يتوالى صدور الإحصاءات والتقارير عن هيئات دولية أو مؤسسات محلية في أنحاء العالم، لتكشف عن ارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب، الذي أصبح أحد الأسباب الرئيسة للوفاة بين هذه الفئة العمرية.
وبحسب تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الصحة العالمية، فقد احتل الانتحار المرتبة الرابعة ضمن الأسباب المؤدية للوفاة في فئة الشباب التي تتراوح أعمارها بين 15 و29 عاماً، بعد حوادث الطرق والسل والعنف.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 700 ألف شخص في العالم يموتون كل عام بسبب الانتحار، وعلاوة على ذلك، فإن كل حالة انتحار يقابلها عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين يحاولون الانتحار.
وتظهر البيانات الصادرة عن الجمعية العالمية لمنع الانتحار أن حالة وفاة واحدة من كل 10 وفاة حول العالم ناتجة عن الانتحار.
التفكك الأسري والإدمان وغياب الوازع الديني والبطالة أبرز الأسباب
ويؤكد العديد من الخبراء أن الشباب يمثلون غالبية المنتحرين في الوقت الحالي، بسبب التفكك الأسري والإدمان وغياب الوازع الديني، إضافة إلى الفقر والبطالة والأمراض النفسية.
كما أن تقارير دولية تظهر أن أكثر من 77% من حالات الانتحار تحدث في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، ومنها دول في منطقة شرق البحر المتوسط.
وتكشف العديد من الدراسات والأبحاث أن أكثر أساليب الانتحار شيوعاً في دول المنطقة تشمل شنق النفس، والتسمم بمبيدات الآفات، وإحراق الذات، وقتل النفس بالأسلحة النارية، والغرق، وتعاطي جرعات زائدة من المخدرات.
عوامل متشابكة
وعن أسباب زيادة معدلات الانتحار، تقول سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر: إن الشخص المنتحر هو ضحية لعوامل كثيرة متشابكة ومتفاعلة، تدفعه لقمة اليأس حتى يقدم على أخذ قرار الانتحار.
وتوضح أن من بين هذه العوامل ضعف النفس، والمرض، وغياب الثقافة، والإدمان، مشيرة إلى أن هذه العوامل قد تتشابك معاً لتصيب المرء بحالة من اليأس تجعله يقدم على الانتحار.
وفي مقدمة هذه العوامل تأتي الأمراض النفسية، كالاكتئاب العقلي والنفسي.
وتؤكد فايد أن الاكتئاب العقلي هو أخطر هذه العوامل، وذلك لأنه يحتاج إلى عقاقير، خلافاً للاكتئاب النفسي الذي تكون الإصابة به مؤقتة ومرتبطة بظروف معينة يزول بزوالها.
وفي هذا الإطار، تشير إلى مشكلة الإدمان، كواحد من أهم العوامل التي تؤدي إلى الانتحار، نظراً لأن الألم النفسي الناجم عن الإصابة بمرض ما، على سبيل المثال، قد يجعل المريض يلجأ أحياناً إلى المخدرات حتى يمسي مدمناً عليها، وتحت تأثيرها، قد يسهل عليه الإقدام على أهوال الانتحار.
التفكك الأسري
من جانبها، تقول أمل رضوان، أستاذ علم الاجتماع: إنه بجانب الأمراض العقلية والنفسية، هناك أسباب أخرى مجتمعية قد تقود إلى الانتحار، مثل التفكك الأسري، والفراغ، والوحدة وعدم وجود هدف في الحياة، والخوف من العقاب عند ارتكاب جريمة ما، أو الخوف من الفضيحة والتعرض للقهر والتنمر.
وتضيف رضوان أن هناك كذلك أوضاعاً اقتصادية، مثل الفقر والبطالة؛ قد تدفع بعض الأشخاص إلى الانتحار.
أكثر من 700 ألف شخص في العالم يموتون سنوياً بسبب الانتحار
وتشير الخبيرة الاجتماعية إلى عامل آخر مهم قد يقود إلى الانتحار؛ وهو ضعف الوازع الديني.
وتشير أيضاً إلى أن التعامل الخاطئ مع الأدوية النفسية ومضادات الاكتئاب، ربما يكون من بين الأسباب التي قد تدفع صاحبها إلى الانتحار.
خوف الآباء
أما اختصاصية علم النفس التربوي هناء الرفاعي، فتشير إلى عامل آخر؛ وهو أن بعض الآباء يحذرون أبناءهم من أن العالم يمثل واقعاً خطيراً حتى يصبحوا أكثر حذراً ويقظة.
لكنها ترى أن هذه النصائح التحذيرية تضرّ بصحتهم ولا تجلب السعادة لهم وتجعلهم غير ناجحين وغير راضين عن حياتهم، وعرضة للاكتئاب والحزن والقلق.
وتنصح الرفاعي الآباء بعدم بث خوفهم وتوترهم في أبنائهم، وأن يحاولوا نزع المخاوف من قلوبهم تدريجياً.
الأزهر على خط الأزمة
مرصد الأزهر الشريف دخل هو الآخر على خط مشكلة الانتحار بعد أن كشفت إحصائية صادرة عن مكتب النائب العام بمصر أن 2584 شخصاً انتحروا خلال عام 2021م.
وذكر المرصد أن الكثير من حالات الانتحار جاءت بسبب ضغوط ومشكلات اجتماعية ناتجة عن اختلال النظام الأسري في التعامل مع الأبناء، بداية من الشدة في التعامل واستخدام العنف والصرامة في إرشادهم، وممارسة أساليب الضغط عليهم في المراحل التعليمية المختلفة، دون الأخذ في الاعتبار اختلاف درجة استيعاب كل طالب.
وأوضح أن تلك المعاملة تأتي بنتائج عكسية خطيرة على الأبناء، من بينها انعدام الثقة بالنفس والاكتئاب، والإحباط القاتل الذي قد يدفع به إلى الانتحار، خوفًا من الرسوب أو الفشل.
77 % من حالات الانتحار تقع في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل
ودعا الوالدين وأولياء الأمور إلى تحمل المسؤولية الأكبر في تقديم الدعم المعنوي والنفسي لأبنائهم وذويهم، موضحاً أن عليهم أن يبحثوا عن مواهب وقدرات أخرى يتقنها المتعثرون دراسيًّا دون أن يجعلوا رسوبهم وصمة عار تلحق بالأسرة.
غياب الوازع الديني
ورأى مرصد الأزهر أن السبب الثاني وراء حالات الانتحار لا سيما بين الفتيات الابتزاز الإلكتروني، موضحاً أنه في هذه الحالات يتم تهديد الضحية بنشر صور، أو مقاطع مصورة، أو تسريب بيانات شخصية أو معلومات خاصة بها من أجل الحصول على مكاسب مادية، أو إجبار الضحية على القيام بأعمال منافية للقيم والأخلاق؛ وهو ما يدفع الفتاة إلى اعتبار أن الانتحار المخرج الوحيد من هذه الأزمة.
واعتبر الأزهر أن السبب الثالث للإقدام على الانتحار غياب الوازع الديني والأخلاقي، مشيراً إلى أن المؤمن يدرك تمام الإدراك أن الحياة مزيج من الخير والشر، واليسر والعسر، فحين تواجهه عقبة من عقبات الحياة، فإنه يحاول التغلب عليها بسلاح الصبر على الشدائد وتحمل المكاره.
وشدد مرصد الأزهر على أن الانتحار يمثل جريمة إنسانية يرتكبها الإنسان في حق نفسه وأهله، موضحاً أنه مهما كانت المشكلات والصعوبات فعلى الإنسان أن يتحلى بالشجاعة في مواجهتها.