجل بانهيار هذا الكيان، خاصة وأن «إسرائيل» لم تتوقع حدوث صدامات داخلية وخروج مظاهرات بمئات الآلاف من الصهاينة، وانشقاق للصف الداخلي؛ وهو أعلى رقم يشهده الكيان الصهيوني من نشأته في العام 1948م، خاصة أن هذا الكيان قائم، في الأساس، على فكرة الهجرة، وتدفق الأموال، بمعنى أنها مقومات أساسية للبقاء، فكلما تراجعت تلك الفكرة وهذا التدفق معًا؛ تقلصت فرص بقاء الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
متغيرات جديدة ستعجل بانهيار الكيان في ظل استمرار المظاهرات المناهضة للتعديلات القضائية
الغريب أنه بالتوازي مع استمرار موجة المظاهرات للأسبوع الـ32، يخرج قائد سلاح الجو الصهيوني ويصرح بأن كفاءة قواته العسكرية في تراجع ملحوظ، ويثبط من همم الصهاينة أنفسهم، ليعقد بعدها «بيبي» (نتنياهو) اجتماعاً عاجلاً مع رئيس هيئة الأركان، لبحث خطورة الموقف؛ ما استدعى قادة الأجهزة الأمنية إلى عقد اجتماعات منفصلة بعيدًا عن رئيس الحكومة الصهيونية نفسه، وكأنها مؤشر ودلالة واضحة على التباين الكبير بين قادة الكيان.
افتقاد الصهاينة للأمن والأمان
تتقلص أسباب ومقومات بقاء الصهاينة على الأراضي الفلسطينية، إذ نقرأ، بين الفينة والأخرى، أن المئات من الأطباء الصهاينة يعتزمون الهجرة إلى الإمارات للبحث عن فرص حياة أفضل، وصل العدد في بعض وسائل الإعلام المنشورة باللغة العبرية إلى الآلاف، خاصة بعد انضمامهم لمحادثات جماعية على وسائل التواصل الاجتماعي، تنصحهم بالهجرة إلى أبو ظبي والمنامة أيضًا، في ظل إغرائهم بامتيازات متعددة، أهمها تأشيرات طويلة الأجل، ورواتب 3 أضعاف ما يتقاضونه في الكيان، فضلاً عن حالة «الشعور بالأمن والأمان: الذي افتقدوه في الكيان الصهيوني.
الشاهد أن حالة الإضراب الذي مر به القطاع الصحي والطبي في الكيان قبل عدة أسابيع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الآلاف من هذا القطاع يفكرون، جديًا، في الهجرة العكسية، وتقول وزارة الهجرة والاستيعاب: إن عشرات الآلاف من الصهاينة زاروا الإمارات والبحرين منذ التوقيع على اتفاقية التطبيع الموقعة في البيت الأبيض في العام 2020م، برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ وهو رقم كبير قياسًا بالسنوات القليلة التي مضت على توقيع هذا الاتفاق الذي يصفه الصهاينة بـ«التاريخي» لكونه سيفتح آفاقًا واسعة وفرصًا أفضل للعمل أمام آلاف وربما عشرات الآلاف من الصهاينة.