تستعد المقاومة في غزة وهي في أوج جاهزيتها لمواجهة غزو بري من العدو الصهيوني خلال الأيام القادمة.
ويأتي ذلك بعد أكثر من أسبوع من القصف الصهيوني الإجرامي للمدنيين في غزة، حيث قُتل أكثر من 2670 شهيداً من المدنيين، وأكثر من 9600 جريح، وفق تصريحات وزارة الصحة في غزة.
على ضوء هذا المشهد يمكن رصد أهم المتغيرات والمستجدات على حالة الاعتداء على غزة من الكيان الصهيوني، منها:
فشل المحاولة الأمريكية لإقامة تحالف ضد «حماس» وغزة:
الولايات المتحدة وعبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن اليهودي (كما عبر عن نفسه عند زيارته الأخيرة لـ«تل أبيب» بعد «طوفان الأقصى») حاولت إيجاد تحالف عربي ضد «حماس» في غزة، حيث زار بلينكن السعودية وقطر والإمارات ثم مصر.
لكنه وجد رفضاً قاطعاً من مصر والسعودية وقطر لإدانة «حماس» والموافقة على حرب ضد غزة، وطالبت هذه الدول بإيقاف قصف المدنيين وإرجاع الخدمات الإنسانية ورفض تهجير أهل غزة، وشددت هذه الدول على أن الحل بإرجاع حقوق الفلسطينيين وإنشاء دولة فلسطين على الحدود من عام 1967م وفق القرارات الدولية الصادر بهذا الشأن.
فقد توصلت بعض الدول الإقليمية التي زارها بلينكن إلى نتائج، منها أنه لا يمكن الاعتماد على الكيان الصهيوني لاستقرار المنطقة، فقد أثبتت «طوفان الأقصى» هشاشة قوة الجيش الصهيوني، حيث استطاعت قوى مقاومة (مليشيا محدودة)، من تدمير «فرقة غزة» التي تعتبر من أكفأ فرق الجيش الصهيوني والاستيلاء على 25 مستوطنة ومركزاً عسكرياً خلال ساعتين من الهجوم بأسلحة متواضعة.
وهذا يعني أن دولة الكيان الصهيوني ليس ضامناً لأي استقرار في المنطقة، وأن نتائج أي تطبيع ستكون لها مآلات سيئة على الوضع الإقليمي.
الموقف السعودي المميز:
خلال الأيام الماضية، كان الموقف السعودي مميزاً، وخصوصاً تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتحميل الكيان الصهيوني نتائج الصراع، وكذلك رفض الحرب على غزة، وخصوصاً استهداف المدنيين وتهجير أهل غزة، وطالب بتوفير الإغاثات والممرات الإنسانية لشعب غزة المحاصر.
ويشكّل الموقف السعودي الواضح والصريح ضربة لجهود الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها لتشكيل تحالف ضد «حماس»، وكذلك توفر الأسباب لعدم إمكانية التوصل لحلول تطبيعية مع الكيان الصهيوني، وركزت السعودية بشكل مباشر على حل سياسي واضح؛ وهو حل الدولتين وفق المبادرة السعودية (2002م) وقرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن.
وهو موقف شكّل تراجعاً للموقف الأمريكي المتسارع للتفاهم حول التطبيع لمكسب انتخابي يحتاجه الرئيس الأمريكي جو بايدن في المرحلة القادمة.
الأمريكيون يوفرون الدعم للكيان الصهيوني ولكن لن ينجروا لحرب إقليمية:
عندما سيّر الأمريكيون حاملة الطائرات الأولى في البحر الأبيض المتوسط، كان هدفهم التأكد من توفير الدعم العسكري والمادي والمعنوي لعدم سقوط إدارة الدولة الصهيونية؛ إذ أصيبت بذهول ورعب في أول 48 ساعة من الهجوم على الفرقة العسكرية لغلاف غزة، وسقوط آلاف الصواريخ على مدن «إسرائيلية» بما فيها «تل أبيب».
وعندما استفاقت إدارة نتنياهو وبدأت تلم شتاتها، كان في حينها الأمريكيون يسردون الرواية «الإسرائيلية» في الإعلام الأمريكي والغربي لتخفيف الضغط النفسي عن الكيان الصهيوني، (وهي رواية مليئة بالأكاذيب لدرجة أن الرئيس الأمريكي اعتذر بطريقة غير مباشرة بأن المعلومات تصله من الرئيس الصهيوني وليست استخباراته).
ومع كل الدعم الأمريكي، فإن الولايات المتحدة لن تنجر لحرب إقليمية لو توفرت عوامل نشوبها، فهناك تصريحات للرئيس الروسي والصيني والإيراني غير مريحة للأمريكيين وخصوصاً أن نتائج حرب أوكرانيا وانعكاساتها واضحة للعيان.
كما أن وزير الدفاع الأمريكي قد صرح بأن يكون الجيش «الإسرائيلي» مهيمناً في حربه ضد «حماس»، ولكن لا يدفع الشعب الفلسطيني ثمن ما تفعله «حماس»، وأكد أيضاً أن الولايات المتحدة لم تطلب من «إسرائيل» التأجيل أو الإسراع في عملياتها البرية في قطاع غزة، وأكد مستبعداً تدخلاً أمريكياً بأنهم يقدمون فقط المساعدات الأمنية وإمدادها بالذخائر والأسلحة الموجهة.
علماً بأن الأمريكيين دفعوا حاملة جديدة للطائرات «يو إس إس إيزنهاور» إلى بحر شرق المتوسط لمواجهة أي تحرك لإيران و«حزب الله» اللبناني.
الضغوط الدولية والإقليمية لفتح الممرات والإغاثة الإنسانية:
وقد بدأت تتصاعد الضغوط والمطالبات الدولية (روسيا والصين والأمم المتحدة)، والإقليمية (تركيا ومصر والسعودية وقطر وإيران..)، لإيقاف قصف المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية؛ مما يزيد من التعاطف الدولي والإقليمي مع غزة، ويزيد من الضغط النفسي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، وتحميلهم كلفة الجرائم الإنسانية في غزة، ومن الواضح أن الموقف الأمريكي وموقف الاتحاد الأوروبي بدأ يتململ من طول الوقت لعدم حسم الكيان الصهيوني لتحقيق مراده في حرب برية ضد «حماس»، وتراجعت فرص المفاجأة والمبادرة تحت الغطاء الغربي، وانكشف هذا الغطاء ليتلبس الموقف الأمريكي والغربي بجرائم الحرب التي يقترفها الكيان الصهيوني ضد المدنيين، وهي كلفة تحاول هذه الدول تطهير نفسها بادعائها أن «الإسرائيليين» يدافعون عن مواطنيهم.
موقف «حزب الله»:
يسعى «حزب الله» متردداً في اتخاذ قرار حازم للدخول في حرب ضد الكيان الصهيوني حال بدء الحرب البرية على غزة، ويظل رد فعله مقيداً عسكرياً ومنضبطاً بما يسمى «قواعد الاشتباك»، وهو الاشتباك مع العدو وفق رد فعله على الحدود اللبنانية من حيث الحجم والنوع.
وما زال تقديره للموقف يخضع لمجموعة من المعادلات، منها كلفة دخوله للحرب على حساب الدولة اللبنانية، والآثار المترتبة بتحميله نتائج الحرب المتوقعة، وتظل حرب عام 2006م أمام عينيه وناظريه.
ومنها كلفة التعبئة الجماهيرية والشعبوية والدور الريادي للدفاع عن القدس وفلسطين طيلة السنوات الماضية أمام جمهوره وحزبه وحلفائه والعرب والعالم الإسلامي.
كما يخضع أيضاً لمدى جاهزية الدعم الإيراني لمعركة طويلة عسكرياً ومادياً وتوفير الدعم اللوجستي له.
وأيضاً تقدير الموقف لما سيواجه من ضربات عسكرية من الأساطيل الأمريكية المحاذية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وفي كل الحالات، فإن «حزب الله» سيخرج خاسراً من هذا الموقف الصعب في التقدير، لذا فإن أي محاولات لهدنة أو وساطة (كالوساطة الصينية التي تتحرك بها حالياً) قد تبدو مناسبة للخروج من كلفة مستحقة لدخول الحرب من عدمها، إلا أن «حزب الله» لا يملك الخيار إلا أن يساهم بشكل ما ضد الحرب البرية على غزة.
نحو حرب برية ضد غزة:
منذ أيام يحشد الكيان الصهيوني ما يقارب 100 ألف جندي من مختلف قوى الجيش والاحتياط، يدعمهم 200 ألف جندي آخر لشن حرب برية على غزة لاستئصال «حماس»، وفق تصريحات قيادة جيش الكيان الصهيوني.
ويعترف الكيان الصهيوني بصعوبة المعركة، وأنها ستستمر لفترة طويلة؛ حيث:
– في الجبهة الصهيونية، فإن هناك تحديات أمام جيش الكيان الصهيوني وهي الحالة النفسية للمقاتلين؛ إذ إن انعكاسات «طوفان الأقصى» شكّلت اختراقاً معنوياً ونفسياً لجنود الاحتلال، وأنهت الصورة الذهنية والترويجية لقوته وقدراته.
– عادة ما يدفع جيش الكيان الصهيوني قوات الاحتياط في الساعات الأولى من الهجوم، وهذه القوات نتيجة الجمود لسنوات طويلة، فإنها لا تملك قدرة المناورة والمرونة القتالية، مما يجعلها لقمة سهلة للمقاومة.
– في حرب عام 2014م كان قائد المنطقة الجنوبية هو قائد عملية الهجوم، فقد صرح عندما تم تدمير دبابات «الميركافا» بواسطة عبوات وتفجرها بواسطة المجاهدين الفلسطينيين: «رأيت شيئاً لا يمكن تصديقه!»، على حد وصفه.
هو هو نفسه الآن سيقود الهجوم الجديد على غزة، فهم يتوقعون مقاومة شرسة وبأسلحة وتكتيكات غير معروفة.
– المتوقع أن هدف جيش الاحتلال من الحرب البرية المتوقعة على غزة هو احتلال جزء محدود من غزة لفترة لإثبات قدرة جيش الاحتلال لحماية حدوده، ثم تراجعه إلى حدود ما قبل «طوفان الأقصى»، وإعادة ترميم وتخطيط منطقة غلاف غزة لحدود صارمة معها.
– إن احتلال كامل قطاع غزة كلفته عالية، وستستغرق مدة طويلة، وخصوصاً أن غزة ذات كثافة أبنية ومعوقات، وسيتعرض الجيش الصهيوني لخسائر كبيرة.
إن طول مدة المعركة سيفكك الحالة الدولية والإقليمية إلى محاور متعارضة في الموقف الميداني بما يقلب الطاولة على الكيان الصهيوني.
متغيرات في الداخل «الإسرائيلي»:
– هناك خلافات سياسية وعسكرية بشأن قيادة نتنياهو للحرب، إذ تتهم أطراف «إسرائيلية» بفساد الطبقة السياسية وقيادات عسكرية.
– كما أنه بدأت ردود فعل تتنامى في شكل مظاهرات ضد قيادة نتنياهو، وأنه يقود أبناء صهيون إلى الموت.
– كما بدأ ملف الأسرى يتفاعل داخلياً، ومطالبة حكومة نتنياهو بإرجاع أسراهم، وهو ملف ضاغط للتفاوض وإيقاف إطلاق النار بما يربك تماسك القيادة العسكرية في الجيش.
جاهزية المقاومة الفلسطينية في غزة:
ـ لقد مضى ما يقارب 10 أيام من القصف “الإسرائيلي” على غزة، والذي أحدث دماراً هائلاً، وإثخاناً في قتل آلاف المدنيين وتشريدهم.. وهي أيام تم استيعاب صدمتها من قبل المقاومة نفسها، كما لم تصب قدرة المقاومة وبنيتها التحتية.
– وأكدت المقاومة الفلسطينية، من خلال مقاطع وتصريحات، أنها جاهزة للدفاع عن غزة، وأنها تمتلك من القدرة لهزيمة الجيش الصهيوني حال بدئه للحرب البرية.
– ويتوفر لدى المقاومة تطور هائل في نوعية الأسلحة الإستراتيجية والتكتيكية، ولديها التدريب على أنماط هذه المعارك، مع توافر مرونة الحركة وسهولتها والعمل خلف خطوط العدو.
– كما أن المقاومة قد حصلت على معلومات ووثائق وشفرات خاصة في المعارك، كشف لها التفكير الإستراتيجي والتكتيكي للقوات «الإسرائيلية»، وأثبتت قدراتها على الاختراق السيبراني لمنظومات العدو الإلكتروني والحساسة.
– صحيح أن الدمار أصاب البنية المدنية، إلاّ أن بنية المقاومة سليمة وكافية ومقتدرة، وهي ما زالت تقصف مدناً «إسرائيلية» وتقوم بعمليات خلف خطوط العدو.
المقوّمات الإيمانية والمعنوية عند المقاومة وحاضنتها شعب غزة الصامد:
– إن أكبر قدرة تملكها «حماس» هي طاقتها الإيمانية التي تربى عليها شبابها ورجالها ومجاهدوها، إذ إن المجاهد الحمساوي والشعب الغزاوي يرى في الشهادة غاية وحياة له؛ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169).
– قدرتها على التحمل والشجاعة والتوكل على الله وعدم الخوف من العدو ومن الناس؛ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران).
– إيمانهم الكبير بفضل الجهاد عن القعود:
(الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة: 20).
استشعارهم فضل الصبر والرباط:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200).
– إيمانهم بالنصر القادم:
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ {51} يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر)، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
إن إيماننا بانتصار المقاومة وشعب غزة الصامد لا يشوبه شك بإذن الله.