في ظل الأحداث الجارية، واستمرار انتهاكات الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية خاصة في حربها على أبطال غزة، واستمرار معاناة الشعب جراء هذه الأحداث، اتجهت الأنظار إلى دور الفن كأداة تعبيرية ووسيلة لتوثيق الأحداث وإبراز انتهاكات الكيان الغاصب، والواقع الإنساني المؤلم في الأراضي المحتلة، والتعبير عن رفض الاحتلال، ودعم الشعب الفلسطيني.
وفي لقائنا مع المؤلف والمخرج اليمني مروان مفرق، تناولنا الحديث حول تأثير الأحداث في غزة على الإنتاج الفني والدرامي في اليمن، خاصة في ظل هذه القضية التي تحتل مكانة مركزية في وجدان الشعوب العربية.
تاريخ المقاومة الفلسطينية يمثل مصدر ثراء فني وتاريخي
بداية، هل ما حدث في غزة أعاد تجديد اهتمام الوسط الفني بقضايا الأمة العربية وفي القلب منها القضية الفلسطينية؟
– على الرغم من الآثار الكبيرة التي تتركها الحرب الأهلية في اليمن على شعبنا بشكل عام، ونخبته الفنية بشكل خاص، فإن الشعور الوطني تجاه قضية فلسطين منغمس في وجداننا، وما يجري حاليًا في غزة يجدد ويعزز هذا الشعور، ورغم ذلك، يظهر ضعف وقلة في الإنتاج الدرامي الذي يتناول القضية الفلسطينية، حيث تقتصر بعض الجهود على الأعمال المسرحية، إلا أنني متفائل تمامًا بإمكانية إنتاج أعمال درامية نوعية وكبيرة في المستقبل.
وإن كان تخلف العمل الفني في اليمن عن الركب بقطار التقدم في الإنتاج الفني، بسبب الصراع المستمر جراء الحرب الأهلية، إلا أن هناك التزاماً قوياً لليمنيين غير منقطع بنصرة القضية الفلسطينية منذ عقود، حيث يدعمون الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تحقيق حقوقه المشروعة وإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» الذي ارتكب مجازر وجرائم متعددة.
في ظل الحرب على اليمن وآثارها المدمرة على الإنسان، وتلك الحرب على الشعب الفلسطيني وآثارها المدمرة أيضًا، هل يمكن استلهام أعمال تجمع بين معاناة الشعبين من تلك الحروب؟
– تناولنا في أعمالنا السينمائية آثار الحروب، ولاحظنا أن هذه الآثار تتشابه في أي أرض وبلد، حيث قدمنا تصويراً وافياً لهذه التأثيرات، وعند عرض أعمالنا في بعض الدول، ظهرت ردود الفعل بشكل واضح من قبل المشاهدين، خاصة الذين عاشوا تجارب الحروب في بلدان مختلفة مثل فلسطين وسورية والعراق، وهو ما يؤكد أن لغة الفن في الدراما التلفزيونية والسينما واحدة في كل أنحاء العالم، حيث تجمع أعمالنا بين الفن والإنسانية لنواكب التأثيرات الجارية للحروب ونعكسها بطريقة مؤثرة وجذابة.
هناك قصص كثيرة جدًا سواء كانت مصورة أو مكتوبة تتناول مآسي الشعب الفلسطيني، وكل منها يمكن أن يصلح بمفرده كعمل درامي مستقل، هل تصلح تلك القصص لتكون بدايات أو أساسًا لأي عمل درامي أو فني يتم صناعته محليًا أو عربيًا؟
– لطالما كان الشعب الفلسطيني على مدى 75 عامًا يروي قصص شجاعته ومقاومته ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، وعاش شهاداته المؤثرة، في تلك الفترة، شهدنا وسمعنا الكثير من القصص التي تظهر شجاعة هذا الشعب المقاوم، فضلاً عن الجرائم الكبيرة التي ارتكبها جيش الاحتلال ضده.
هذا التاريخ المشحون بالإنسانية والمقاومة يمثل مصدر ثراء فني وتاريخي يمكننا من خلاله إنتاج العديد من الأعمال الفنية في ميداني الدراما التلفزيونية والسينما.
وعلى الفنانين وصناع الأعمال الدرامية أن يتخذوا القرار بالاستفادة من هذا الإرث الثقافي الغني وألا ينسوا دورهم الكبير كمرسلين للرسائل الفنية والإنسانية، حيث يقع عليهم تحمل هذه المسؤولية بجدية.
على الفنانين ألا ينسوا دورهم في دعم فلسطين و«الأقصى»
والعدوان «الإسرائيلي» الحالي على غزة أنتج أكبر مجال في تاريخ هذه الأمة لإنتاج أعمال درامية متنوعة للتعبير عنه، خاصة عمليات قتل وتفجير رؤوس الأطفال في البيوت والشوارع والمستشفيات، وتدمير البيوت على أهلها وخروج الناس أشلاءً من تحت تلك التفجيرات، وحرب التجويع وإجبار الناس على ترك أحيائهم ومناطقهم تحت القذف، كل هذه المشاهد لا يمكن لأي فنان أو كاتب دراما أن يتغافلها أو لا يتفاعل معها لإنتاجها وتصويرها وإعادة عرضها في قالب فني مؤثر للجمهور العربي من ناحية، وللتاريخ لتوثيقها من ناحية أخرى.
فرضت وسائل التواصل الاجتماعي أشكالًا جديدة من الأعمال الفنية، هل أصبحت بديلًا للأعمال الدرامية التلفزيونية؟
– التواصل الاجتماعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وعلى الرغم من الانتشار الواسع للمحتوى الفني على هذه المنصات، فإن ما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يحل محل الدراما التلفزيونية بشكل كامل في وقتنا الحالي، حيث تتمثل الاختلافات في المعايير والفعالية الفنية، كما يبرز الأثر الملموس للدراما التلفزيونية بشكل كبير.
ومن خلال الدراما التلفزيونية، نشهد تواصلًا أعمق مع القصص والشخصيات، وتقديم رؤى متنوعة وعميقة للمواضيع والقضايا، كما تتيح الدراما تجسيد الروح الإنسانية بشكل أكبر وتعزز الفهم والتفاعل العاطفي بطرق فنية مبتكرة.
وفي ظل التحولات السريعة في وسائل الإعلام، يظل الأثر الفني للدراما التلفزيونية بارزًا وذا أهمية خاصة في تشكيل الرؤى والتأثير على الثقافة.
وفي هذه الفترة الحساسة، يجب علينا أن نوجه هذا الأثر بقوة نحو التوعية بقضية الوطن العربي الأولى، التي تحتل مكانة رئيسة في قلوبنا ووجداننا، ويتطلب تفعيل الفن في هذا السياق منا التفكير الجاد في كيفية المساهمة بفعالية في إيصال رسالتنا والتأثير في وعي الجمهور تجاه هذه القضايا الحيوية.
نستلهم معاناة الشعبين الفلسطيني واليمني في الأعمال الفنية
هل تشكل دارما الإعلام الحديث (التواصل الاجتماعي) تهديدًا للدراما التقليدية؟
– حاجتنا إلى دراما متوازنة تتنوع بين الفن التلفزيوني والإعلام الحديث تظهر بشكل واضح، ومن المستحسن أن يسهم التقدم التكنولوجي في تحسين صناعة الدراما، حيث يمكن للتطورات الحديثة أن تجعل الدراما أكثر جاذبية للشباب والمواطن الذي يتبنى التطور المستمر.
عادة ما يتم إنتاج الدراما الحديثة بواسطة أشخاص غير متخصصين؛ مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان المضمون وضعف في التقديم، على عكس ذلك، تعتمد الدراما التلفزيونية على التدقيق الدقيق والشامل لضمان أن تصل الرسالة بشكل كامل ومكتمل إلى الجمهور.
كيف يمكن للمخرج اليمني أو الممثل أن يساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية من خلال الدراما؟
– للحفاظ على الثقافة والهوية يتطلب بداية اختيار الموضوع أو القضية التي ستكون محور الحديث في العمل الدرامي، ويعتبر هذا الاختيار خطوة أساسية لتجسيد ملامح ثقافتنا الغنية والمتنوعة.
بجانب ذلك، هناك عدة أدوات تسهم في هذه المهمة، منها مواقع التصوير التي تعكس جمال وتنوع بيئاتنا، والملابس التي تؤدي دوراً مهماً في تجسيد التراث الثقافي، بالإضافة إلى استخدام اللهجة التي تعد إحدى الوسائل القوية لنقل أصالة اللغة وتعبيراتها.